فرص التعايش بين الأديان والثقافات


فئة :  قراءات في كتب

فرص التعايش بين الأديان والثقافات

فرص التعايش بين الأديان والثقافات

تقديم كتاب "التسامح ومنابع اللاّتسامح: فرص التعايش بين الأديان والثقافات" لماجد الغرباوي


"التسامح ومنابع اللاّتسامح: فرص التعايش بين الأديان والثقافات" كتاب لـ: ماجد الغرباوي، الناشر الحضارية للطباعة والنشر، إصدار معهد الأبحاث والتنمية الحضارية، الطبعة الأولى 2008، وعدد الصفحات 162 صفحة. يتناول فيه الباحث موضوعا مهمّا وهو: التسامح واللاّتسامح. في هذه القراءة سنبِّين أهم أفكاره الرئيسة مُبدِين رأينا فيها.

إنّ التسامح ضرورة حياتية تبقى الحاجة إليها قائمة ما دام هناك إنسان يمارس العنف والإقصاء والتكفير، ويرفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف، بل الحاجة إلى التسامح تشتدُّ مع اتّساع التنوّع الإثني والديني، لامتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات والثّقافات والأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة إلى مستوى التعايش والانسجام. كما عبّر الكاتب عن الوضع الحالي بالقول: "إنّ ما نشاهده اليوم من صراع محتدم بين القوميّات والأديان والمذاهب يكشف عن رخاوة الأسس التي يقوم عليها مفهوم التسامح أو غيابه، فهو في نظر الأوساط المتصارعة لا يعدو كونه قيمة أخلاقية تتحكّم به المؤثرات الاجتماعية والسياسية، وهو في رأيها مِنّة وتفضّل مشروط، قد ينقلب إلى ضدّه إذا فقد رصيده الأخلاقي، وما نحتاجه فعلا لتوطيد العلاقة بين الطوائف والقوميات مفهوم يرتكز إلى أسس متينة، تتفادى الاحتكاك على خطوط التماس".كما يرى الكاتب أنّ التسامح بمفهومه الجديد لا يتحقّق بسهولة، وأنّ تتوقف فاعليّته على حجم استجابة الأوساط الاجتماعية والدينية لضروراته، وهو في نظر الكاتب لأمر صعب، يحتاج إلى مران طويل يخفّف الإنسان خلاله من حِدّة غلوّه وتطرفه، وذلك يحتاج إلى عودة متأنّية للذات من أجل نقدها وتمحيص بناها الفكرية والعقيدية، وتأهيلها لتكون أرضية صالحة لاستنبات قيم التسامح الجديدة.

- التسامح ومنابع اللاتسامح: مقاربات تمهيدية

لا بدّ من التأكيد أنّه لم يبق أمام الشعوب الإسلامية خيار للحدّ من ثقافة الموت والاحتراب والعداء والإقصاء المتفشية في كل مكان سوى قيم التسامح، لنزع فتيل التوتر وتحويل نقاط الخلاف إلى مساحة للحوار والتفاهم بدل الاقتتال والتناحر، وهذا صعب في نظر الكاتب لكونه "يستدعي جهودا يتظافر فيها الخطاب الإعلامي مع الخطاب الثقافي والديني والسياسي والتربوي، ويتطلب تعاون الفرد مع المجتمع، والشعب مع القانون، والدولة مع الدستور. إنّه عمل جذري يستهدف البنى الفكرية والعقيدية للمجتمع، وإعادة صياغة العقل والأولويات والوعي، وتقديم فهم عصري للدين والرسالة والهدف، ونقد للمفاهيم والقيم والسلوك".

لقد اعتبر الكاتب أنّ ما نشاهده اليوم من مظاهر عنف واحتراب يستدعي العودة إلى الذات لمراجعتها، ثم الارتكاز إلى قيم جديدة تستبعد الكراهية والحقد، وتنفتح على قيم الإنسانية والدين. وهذا "يتطلب الغوص في أعماق الفكر والعقيدة بحثا عن جذور المشكلة؛ أي ينبغي البحث عن الدوافع الحقيقة وراء ثقافة الموت والاستهانة بالحياة وتكفير المجتمع. وتقصّي المفاهيم المسؤولة عن صياغة البنى الفكرية والمعرفية لعدوانية المرء تجاه الآخر أيّا كان الآخر داخليا أم خارجيا، دينيّا أم سياسيا".

التسامح: الدلالات

ومن الحديث عن التسامح ومنابع اللاّتسامح، توقّف الكاتب كذلك عند دلالات التسامح؛ فبخصوص الدلالة اللغوية لمفهوم التسامح يرى الكاتب أنّها: تستبطن المِنّة والكرم، وتشير هذه الدلالة أيضا إلى وجود فارق أخلاقي بين المتسامِح والمتسامح معه. فليست هناك مساواة بين الطرفين، وإنّما هناك يدٌ عليا واهبة، ويد سفلى متلقّية، وهو مقتضى المنّة والكرم. في نظرنا نعتبر أنّ التسامح واجب علينا فلا هو مَنٌّ ولا كرم بل هو حقّ للآخر. وفي معناه الاصطلاحي يراد به الموقف الإيجابي الذي يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة بعيدا عن الإقصاء، على أساس شرعية الآخر المختلف دينيا وسياسيا وحرية التعبير عن آرائه وعقيدته. وفي علاقة بذلك، يتساءل الكاتب: ما هو المطلوب من الشخص المتسامِح؟ هل المطلوب التنازل عن القناعات الفكرية والعقيدية نزولا عند رغبة الآخر، أم إنّ ذلك ضرورة يقتضيها التسامح؟ أم إنّ التسامح يعني الانصياع والتبعية والرضوخ للآخر المختلف؟

انطلاقا من الأسئلة المطروحة أعلاه، يرى الكاتب "لا هذا ولا ذاك، وإنما التسامح يعني اعترافا بالآخر والتعايش معه على أساس حرية العقيدة وحرية التعبير، لا تكرُّما ولا منَّة، وإنما هو حق باعتبار تعدد الطرق إلى الحقيقة، وعدم وجود حق مطلق لدى طرف دون آخر، وأنّ الحقيقة موجودة لدى جميع الاتجاهات الدينية والعقيدية على أساس وحدة الحقيقة وتعدّد التجارب الدينية". وثمة نقطة جوهرية، وهي أنّ التسامح لا يقتصر على الجانب الديني، بل يتعدّاه إلى ما هو سياسي وإيديولوجي واجتماعي، فالتسامح السياسي مثلا هو اعتراف بالآخر وحقّه في التعبير عن رأيه وممارسته. ونفس الأمر على مستوى التسامح الاجتماعي؛ أي الاعتراف بالآخر على أساس إنساني بعد تجريد مرجعية التفاضل من القيم العنصرية.

- منابع اللاتسامح

إنّ منابع التسامح - حسب الكاتب - تتعدّد تبعا لطبيعة المجتمع ثقافيا وفكريا وعقيديا، وأيضا تبعا لمستوى حضور الدين ومدى تمسك المجتمع بالقيم الدينية والاجتماعية. ومن منابع اللاتسامح يذكر الكاتب ما يلي:

أوّلا: منطق العنف: إنّ العنف كان سائدا داخل المجتمعات غير المتحضّرة التي ترفض الاحتكام للقانون أو الأعراف، وبالتالي يبقى العنف السبيل لتقرير المصير. يقول الكاتب "لجوء الإنسان البدائي للقوة والعنف كان دفاعا عن النفس بسبب الأخطار المحدقة به، ولمّا ظهر التنافس بين المجموعة البشرية الواحدة واحتدم الصراع على المراعي والحقول، لجأ الإنسان إلى العنف للدفاع عن حياته وعائلته وممتلكاته"، وإذا لم تعمّ ثقافة التسامح اليوم ربما سيعود الصراع والعصبية، فيكون الفيصل لغة الدم، يقول الكاتب "ينبغي علينا أن نعي مهمّة ثقافة السلام والتسامح وضرورة انتشارها وتثقيف الشعب عليها عبر خطاب مؤهّل قادر على استنبات قيم جديدة، بدلا من النسق القيمي الذي نطمح لاجتثاثه، بمستوى يصبح التسامح مسؤولية تاريخية يتصدى لها جميع أبناء الوطن من أجل الوطن ووحدته وسلامته وأمنه ومستقبله، كي يلمس الشعب حقيقة التحوّل الذي طرأ على البلاد نتيجة التحوّلات التي مرّ بها".

