قراءة في كتاب "الإسلام والمسلمون في الغرب: قضايا ومناقشات رئيسة" تأليف: أديس دودريجا، وحليم راني


فئة :  قراءات في كتب

قراءة في كتاب "الإسلام والمسلمون في الغرب: قضايا ومناقشات رئيسة"  تأليف: أديس دودريجا، وحليم راني

صدر كتاب "الإسلام والمسلمون في الغرب: قضايا ومناقشات رئيسة"، Islam and Muslims in the West.. Major Issues and Debates عن دار نشر بالجريف Palgrave سنة 2019، وهو من تأليف أديس دودريجا وحليم راني. يعمل الأوّل أستاذًا بكلّية العلوم الإنسانية واللغات والعلوم الاجتماعية، جامعة جريفيث ناثان، كوينزلاند، أستراليا، وتدور أبحاثه حول الأقليات المسلمة في الغرب، المرأة، اللاهوت، والفلسفة الإسلامية. في حين يشغل حليم راني وظيفة أستاذ مشارك بجامعة جريفيث، ومتخصّص في الدراسات الإسلامية، وقد عمل، قبل انضمامه إلى الأوساط الأكاديمية، في وزارة الهجرة وحماية الحدود الأسترالية. من مؤلفاته الإسلام ووسائل الإعلام الأسترالية، وتأطير وسائل الإعلام في العالم الإسلامي.

يتناول الكتاب القضايا والمناقشات الرئيسة المتعلقة بالإسلام والمجتمعات الإسلامية في الغرب، وهو لا يقتصر في دراسته فقط على المجتمعات الإسلامية داخل الغرب من حيث رصدها والتعريف بها، وإنّما يناقش أيضا المظاهر الإسلامية المختلفة في سياقات النزوح المسلم الغربي في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن العشرين. ويهدف الكتاب كما يشير المؤلفان في مقدّمته إلى "تزويد القارئ بنظرة متفحصة عن تطور الإسلام كجزء من التجارب الحيّة للمسلمين في الغرب استجابة للتطورات في العالم الإسلامي الأوسع، وكذلك التحديات والفرص المرتبطة بمختلف المجتمعات الغربية. القضايا التي نتناولها في هذا الكتاب تؤثر على التصورات الرئيسة والمناقشات في الأدبيات العلمية الموجودة حول الإسلام والمسلمين في الغرب، والتي تشمل مجموعة من الدراسات من أستراليا وأوروبا وأمريكا الشمالية."[1]

يمكن أن تمتد قصّة الإسلام في الغرب إلى بدايات القرن المنصرم، وربما قبل ذلك أيضًا، حيث قدم التجّار المسلمون إلى هناك. ويشمل هؤلاءُ المسلمون الأفارقةَ الذين تمّ جلبهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية كرقيق أو الأفغان الذين تم نقلهم إلى أستراليا للعمل كمقاتلين. ومع ذلك، كما يذهب المؤلفان، وفي النصف الأخير من القرن العشرين، اتجهت التجمعات الإسلامية في الغرب إلى تأسيس ذاتها، عندما خفّفت العديد من الدول الغربية من قيود الهجرة السابقة التي سمحت باستقبال المهاجرين من البلدان التي يشكّل فيها المسلمون أغلبية. ولئن كانت هناك بعض الدراسات، على سبيل المثال، تقارن تجارب المهاجرين المسلمين الأوائل في الولايات المتحدة الأمريكية (Howell 2014) وأستراليا (Rane et al. 2015)، فإنّ معظم الأبحاث العلمية التي تدور حول المسلمين في الغرب تميل إلى التركيز على المجتمعات التي تأسست من حولها في السبعينيات من القرن العشرين وما بعدها. وقد تزامن وصول أعداد كبيرة من المسلمين في هذا الوقت مع التحول نحو سياسات التعددية الثقافية على نحو أكثر شمولاً، كما وسّعت نطاق الحقوق والحريات التي تتمتع بها المجتمعات الدينية القائمة، لتشمل المجتمعات الإسلامية الناشئة وغيرها. وقد أسفرت الهجرة وسياسات دمج المهاجرين، ولاسيما التعددية الثقافية، عن وجود أكثر وضوحًا للإسلام في الغرب، والذي أصبح منذ ذلك الحين موضوع نقاش عام في العديد من المجتمعات الغربية.

