فلسفة التربيّة عند أفلاطون


فئة :  أبحاث محكمة

فلسفة التربيّة عند أفلاطون

فلسفة التربيّة عند أفلاطون

في العود الأبدي إلى فكر القدامى

د. سعيد الجابلي*

ملخص:

قصدنا في هذه الدّراسة، تصريف القول الممكن بخصوص فلسفة التربيّة عند أفلاطون {427 -347ق.م}[1] هذه المسألة المثارة سابقا والمتخاصم بشأنها حاضرا، إنّما تعكس في السجّل الفلسفي برمته قضيّة مركزية ذات بال. ولأمر كهذا، ارتأينا الحفر في ثنايا الفكر الأفلاطوني، عسانا نتبيّن محدّداتها وأبعادها ورهاناتها السياسيّة والأخلاقيّة. ولكن أيضا كشف حدودها. هذا تساوقا مع ما ذهب إليه: "بول ريكور" {Paul Ricœur} ذات مرّة متسائلا: "هل مازال لدينا شيئا نأخذه عن القدامى في فلسفة الأخلاق والسياسة؟"[2] ناهيك أنّ تاريخ الفلسفة برمته، إلى الآن محكوم بلحظة "البدء" هذه، سواء نظرنا إليها كبدء مطلق أو كبدء نسبي، ولا سيّما "أنّ مسألة "البدء" الفلسفيّ لإشكاليّة العمليّ قد وجدت في السّؤال عن الإنسان موضعها الأصيل"[3].

ذلك من أهمّ ما يقصد بيانه وأنفع ما يراد شخصه وإيضاحه، حيث: "كان هذان الحكيمان (أفلاطون وأرسطو) هما مبدعان للفلسفة ومنشئان لأوائلها وأصولها ومتمّمان لأواخرها وفروعها، وعليهما المعوّل في قليلها وكثيرها، وإليهما المرجع في يسيرها وخطيرها، وما يصدر عنهما في كلّ فنّ إنّما هو الأصل المعتمد عليه لخلوّه من الشوائب والكدر بذلك نطقت الألسن وشهدت العقول إن لم يكن من الكافّة فمن الأكثرين من ذوي الألباب الناصعة والعقول الصافيّة"[4].

ولعلّ في ذلك كلّه، ما يفسّر قول "شيلنغ" {Schelling Friedrich Wilhelm}: "إنّ أفضل برنامج لحياة التّفلسف هو أن نبدأ مع أفلاطون وننتهي بأرسطو"[5]. والأمر ذاته، أبانه "روسّو" في اعتباره: "أنّ محاورة الجمهوريّة أفضل ما كتب في فلسفة التربيّة"[6].

وحينئذ، تحدّد اختيارنا - في ربط فكر أفلاطون بعصرنا- انطلاقا من هاجسين رئيسين: أولهما، يعزى إلى ما نعيشه اليوم: الآن وهنا، من استفحال لأزمة التربيّة على المواطنة محليّا وعالميّا وتفاقم مظاهر البؤس وتردّي الوضع الإنسانيّ قيميا. في واقع يكاد ينتهي إلى طمس المعنى والقيمة من خلال: (تأليّة الفعل، تنميط الحاجات، نفي القيّم، صناعة الأذواق وتشكيل الوعي وقولبة السّلوك، وتشيئة الإنسان ومحاصرته...). ينضاف إلى ما ذكرنا، تراجع الأبعاد القيميّة في سلوك الإنسان وخضوعها إلى الرّغبة. واستبعاد الإنسان بما هو ذات: استبعاد دور الجمالي والعاطفي والأخلاقي والنظر إليه كشيء أو أداة أو موضوع.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

_______________________________________________________________

* أستاذ باحث في الفلسفة القديمة والعلوم العربيّة والإسلاميّة، جامعة تونس.