- الولاء القبَلي: هذا الولاء يعدُّ من منابع اللاّتسامح، ونحن نعيش اليوم الولاء والتعصب إمّا للدين أو للمذهب أو للحزب، في غياب شبه تام لمقدّمات العيش في إطار الاختلاف، فالهوّة تتسع ويتسع معها العنف. ينبه الكاتب إلى خطورة الولاء القلبي بالقول "ليست العشائر في المجتمع القبَلي سوى خطر كامن يتفجر متى شاء، إذ أنّ قرار العشيرة قادر على تحريك كل أفرادها وبالتالي تعبئتهم ضد أية جهة، وحينما تتعرض مصالح العشيرة للخطر، حتى وإن كان ذلك على حق، فإنّها تتمرد على قرارات الدولة وإرادة القانون... فالمجتمع القبلي عبارة عن قنابل نووية مخصبة قابل للتفجير والانتشار الواسع. فتفكيك النسق القيمي وليس الاجتماعي للقبيلة وإعادة تشكيل العقل العشائري له الأولوية في عملية التغيير المرتقبة، ليصير إلى وسط اجتماعي يتقبل التحوّلات الجديدة ويتفاعل مع قيم التسامح".

- سلطة القيم: يرى الكاتب أنّ ترزيق (تلقين) القيم إلى وعي الفرد يبدأ عادة في السنوات الأولى من حياته عندما يُلقّن بمفاهيم الخضوع والاستسلام للقيم، ويُلزم بقيم الاحترام والطاعة والخضوع، أي يُلقّن بمفاهيم قيمية يراد له الالتزام بها كي يكتسب احترام المجتمع. وهنا يعطينا الكاتب المثال التالي: فحينما يرتكز المجتمع إلى العنف في تسوية الخلافات وانتزاع الحقوق، فإنّ الاحتكام إلى العقل والتسامح، من قبل بعض الأفراد، يصبح جبنا. وهناك مثال آخر متعلّق بالعقلية الذكورية، فحسب الكاتب "تتصف مجتمعاتنا أيضا بأنها مجتمعات ذكورية، تمنح الرجل صلاحيات واسعة في مقابل تهميش المرأة وتحقيرها، وتلغي وجودها وتعتبرها أنثى يطأها الرجل حينما يرغب ويتخلى عنها متى يشاء"، وهذا فيه إقصاء للمرأة ومنعها من حقها في أداء رسالتها الحضارية إلى جانب أخيها الرجل.

إذًا لا بدّ من نسق قيمي يطال المشاعر والأحاسيس يؤهّل الإنسان لحياة جديدة قائمة على التسامح وإعادة وعي العلاقة بين جميع الأطراف، بشكل معقول ومنسجم مع طبيعة النفس البشرية الموغلة بالنقص والخطأ، يتفهّم الحالات المختلفة أو المتناقضة التي تطرأ على الإنسان.

- الاستبداد السياسي: يؤكد الكاتب على أنّ الاستبداد السياسي يعدُّ خصما حقيقيا للتسامح؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه الاعتراف بالآخر جوهر التسامح الديني والسياسي والاجتماعي، يعتبر رفض الآخر وتهشيمه جوهر الاستبداد السياسي، لذا لا يمكن التوفيق بينهما. وبالتالي، لا يمكن إشاعة قيم التسامح في ظل أجواء التفرّد والاستبداد بالسلطة، لأنّ طبيعة الاستبداد تقتضي عدم الاعتراف بالحقوق السياسية للآخر، التي منها حقّه في ممارسة السلطة مع استكمال الشروط اللازمة لها.

- العنف الديني: يعتبر العنف الديني أحد أخطر منابع اللاتسامح، لتلبّسه ببُعد شرعي، وتوظيفه النص الديني، وسرعة تصديقه من قِبَل الناس، وقدرته على التخفّي تحت غطاء الشرعية والواجب والجهاد والعمل الصالح. فـ "عندما نعود إلى سياق التسامح ومنابع اللاتسامح نؤكد أنّ الفهم الذي يكرّس الأحقاد ويصرّ على تكفير الآخرين، من أجل شرعنة قتالهم ومطاردتهم، هو فهم لا ينسجم مع روح الشريعة الإسلامية، وبعدها الإنساني، وبالتالي فهذا الفهم يُعدّ من أخطر منابع اللاتسامح، لالتساقه بالدين الحنيف، فالمطلوب من أجل الرقّي إلى مستوى المجتمعات المتسامحة العمل على تفكيك الخطاب الديني المتطرّف، وتفتيت بناه المعرفية، وإشاعة وعي ديني قادر على فهم الحقيقة، كي يتوارى هذا اللون من الفهم ويحلّ محلّه خطاب متّزن يمهّد لاستنبات قيم التسامح والعفو والرحمة".

- التسامح: تأصيل الأسس

للتسامح أسس، وإرساؤها يعدّ مدخلا لجعل المجتمعات محتضنة لقيم التسامح ونبذ اللاتسامح، وهذه الأسس:

- حقوق المواطنة: إذا كان الشعب غير مُهيّئ نفسيا وفكريا وثقافيا للاعتراف بالآخر، لأي سبب كان، فإنّ قبول الآخر وقبول التعايش معه أمر تفرضه وحدة الوطن، من أجل استتباب الأوضاع واستقرار الأمن والسلام. من هنا تكون حقوق المواطنة أحد الأسس الكفيلة بإرساء دعائم التسامح داخل المجتمع ولو بشكل مرحلي، وهي "قضيّة تمليها وحدة الوطن والحرية الشخصية والاعتراف المتبادل بين أبناء الشعب جميعا، رغم تنوّع خصوصياتهم؛ أي أنّ جميع الأفراد، وفقا لحقوق المواطنة، متساوون بالحقوق والواجبات على أساس التساوي في انتمائهم للوطن الواحد. مما يعني أنّ مقتضى حقوق المواطنة هو تقديم ولاء الوطن على غيره من الولاءات".

- الحقوق الإسلامية لغير المسلمين: أي لا بدّ أن يرتكز المجتمع على قاعدة احترام الخصوصيات التي تنطلق من عناصر الالتزامات الدينية؛ بحيث لا يعتدي فريق على آخر، ولا يضطهده في خصوصياته. وفي ضوء ذلك "تتحدّد حرية المعتقد والتعبير في الضوابط القانونية الخاضعة للسلامة العامة للنظام والإنسان، على هذا الأساس ينفتح العيش المشترك في المساواة في الحقوق والواجبات في القانون العام. وفي الخصوصيات الشخصية، وفي مسألة الحريات في نطاق المسؤولية عن الفرد والمجتمع". ويبقى المطلوب حسب الكاتب هو الارتكاز إلى التسامح بالمعنى الاصطلاحي للكلمة لفاعليته وتجذّره وقدرته على ترسيخ قيم المجتمع المدني. أي المطلوب أساسا هو الاعتراف بالآخر وبحقوقه المشروعة، باعتبار تعدد الطرق إلى الحقيقة على صعيد التجربة الدينية.

- سيادة القانون: مثلما أنّ حقوق المواطنة هي الأساس الأول لإرساء قيم التسامح في المجتمع، فإنّ القانون وسيادته هو الأساس الثاني لها. بل لا يمكن للتسامح الاستمرار في تأثيره الاجتماعي ما لم يكن هناك قانون يستند إليه ويدافع عن قيمه، سيما إذا لم يتمثل الشعب بُعد التسامح إلى درجة الاعتراف بالآخر اعترافا حقيقيا. لذلك فإنّ وجود القانون ضروري. وفي هذا الباب يقول المؤلِّف: "مهما كان المستوى الثقافي للمواطن جيّدا غير أنّ نوازعه النفسية وطموحاته السياسية وقراءته المتباينة للأديان والحقوق القومية والطائفية، جميعها تساعد على زعزعة الأوضاع، وتخلق فراغا كبيرا إذا ما تفاقمت الحالة وتعذّرت السيطرة عليها. غير أنّ القانون سيلعب دورا أكبر، إذا توافر على قوة ردع عالية، مرتكزة إلى حرص السلطات التنفيذية والقضائية على تطبيقه، إضافة إلى حجم الحماية التي يمدّه بها الشعب". إضافة إلى ذلك، نؤكد على أنّ مشكلة الأمّيّة تعدّ السبب الخطير لانتشار اللاتسامح.