ثمّة تغيير اجتماعي وسياسي مهم في النصف الأخير من القرن العشرين فيما يتعلق بدور الإسلام في المجتمعات الإسلامية وتصوّره في الغرب بين أجيال ما بعد الاستعمار من المسلمين، ظهر أولئك الذين سعوا إلى استعادة ما كانوا ينظرون إليه على أنّه تآكل الهوية الاسلامية، حتّى ينكبّوا على العمل بلا كلل؛ ذلك أنّهم دعوا إلى دور أكثر شمولية وحسمًا للإسلام في المجتمع والسياسة. وتميل الحكومات في جميع أنحاء العالم الإسلامي للرد على موجة الإحياء الإسلامي بمجموعة من التدابير، من الإيماءات الرمزية إلى اعتماد السياسات والقوانين التي تطلبها الجماعات والأحزاب الإسلامية. وقد أفضى ذلك كلّه إلى نشر التفسيرات التقليدية/ الكلاسيكية الجديدة للإسلام، وهي تفسيرات ذات طابع أصوليّ، مناهض للغرب، فضلا عن كونها مسيّسة.

ومن بين الوسائل الأخرى التي تم بها نشر هذه التفسيرات للإسلام المبادرات التي كانت ترعاها بعض الدول، لتمويل بناء المساجد والمدارس وتدريب الأئمة ورعاية المنظّمات الإسلامية، ونشر أعداد كبيرة من الأدبيات المتوافقة مع الإيديولوجيا الدينية. وقد تمّ توجيه الاتهام لبعض الجماعات الإسلامية مثل الوهّابية والسلفية بشكل عام من قبل العديد من المراقبين الغربيين على أساس مناهضتهما النماذج الغربية والليبرالية والعلمانية والديمقراطية للحكم والتنظيم الاجتماعي. وبقدر ارتباط المسلمين في الغرب بمثل هذه الصورة للإسلام، فإنّ قبولهم في المجتمعات الغربية قد يكون مهدّدًا.

الإسلام (وكذا المسلمون) الذي نشأ في الغرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان/ متأثرًا بالاتجاهات القائمة في العالم الإسلامي الأوسع. وما زالت مقاربات أو مظاهر الإسلام الأكثر شيوعًا في المجتمعات الغربية آخذة في الظهور وتتنافس مع صورة الإسلام لدى المسلمين الأكثر ميلًا إلى ترسيخ هويتهم في الغرب والتحكّم في مؤسسات المجتمع الإسلامي الأساسية والبنية التحتية لها مثل المساجد والمدارس الإسلامية والمنظّمات. ولا تقتصر التحديات التي يواجهها المسلمون في الغرب على العلاقات مع الدولة والمجتمع الأوسع، حيث لا تقلّ هذه التحدّيات أهمية عن تلك الدائرة داخل المجتمعات المسلمة بين المسلمين من مختلف الثقافات والأيديولوجيات والأجيال فيما يتعلق بالفهم المناسب للإسلام وموضعه ومظاهره.

يستعرض كتاب الإسلام والغرب فترة أساسيّة في قصة الإسلام والمجتمعات المسلمة التي لا تزال تتكشف في الغرب. وتركّز القضايا والنقاشات التي تمّ بحثها في هذا الكتاب، على التوتّرات والخلافات التي نشأت في سياق سياسات الحكومات الغربية فيما يتعلق بالهجرة وإدماج المهاجرين وحقوق وحريات الديمقراطيات الغربية والليبرالية والعلمانية والتحديات التي تمثلها وتطرحها في أواخر القرن العشرين/ وأوائل القرن الحادي والعشرين في الإسلام والمجتمعات الإسلامية.

إنّ الكثير من القضايا والمناقشات التي يتناولها الكتاب لم تظهر إلاّ في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 والهجمات الإرهابية اللاحقة التي ارتكبت في جميع أنحاء العالم تحت شعار الإسلام؛ إذ شكّل الارتباط بين الإسلام والعنف والإرهاب العديد من القضايا والمناقشات، وأثّر على تصور المجتمعات المسلمة في الغرب والإسلام والعلاقات مع المجتمع الأكثر اتساعًا. وقد تراوحت الاستجابات بين الحوار المثمر بين الأديان، الانتقاد السلبي، ومبادرات الإصلاح، والمواقف السلبية من الإسلام التي تجلّت في الإسلاموفوبيا (أو الرُهَاب من الإسلام) والتطرف بين شرائح المجتمعات المسلمة إلى كراهية الإسلام، وما ترتب على ذلك من تشجيع نمو الجماهير اليمينية المناهضة للإسلام بين شرائح المجتمع الأوسع.

يمثّل الفصل الثاني من الكتاب مقدمة عن تاريخ الإسلام في الغرب ولمحة عامة عن التركيبة السكانية الحالية للمجتمعات الإسلامية في مختلف الدول الغربية؛ فهو بمثابة تمهيد لموضوع هذا الكتاب من خلال مناقشة الطبيعة والسياق الاجتماعي التاريخي للتفاعلات بين الحضارات العربية الإسلامية والغربية المسيحية. لذا يعارض المؤلّفان وجهات النظر البارزة لبرنارد لويس وصموئيل هنتنغتون فيما يتعلق بصراع لا مفرّ منه للحضارتين الإسلاميّة والغربيّة. ويعبّر صاحبا الكتاب عن اتفاق واسع مع وجهة نظر ريتشارد بوليت القائلة بأنّ الحضارتين الإسلامية والمسيحية مكمّلتان لبعضهما البعض أكثر بكثير من كونهما متناقضتيْن، سواء في السياقات التاريخيّة المنقضية أو المعاصرة.

في الفصل الثالث يقدم المؤلفان نظرة عامة على التوجّهات الاجتماعية والخطابية المعاصرة الرئيسة بين المسلمين الغربيّين والمنظمات الإسلامية الكبرى العابرة للقوميات العاملة في الغرب. ويسلّط هذا الفصل الضوء على تنوّع هذه المنظمات إلى جانب دراسة أسسها الأيديولوجيا؛ في حين أنّه يشير إلى عدد من الدراسات التي صاغت نماذج مختلفة عن الاتجاهات الإسلامية المعاصرة من كل من النقاط الاستطلاعية والاجتماعية والنظرية والمنهجية، وهنا نجد فحصاً مفصلاً لمنظّمتين اثنتين، حركة الحزم (HM) والمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث (ECFR)، واللذيْن يشكلان نوعين مختلفين من المنظمات في الطيف الإسلامي. وتوفّر دراسة هذه الحالة رؤى ثاقبة لمنظّمتين يمكن نقدهما من جهة تركيز كلّ منهما على نهج من الأسفل إلى الأعلى للعلاقات الاجتماعية والتماسك داخل السياق الغربي مقابل تركيز أكثر تنازليًا على الالتزام الإسلامي الغربي للقواعد الفقهية والموجهة لاهوتيا. كما أنّها، أي تلك الدراسة، تعرض الأساليب المختلفة للإسلام في الغرب، والتي تنشأ نتيجة للعوامل الخارجية / الأجنبية المختلفة.

أمّا الفصل الرابع، فمداره على العمليات التي تمّت بها هجرة المسلمين إلى الغرب منذ النصف الأخير من القرن العشرين. ويناقش قضية الهوية الإسلامية الخاصة بمهاجرين جدد أصبحوا ينتمون إلى جماعة دينية أقلّية. من هذا المنطلق، يستكشف الفصل مسألة تبدّلات الهوية من ارتباطها بسياق الأغلبية إلى انتقالها إلى سياق الأقلية. ويسلّط هذا الفصل الضوء على دور التأويل النصي والاعتبارات الجنسانية، وخاصة تمثيل النساء المسلمات في الغرب، في فهم الديناميات الكامنة وراء بناء هوية المسلمين الغربيين، ثمّ ينظر الفصل إلى تجارب الجاليات المسلمة المهاجرة، انطلاقًا من كونها لا تمثل المجموعة الدينية الأولى أو الوحيدة التي أقامت وطنًا جديدًا في الغرب، وتناقش العديد من أوجه الشبه بين بعض التجارب وديناميات الهوية.