[1] اسمه الحقيقي أرسطو كلاس ولقب بأفلاطون لأنّه عريض الكتفين وذو جسم ضخم. ولد في أسرة أرستقراطيّة وتتلمذ في البداية على السفسطائيين وكراتيل قبل أن يتعرّف على سقراط وعمره عشرون سنة ويتعلّق به حتّى إعدامه. كان رياضيا فائقا وجنديا بارزا. اعتنى بالشعر في أوّل شبابه ثمّ مثّل التقاؤه بسقراط نقلة نوعيّة في حياته أدخلته علم المنطق والجدل والتّفكير العقلاني أي الفلسفة. وقد كان يقول عن نفسه: "أشكر الله على ثلاث، أنّه خلقني يونانيّا وليس بربريا، حرّا وليس عبدا، وأنّني ولدت في عصر سقراط". وبسبب إعدام سقراط ترك أثينا ليزور مصر ويتعرّف إلى حضارتها وديانتها، ثمّ إيطاليا وصقليّة ليتعرّف إلى الفيثاغورية التي ستوجّه مذهبه الفلسفي. بنى أوّل مدرسة فلسفيّة منذ عودته إلى أثينا سمّاها بالأكاديميّة وفيها بنى نسقه الفلسفي الّذي جسّمه في مؤلفاته التي عرفت بالمحاورات التي ناهزت ثمان وعشرين محاورة على مدى أربعين سنة جعل فيها سقراط محاورا دائما وتختصّ كلّ محاورة بموضوع يصاغ في مستهلّ كلّ محاورة على هيئة سؤال: ما العدالة؟ {الجمهوريةّ}، ما العلم؟ {ثياتيتوس}، و{الفيلاب} في اللّذة والخير، و{الطيماوس} في أصل العالم، و{البرمنيد} في الواحد والمنطق، {المأدبة} أو في الحبّ، و{الغورجياس} في الأخلاق والسياسة، و{الفيدون} في خلود النّفس...وبعد تجربة فاشلة إلى جانب طاغيّة سراقسطة من أجل بناء دولة عادلة تجسّم نظريّته في "حكم الفيلسوف"، استقرّ في أثينا لينشأ أكاديميّة للعلوم يدّرس فيها فلسفته دون أن يكفّ عن محاولاته في تحقيق حلمه السياسي قرب "دونس الشاب". لمزيد التوسّع حول الترجمة الذاتيّة لأفلاطون، انظر:

Dixsaut (Monique), Platon, dictionnaire des Philosophes, (Encyclopaedia Universalis), nouvelle édition augmentée, Préface d’André Comte - Sponville, Introduction de Jean Greisch (2 édition), Albin Michel; Paris. 2001, P.1235 -1257

راجع أيضا، نيتشه (فريدريك)، مقدّمة لقراءة محاورات أفلاطون، ترجمة: د. محمّد الجوّة والأستاذ أحمد الجوّة، تقديم: د. فتحي التريكي، دار البيروني للنشر والتوزيع، صفاقس، تونس، الطبعة الأولى، د.ت، ص 18 - 24

[2] «Avous - nous encore quelque chose à apprendre des anciens en philosophie morale et politique ?». Ricœur(P), Le juste entre le légale et le bon, dans, Revue Esprit, n 9, 1991, P.5- 21

[3] المسكيني (فتحي)، فلسفة النوابت، دار الطليعة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، تشرين الأوّل، أكتوبر، 1997، ص 91.

[4] الفارابي (أبو نصر): كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي وأرسطو طاليس، ضمن المجموع، مطبعة السّعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1907، ص ص 1-2

[5] ورد ذكره في مقدّمة "باسكال دافيد" لكتاب "غادا مار":

Gadamer (H.G), L’idée du bien comme enjeu platonico - aristotélicien. Trad. de l’allemand par Pascal David et Dominique Saatdjian, J.Vrin, Paris, 1994, P.8

[6] « Lisez la République de Platon. Ce n’est point un ouvrage de politique, comme le pensent ceux qui ne jugent des livres que par leur titre. Ce n’est plus beau traité d’éducation qu’on ait jamais fait ». Rousseau (J.J), Emile ou de l’éducation, Edition Gallimard, Paris, 1999, P.86