- إعادة تشكيل قيم التفاضل: إنّ الناس في نظر الإسلام: إمّا أخ لنا في الدين أو نظير لنا في الخلق ومن ثم لا تفاضل بين الناس إلاّ بالتّقوى وهو ما تؤكّده الآية القرآنية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) سورة الحجرات13.

ويعلّق الكاتب على الآية أعلاه قائلا: "التقوى لا تعني كثرة العبادة، وإنّما خشية الإنسان من الله تعالى إبّان تعامله مع الناس، سلوكا وعاطفة؛ فربّما عابد لا يخشى الله في خلقه يمارس سلوكا لا أخلاقيا في تعاملاته اليومية، فيضرب ويقتل باسم الدين والقرآن والأخلاق، وهو بعيد عن كل ذلك. أو لا يتمتّع بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية التي أكّد عليها القرآن الكريم، فيتحايل عليها ويظلم الآخرين ويبخسهم حقوقهم بل ويتعدى على حقوق الآخرين. فالإنسان التقيّ من يخشى الله، سيما في موضوع استباحة الدماء، خصوصا مع المخالفين دينيا أو مذهبيا، فإنّ حرمة الإنسان عند الله كبيرة، فكيف إذا كان أخ لك في الدين والعقيدة ولا يعدو خلافه معك إلا في أشياء اجتهادية". إنّ الخطاب في الآية القرآنية تحدّث عن الناس ولم يقل المسلمين. ومن ثمة، فالآية العامة تتجاوز العبادة إلى المعاملة.

- إطلاق الحريات العامة: الحريات العامة بدورها تلعب دورا كبيرا وفاعلا في ترسيخ قيم التسامح بين أبناء الوطن الواحد. وتعدّ حرية الرأي والعقيدة من وجهة نظر الكاتب إشكالية ملتبسة في الفكر الإسلامي، رغم وضوح القرآن الكريم في قوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) سورة البقرة 256. فالطريقة المثلى حسب الكاتب ليست قتل المرتد وإنّما الانفتاح عليه بأساليب أخرى لتفهّم إشكالاته وشبهاته.

بناء على ما سلف، نؤكّد مع المؤلِّف على قيمة التسامح في شتّى تجلياته، ليتحقّق معه وبه مجتمع إنساني يؤمن بقيم الرحمة والاحترام والمحبّة دون بغض وحقد تجاه الآخر، سواء كان الآخر ابن الوطن أو الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا، فعصرنا عصر العولمة يفرض علينا السير مع مستجداتها وتجديد التراث بخطاب يسير ولغة العصر.

فغياب التسامح، إذن، يجعل العالم يعود إلى عهوده الأولى، حيث يسود الصراع القبلي والعنف، وهي نقطة جوهرية في الكتاب، وإننا نرى اليوم في كثير من البلدان مثل هذه الأمور، كتلك الصراعات القبلية الراجعة إلى قضية اللغة. وينطبق نفس الأمر على مسألة الاستبداد السياسي الذي أهلك ودمّر دولا عديدة.

ومن القضايا التي توقف عندها المؤلِّف بإيجاز، قضية العنف الديني، وفي الحقيقة موضوع العنف الديني بحاجة ماسة إلى المزيد من الكتابات، فالخطاب الديني اليوم يستلزم تعميق النظر فيه، وإنتاج خطاب يراعي التطوّرات، وإلاّ سيستمر خطاب العنف واللاّتسامح سائدا، وهو ما ينعكس أثرُه على البشرية جمعاء.