ويتناول الفصل الموالي موضوع دمج المهاجرين في إطار قيم التعددية الثقافية. ويؤكد أنّه على الرغم من أنّ التعددية الثقافية كانت سمة مميزة للعديد من المجتمعات الغربية، على الأقل، في الثلث الأخير من القرن العشرين، إلاّ أنّها واجهت معارضة كبيرة على مدى العقدين الماضيين بسبب الإرهاب الذي تم ارتكابه باسم الإسلام، إضافة إلى تصورات مجتمعات الأقليات المسلمة باعتبارها مقاومة للتكامل والإسلام، وتتعارض مع قيم المجتمع الغربي. ويناقش الفصل أيضًا الادعاء المتداول بأنّ الإسلام هو السبب الرئيس لإفشال قيم التعددية الثقافية والتراجع عنها في العديد من المجتمعات الغربية. ويرى المؤلّفان أنّ هذا الاعتقاد في غير محلّه، ويقترحان ضرورة إيلاء اهتمام أكبر بالدور الذي لعبته الأيديولوجيا الإسلاموية المناهضة للغرب بعد الاستعمار في تقويض قيم التعددية الثقافية. وأحد المشكلات الرئيسة التي يركز عليها المؤلفان هنا هي أنّ الفشل في التمييز بين الإسلاموية الإسلام، لا يوجد فقط بين الحكومات الغربية والإعلام والجمهور، ولكن يوجد أيضًا داخل المجتمعات الإسلامية. وقد ساهم هذا الخلط بشكل كبير في انتشار الآراء السلبية عن الإسلام في الغرب، وتصورات المسلمين كمواطنين غير مرغوب فيهم، وأنّ دعاوى التعددية الثقافية قد تركت المجتمعات الغربية عرضة لمخاوف التغيير الاجتماعي وتهديدات الأمن القومي.

وفي الكتاب اهتمام بمحاولات إضفاء الطابع المؤسسي على الإسلام في الغرب مع التركيز بصفة خاصة على المؤسسات الدينية والقانونية والتعليمية، حيث تميل المؤسسات الإسلامية إلى تمثيل الواجهة العامة للإسلام مع الدولة والمجتمع. وعلى هذا النحو تمثّل تلك المؤسّسات، سواء في طبيعتها أو توجّهها أو أنشطتها، جزءا من ممارسة للإيمان في المجتمع. وقد قدّمت هذه المؤسسات خدمات تمثّلت في تمكين المسلمين من تلبية الالتزامات الدينية، مثل بناء المساجد الإسلامية وإقامة حفلات الزواج. وقد حاولت عملية إضفاء الطابع المؤسسي على الشريعة تجاوز فكرة تقديم الخدمات المتعلقة بأداء الشعائر والطقوس الإسلامية إلى محاولة تأسيس ما يشبه المحاكم الإسلامية والمجالس الشرعية، إضافة إلى السعي نحو تأسيس جوانب أيديولوجية إسلامية في المؤسسات القائمة تحت ستار الدين. ويقدّر المؤلّفان أنّ الأيديولوجيا، لا الإسلام في ذاته، هي ما يسعى إليه المسلمون في الغرب، في محاولاتهم الدؤوبة لإضفاء الطابع المؤسسي عليها. ويقدّمان ملاحظة احترازية مفادها أن "بعض المؤسسات الداعية إلى المساواة في المواطنة وعدم التمييز وحرية الأديان قد تسهم في بعض الحالات في تقويض هذه القيم والمبادئ".

ويناقش المؤلّفان مسألة السلطة الدينية للمرأة في داخل المجتمعات المسلمة الغربية في ضوء الوعي الجنساني المتنامي في الغرب خلال العقود القليلة الماضية، وتأثير الديمقراطيات الليبرالية الغربية والتيارات الفكرية النسوية في الفكر الإسلامي؛ ذلك أنّ المجتمعات الإسلامية الغربية أصبحت أكثر حساسية للفكرة القائلة بأنّ المقاربات التقليدية للإسلام كانت ولا تزال تُظهر افتقارًا للوعي التفسيري. يقدّم صاحبا الكتاب نظرة عامة للعناصر الفاعلة الرئيسة والقضايا المتعلقة بالسلطة الدينية للمرأة بين الغربيين المسلمين. ويركّزان على عمل العلماء والناشطين المسلمين الغربيين مثل أمينة ودود، وأسماء برلاس، وإرشاد منجي، وأسراء نعماني اللائي كُنّ في طليعة المناقشات المتعلّقة بالسلطة الدينية للمرأة داخل المجتمعات الإسلامية الغربية. يؤكد الكاتبان أنّه بينما لا تزال غالبية المنظمات الإسلامية والمساجد في أيدي الرجال، إلاّ أنّ علامات التغيير واضحة في إنشاء المساجد الخاصة بالنساء فقط، التي تقودها النساء، والتي ترسّخ لفكرة النوع الاجتماعي، فضلًا عن إشراك النساء في المناصب القيادية في بعض المنظّمات الإسلامية الكبرى.

ونجد في الكتاب مناقشة للغربيّين الذين تحولوا إلى الإسلام؛ فمنذ بداية القرن، عندما كان ثمة تركيز كبير على الإسلام ومناقشته في سياق أحداث العنف والإرهاب وعلاقته بهما، أصبح اعتناق الغربيين للإسلام ظاهرة محيّرة. فمن ناحية، تعبّر شرائح المجتمع الغربي عن رفضها لمن تحوّلوا لاعتناق الإسلام، لكن من ناحية أخرى، يتبنّى المتحوّلون تقليدًا طويلًا من التبادل الثقافي وقد يساهمون في تطور الإسلام (المسلمين) في الغرب، باعتبارهم من السكان الأصليين للبلاد. ويقدم المؤلّفان نظرة ثاقبة حول تجارب الأشخاص في الغرب الذين اعتنقوا الإسلام من حيث الدوافع والمذاهب المعينة أو التفسيرات التي اعتنقها المتحوّلون. في هذا السياق، نناقش مسألة التطرف بين المتحولين وتمثيلهم المتزايد في الجماعات الجهادية. ويتناولان أيضًا السؤال المهمّ عن علاقة المتحوّلين بأسرهم وأصدقائهم غير المسلمين، والمجتمعات الإسلامية والمجتمع الأوسع، والدور المحتمل للمتحوّلين في تشكيل الإسلام في الغرب.

لقد تدبّر المؤلّفان الظاهرة الحديثة نسبيًا للمسلحين الإسلاميين والإرهاب المحلي الذي ارتكبه المسلمون في الغرب. وعلى الرغم من أنّ المسلمين قد أقاموا في الدول الغربية منذ قرون، مع وجود مجتمعات كبيرة منذ الستينيات والسبعينيات، إلاّ أنّ الإرهاب الإسلامي الذي نشأ في الداخل كان بمثابة ظاهرة جديدة للغاية ظهرت في العقد الأول من القرن العشرين. وبعد التفرقة بين بعض المفاهيم الأساسية التي ارتبطت بظاهرة الإرهاب، كالإرهاب المحلي، التطرف، الإسلاموية، والجهادية، يحدّد المؤلّفان بعضًا من أهم الجماعات الإسلامية التي تبنّت الهجمات الإرهابية في الغرب، كما يرصد العديد من وجهات النظر التي تحاول تفسير هذه الظاهرة. ويناقشان عدة نماذج من التطرف والأبحاث المتعلقة بعلاقته بالمدّ الإسلامي في المجتمعات الغربية. ويبحثان ههنا في بعض الخصائص الشائعة عن الجهاديين المحليين، بما في ذلك العمر والجنس والتعليم. كما يناقشان العنصر الاجتماعي للإرهاب المحلي، بما في ذلك الكيفية التي تساهم بها السجون وشبكة الإنترنت في عملية التطرف. ثمّ نظرا في دور الأيديولوجيا والدين وناقشا الطرق الأكثر شيوعًا في مكافحة التطرف.

