لاهوتُ التحرير أو الدّينُ مناضلاً


فئة :  أبحاث محكمة

لاهوتُ التحرير أو الدّينُ مناضلاً

الملخّص:

يمثّل "لاهوت التحرير" المسيحي الذي تبلورت ملامحه في أمريكا اللاتينيَّة في القرن العشرين علامة فارقة في تاريخ المسيحيَّة بصفة عامَّة وفي تاريخ اللَّاهوت المسيحي بصفة خاصَّة. لقد جمعت هذه الظاهرة بين ما هو روحي وما هو زمني، بين القيم الدينيَّة الكونيَّة والاهتمام بمتطلّبات الحياة الماديَّة، وبين الإيمان والعمل. ولكنَّ الأهمَّ هو أنَّ لاهوت التحرير، باعتباره تجربة نموذجيَّة، سمح بإعادة النظر في قيمة الدّين وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه في حياة البشر. لا شكَّ أنَّ لاهوت التحرير مثّل ثورة حقيقيَّة في فضاء المسيحيَّة الروحي، وذلك لأنَّ بروزه يعني القطع مع تقليد التحالف القديم بين الكنيسة والسلطة السياسيَّة.

هل يمثّل "لاهوت التحرير" ظاهرة تاريخيَّة مشروطة بأسباب سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة في النصف الثاني من القرن الماضي، أم أنَّه يمثّل تجلّي الروح الثوريَّة المميّزة للدّين المسيحي؟ ألا يدعونا "لاهوت التحرير" إلى إعادة النظر في مواقف سائدة من الدّين مثل الموقف الوضعي الذي يعتبره شكلاً من أشكال الوعي البدائي وأثراً للمرحلة اللَّاهوتيَّة ما قبل العلميَّة، والموقف الماركسي الأرثوذوكسي الذي يرى فيه مجرَّد إيديولوجيا مزيّفة للوعي الجمعي؟ ألا تحثّنا ظاهرة لاهوت التحرير على إعادة التفكير في علاقة الروحي بالزمني، بحيث لا نرى في الدّين مجرَّد تجربة روحيَّة شرطها الأساسي انقطاع المؤمن عن الحياة الماديَّة؟ لعلَّ هذه الأسئلة هي التي وجَّهت بحثنا في ظاهرة "لاهوت التحرير" التي يمكن اعتبارها جانباً عملياً للَّاهوت السياسي المعاصر.

من المؤكد أنَّ لاهوت التحرير المسيحي اقترن بتجربة في التديُّن غير مألوفة، تجربة تختلف عن البحث الفردي للخلاص الشخصي، وتقوم على فكرة أساسيَّة وهي أنَّ "الإثم" أو الخطيئة لا تُحيل إلى بداية يمكن أن يستحضرها الوعي عبر التّمَاهِي مع المسيح المخلّص، بل إنَّها متحقّقة الآن وهنا، ومتجسّدة في كلّ أشكال الظلم والقهر والإخضاع. ولذلك يقتضي الإيمان الحقيقي العمل من أجل مساعدة الناس على التحرُّر والتخلّص من وضعيَّة التبعيَّة والاستغلال. يمكن القول إنَّ البُعد "التحريري" والتحرُّري للمسيحيَّة الكاثوليكيَّة ليس وليد ظرف تاريخي أو حضاري معيَّن، إذ يمكننا البحث عن أصوله في بدايات الدّين التاريخيَّة. من المعروف أنَّ الديانات الكتابيَّة الكبرى ارتبطت عند ظهورها بحركات اجتماعيَّة مكوَّنَة من العبيد والمستضعَفين والمقهورين الذين مثّل الدينُ الجديدُ بالنسبة إليهم طريق الخلاص.

يُعدُّ لاهوت التحرير إجابة في السياق المسيحي عن مشكلات اجتماعيَّة وسياسيَّة وأخلاقيَّة عرفتها الدول الأوروبيَّة والولايات المتحدة الأمريكيَّة ودول أمريكا اللاتينيَّة التابعة اقتصادياً وسياسياً، التي كانت تحكمها أنظمة عسكريَّة فاشيَّة متحالفة مع القوى الأجنبيَّة. أمام مظاهر الفقر وبؤس أوضاع العمال وتدهور أوضاع الطبقات الوسطى، وأمام عجز الأجهزة الإيديولوجيَّة القديمة بما فيها الكنسية عن تقديم المساندة النفسيَّة والروحيَّة لجماهير لم تعد تستسيغ خطب الإرشاد والدعوة إلى الصبر والتحمُّل، خاصَّة في وقت انتشرت فيه الماركسيَّة بكلّ اتجاهاتها من خلال الحركات الثوريَّة والمنظّمات النقابيَّة، بحيث مثّلت طرازاً جديداً للتفكير ونمطاً من الممارسة يقترح إمكانيات حقيقيَّة لتغيير الواقع نحو الأفضل.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا