كيف يخاطب الدين اللاأدري: هابرماس وقيمة الدين الباقية


فئة :  ترجمات

كيف يخاطب الدين اللاأدري: هابرماس وقيمة الدين الباقية

ملخص:

هذه المقالة للباحثة سيمون شامبرز Simone Chambers[1] عن موقف هابرماس من الدين، عن قيمة الدين الباقية، وعن الذي يمكن أن نستنقذه منه. ميزة هذه المقالة أنّ الكاتبة تقرأ هابرماس في ضوء ابن رشد الذي سبق أن بيّن مكانة الدين بالنسبة للفلسفة. إلا أنّ ابن رشد ذاته يمكن أن يقرأ باستحضار علمين تأثر بهما هما أفلاطون وأرسطو، فقراءة هابرماس في ضوء ابن رشد، في الحقيقة، قراءة تستحضر الأثر الأفلاطوني في ابن رشد والأثر الأرسطي فيه. أمّا الأثر الأفلاطوني فهو الذي سيجعلنا ننتبه إلى أنّ القيمة التي يكتسبها الدين مؤقتة ريثما يرتقي الجمهور ليدرك الحقيقة في غير العبارة الدينية. وأمّا الأثر الأرسطي فهو الذي يجعلنا نفطن لقيمة الدين التي لا يمكن أن تعوضها الفلسفة؛ فقيمته في قوته البلاغية، تلك القوة التي حرمت منها الفلسفة. تبين الكاتبة موقف هابرماس من الدين وأوجه الشبه بينه وبين موقف ابن رشد، يرى هابرماس، كابن رشد، أنّ الفلسفة هي الحكم الأخير في الحقيقة، ويدافع هابرماس عن موقع منصف للدين في المكان العام. يدافع عن حق المتدينين في الكلام وحقهم في أن يُصغى إليهم وهم يتكلمون في الدائرة العامة. وتتجلى قيمة الدين الباقية عند هابرماس في تضمنه لفائض معنى يجب استنقاذه بالترجمة. وهذه الترجمة تصير واجبة حينما يُراد صياغة القوانين الملزمة فيُحتاج إلى تحويل تلك المعاني والتعبير عنها بلغة التشريع الحديثة. ولكن الترجمة واستنقاذ المعاني لا يكون من أجل صياغة القوانين فقط، بل هو أمر مطلوب لإسهامه في النقاش العام. وتحدد الكاتبة ثلاث طرق يعزز بها الدين النقاش في الدائرة العامة تبعاً لهابرماس، وهي مقاومة التحويل الآلي للعلاقات الاجتماعية، وإمداد الفلسفة الدهرية بقوة لتجدد نفسها بوصلها بهذا الذي انبثقت منه جلّ أفكارها، وهو الإرث اليهودي ـ المسيحي، وبيان لتجارب لا تستطيعها الفلسفة. وعدم استطاعة الفلسفة بيانها يعني أنّ ترجمتها إلى لغة الفلسفة محدود، فباللغة الدينية فقط يمكن التعبير عنها. وتقدم الكاتبة الأمثلة الثلاثة الأكثر شيوعاً لذلك في كتابات هابرماس. وتشمل أفكار الشر والفداء، والتضامن الكوني، والفردانية التي لا يمكن تعويضها. أمّا بشأن الفداء والخلاص فيتعلق الأمر بتخليص أرواح المظلومين في الماضي وإنقاذها، ذلك التخليص والإنقاذ اللذان يستحيلان بمعيار دهري. ويظهر عجز العقل الفلسفي أمام الدين حين يتعلق الأمر بفكرة الشر إذ لا يبلغ مبلغ الدين في العبارة عنه فلا يختزله في مجرد الخطأ الأخلاقي. وأخيراً يعبر الدين بطريقته الخاصة في رفضه لاستنساخ البشر، انطلاقاً من فكرة الخلق التي تُبلِّغ عن تلك المسافة التي تفصل الخالق عن المخلوق، فلا تقبل بجعل المخلوق مكان الخالق.

تعود الكاتبة لاستحضار القراءتين التي يمكن أن يُقرأ بهما ابن رشد لتقرأ بهما هابرماس. وتبدأ باختبار القراءة الأفلاطونية التي يظهر في البداية أنه يتبناها بطريقته الخاصة، يبدو ذلك من استعماله لعبارتي "ليس بعد" و"حاضراً"؛ فقد توهم هذه العبارات أنّ هابرماس يعتقد أنّ المصير هو أن تبلغ الفلسفة في زمن ما إلى بيان الحدوس الأخلاقية المُعبَّر عنها بلغة دينية. ولكن الكاتبة تستبعد هذه القراءة لترجح القراءة الأرسطية التي تُلفت نظرنا إلى قوة الدين البلاغية، وهنا يكون الدين كالأمور الجمالية التي تخاطبنا بشكل خاص ولا نستطيع ترجمتها، رغم أنّ هابرماس لا يعتبر التجربة الجمالية والتجربة الدينية متطابقتين. تنتهي الكاتبة إلى أنّ هابرماس ذاته لا يدري إن كان في مقدور الفلسفة في يوم من الأيام أن تعبّر عن الحدوس الدينية بلغة فلسفية دهرية. ولاستنباط موقفه تستخدم عبارة "ربما"، تقول: "ربما يعترف هابرماس من منظور لا أدري بالكامل أنّ هناك دائماً على الأرجح بعض الواجبات الأخلاقية التي تتعالى على الفلسفة"، وذلك الذي من أجله وصفت الإنسان الذي لا يستطيع العبارة الكاملة عن المتعالي بالعجماء.

للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا


[1]ـ أستاذة علم السياسة في جامعة تورنتو Toronto، مؤلفة كتاب عن هابرماس بعنوان:

Reasonable Democracy: Jürgen Habermas and the Politics of Discourse(1996)

ولها كتاب:

Public Reason and Deliberation (2014)

ومنسقة كتب باشتراك:

Deliberation, Democracy, and the Media(2000)

Alternative Conceptions of Civil Society(2001)

Dissent on Core Beliefs: Religious and Secular Perspectives(2015)

كما نشرت العديد من المقالات والدراسات عن هابرماس وراولز والديمقراطية التشاورية والدين في الدائرة العامة والخطابة والمشاركة المدنية والمجتمع المدني.