وفي الكتاب عناية بمبحث "الإسلاموفوبيا" ففيه نقاش لوجهات النظر العلمية المختلفة فيما يتعلق بالتعريفات والمظاهر والأسباب والانتقادات التي وجهت لتلك الظاهرة في الغرب. منذ مطلع القرن، نوقشت الإسلاموفوبيا على نطاق واسع فيما يتعلق بالمسلمين في الغرب واستدعى الكثير من مخاوف الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي والغرب، وكذلك المنظمات الدولية. واستقطب هذا المفهوم قدرًا كبيرًا من البحث الأكاديمي، خاصة فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا من جهتيْ المظاهر والآثار. ويرى المؤلّفان أنّ "الإسلاموفوبيا" تشمل نوعًا من التحيز والتمييز ضد المسلمين، إضافة إلى أنّ الخوف لا ينبغي أن يكون من الإسلام ذاته، بل من الإسلام السياسي الذي نشأ في منتصف القرن العشرين في العالم الإسلامي الأوسع، وبدأ في التأثير على المجتمعات المسلمة في الغرب منذ الثمانينيات والتسعينيات.

وخصّص المؤلّفان حيّزا من كتابهما لدراسة الخطاب الأكاديمي حول الفقه الإسلامي للأقليات المسلمة في الغرب، والمعروف أيضًا باسم فقه الأقليات. فهناك بحث في السياق الأوسع لهذا الفقه وأصوله ونظريته والانتقادات التي وجّهت له. وقد اكتسب هذا الفقه اهتمامًا علميًا كبيرًا بين المسلمين في الغرب في نهاية القرن. ويعتبر المؤلفان هذا الفقه خال من أيّ تأثير مباشر على معظم المسلمين في الغرب، مع الوضع في الاعتبار الجهل أو اللامبالاة الذي يبديهما الغالبية تجاه نوع الحجج والردود التي يولّدها الخطاب والأسئلة والمنهجيات الفقهية التي تقوم عليها. وهذا ما يفسّر أنّه حتى بالنسبة لأولئك الذين يأخذون هذه المناقشات بجدية، من المسلمين في الغرب، يميلون إلى تبني بعض الآراء على أساس العديد من الاعتبارات والعوامل التي لا يمكن إرجاعها جميعًا إلى التزامات منهجية أو معيارية معينة. وفي هذا الصدد، يولي الكاتبان أهمية كبيرة لقضية ما إذا كان المسلمون في الغرب يبحثون بالفعل عن تطبيق الشريعة الإسلامية أو أن يعيش معظمهم على الأقل حياته وفقًا للإطار الفقهي الإسلامي الرسمي.

ما المدى الذي بلغه الإسلام الغربي من حيث الانتشار والظهور؟ هذا السؤال هو مضمون الفصل الثاني عشر من الكتاب، حيث يعتمد هذا الفصل على عمل عدد من العلماء، الذين اتخذوا من أوروبا مقرّاً لهم، والذين ناقشوا مفهوم الإسلام الغربي، أو بعبارة أدقّ "الأوروبي/ الإسلامي"، و/ أو الإسلام الأمريكي، والأسس النظرية لفكرة الغرب الإسلام، والعوامل التي تعمل على تسهيل توطينه، إذ يبدأ الفصل بمعالجة سؤال عن المقصود بالإسلام الغربي، وينظر إلى عوامل مثل الجغرافيا والسياقات السياسية والقانونية والاجتماعية والترابط الفكري والثقافي والهوية والقيم والمبادئ والافتراضات الفلسفية والنظرة إلى العالم والشعور بالانتماء. كما يفحص ظهور الإسلام الغربي من خلال التركيز على هذه العوامل والفاعلين والخطابات التي يمكن النظر إليها بوصفها قد قامت بتسهيل ظهور الإسلام الغربي الذي تم تحديده في المقام الأول من حيث أبعاده الثقافية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية. وهذا يترجم إلى فكرة أنّ الإسلام الغربي يقوم على مبدأ شامل، ولكنه معقول يحتضن قيم الحداثة ويضفي عليها شرعية لاهوتية وسياسية.

في الواقع حاول المؤلفان تغطية معظم القضايا المهمة التي تحيط بموضوع هجرة المسلمين وتوطينهم في الغرب. وقد نجح الكاتبان في إقامة تمييز بين الإسلام كتصور نظري وبين التوظيفات الإيديولوجية له من جماعات الإسلام السياسي، وأرجع معظم الظواهر المرتبطة بالمسلمين المهاجرين إلى هذا التوظيف الإيديولوجي، إضافة إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالمهاجرين عمومًا وجماعات الأقليات.

ربّما تمثلت المشكلة الرئيسة في الكتاب في عدم تحديده الدقيق لبعض الاصطلاحات الواردة فيها، مما يثير بعض الالتباس في الفهم، على سبيل المثال: ما المقصود بمصطلح "الغرب" الوارد في عنوان الكتاب؟ الغرب بالنسبة إلى مَن؟ ما المقصود بمصطلح الشريعة على وجه التحديد؟ وما موقعها بالنسبة إلى الفقه؟ إنّ مفاهيم مثل هذه (ومفاهيم رئيسة أخرى استخدمه المؤلفان ولم يتم تعريفها بوضوح) لها امتداد تاريخي وفكري معينين، وتم تأسيسها واستخدامها لأغراض مختلفة من قبل مفكرين ينتمون إلى سياقات متعددة.

مشكلة أخرى لم يتوقف عندها الكتاب، وهي متعلقة أساسا بمعنى الدين في السياق الغربي والسياق الإسلامي، وربما يكون الاختلاف بين المعنيين هو السبب الرئيس في الفجوة الموجودة بين غالبية المسلمين المهاجرين إلى الغرب، وبين المجتمع الغربي عمومًا، حيث يبدو أنّه من الأمور المهمة للغاية التي يتوجب علينا استحضارها أثناء مناقشتنا لدلالة مصطلح "دين"، أنّ المصطلح، فضلاً عن المفهوم، الذي يستخدم اليوم في لغة التحليل الحداثي، سواء من قبل الباحثين أو العامة، قد برز في خضم "حرب الأديان" الأوروبية المدمّرة (١٥٣٠-١٦٣٠) والتي هي إحدى نتائج عصر النهضة، وما بعده في أوروبا. وبالتالي، فإنّ دلالات هذا المصطلح بالنسبة إلى الغرب تستدعي معها تراثا طويلا من المعانة والاضطهاد الديني والقيود التي كانت مفروضة على الفكر والعلم والمعرفة. في المقابل، يكون التصور الشائع بين المهاجرين المسلمين إلى الغرب قائما على اعتبار الإسلام غير متضمّن لهذه المعاني، وأنه أنتج تجربة مختلفة تمام الاختلاف عن التجربة الغربية. الإسلام في الواقع هو اسم للظاهرة الإنسانية والتاريخية التي من خلالها ووفقًا لها يتم تصور وتوزيع الحقيقة والمعنى بطرق معيّنة لا يتم إدراكها أو تحديدها بشكل صحيح من قبل مفهوم الدين (بوصفه Religion في التجربة الغربية)، بشكله الحالي، المكون للتجربة التاريخية لعلاقة الأوروبيين بالمسيحية والمتضمّن فيها.


[1] Adis Duderija, Halim Rane, Islam and Muslims in the West: Major Issues and Debates (Switzerland: Pligrave, 2019) p 2