لماذا "الدولة الإسلامية" مستحيلة؟


فئة :  مقالات

لماذا "الدولة الإسلامية" مستحيلة؟

في كل اللحظات التي يتهاوى فيها صرْحٌ ما من صروح الحضارة الإسلامية تبرز تلك النزعة الارتدادية إلى الوراء، ويطفو ذلك الشعور النوستالجي إلى الماضي وفسيفسائه الاجتماعي والثقافي. وفي الحقبة المعاصرة كان رشيد رضا ـ وهو أحد تلاميذ محمد عبده النجباء؛ والذي كان يسير في البداية على خطى أستاذه، قبل أن يرتد إلى سلفية تقليدية ـ أحد الشيوخ الذين سيعملون على إحياء فقه الخلافة مع سقوط سلطنة الرجل المريض، وسينظِّر لها أو بالأحرى سيستعيد الخطاب السلطاني التقليدي الذي نجده عند الماوردي وابن تيمية وابن القيم حول مؤسسة الخلافة، وهذا كنوع من الاحتماء الثقافي الناكص أمام هبوب رياح "الدولة الوطنية"[1].

ستشهد لحظة ما بعد رشيد رضا خلافات فقهية طاحنة تجلّت بالأساس في "بيان" أو قُلْ "مانفست" (Manifeste) علي عبد الرزاق الموسوم "الإسلام وأصول الحكم" وما رافق ذلك من جدل حول مضامين الكتاب. فعليّ عبد الرازق سيدلي برأي فقهيّ غير مسبوق في تاريخ الفقه الإسلامي، وهو أنّ تلك الخلافة التي عرفها المسلمون لم تكن شرعية وليس ثمّة أيّ نصّ شرعيّ يدعمها. لكنّ الفكر السياسي الإسلامي منذ رشيد رضا إلى لحظتنا هذه سيستقرّ على مقولة "الدولة الإسلامية" التي نظّر لها حسن البنا مؤسس حركة "الإخوان المسلمين" الذائعة الصيت والكثيفة القاعدة الجماهيرية، مستندا على آراء رشيد رضا نفسه في الخلافة. فالدولة الإسلامية كما لاحظ ذلك بعض الدارسين المعاصرين هي صورة مصغّرة لنظام الخلافة لكن مع بعض التعديلات المستمدّة من التجربة الغربيّة. يقول أحدهم "إنّ موضوع الدولة الإسلامية في فكر البنّا مأخوذة عن رشيد رضا بعد تعديل تحوّلت فيه خلافة ممتنعة وطوباوية، إلى دولة إسلامية ممكنة وواقعية"[2].

على هذا النحو، ظهرت مقولة الدولة الإسلامية في الفكر السياسي العربي المعاصر، وهذه النبذة المقتضبة والسريعة ضرورية للاستيعاب الأمثل لأطروحة المفكّر الفلسطيني الأصل وائل حلاّق "الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي"، فهي كانت توليفة لتجاوز طوبى الخلافة التي كانت تتراءى يومئذ غير ممكنة التحقّق. لهذا ستتمّ استعارة هيكل الدولة الحديثة المعاصرة، على أن يكون قانونها إسلاميّا، وهو الشريعة. فالدولة في هذا المتخيّل أشبه ما تكون بقوالب محايدة ممكن ملؤها بما يُراد[3]، وقد كان تشبيهٌ استعاره وائل حلاق دالاّ ومعبّرا لتوصيف تصوّر الإسلاميين للدولة الإسلامية. إنّه مثل اعتقاد بعض علماء المسلمين في الماضي من أنّ "المنطق الأرسطي" هو مجرّد معيار محايد للعلم وميزان للعقل يُمكّننا من التمييز بين الحقّ والباطل من غير أن يكون مخترقا بأيّة حمولة عقدية أو أنطولوجية أو لغوية من الثقافة اليونانية، ثمّ مع تعمّق البعض في دراسة هذا المنطق وتشريحه سيكتشف علماء مسلمون أنّه منطق تضمّن خصوصيات اللغة والتصور العقدي اليوناني، وأنّه بالتالي يتعارض في بعض وجوهه مع براديغم الثقافة الإسلامية.

هذا هو لبّ أطروحة وائل حلاق بشأن الدولة الإسلامية، أو بالأحرى نموذج الحكم الإسلامي. فالأستاذ حلاّق يتحفّظ من إطلاق مفهوم "دولة" على تجربة الحكم الإسلامي، باعتبارها - أي الدولة - منتوجا سياسيا حديثا لم تعرفه البلاد الإسلامية، هذا النموذج في تعارض تامّ ومطلق مع الدولة الغربية المعاصرة، لأنّ هذه الأخيرة ليست محايدة كما قد يظنّ، ومفهوم "الدولة الإسلامية" في حدّ ذاته يحمل تناقضا جوهريا. فالنطاق المركزي للدولة يقف على طرف نقيض للنطاق المركزي الإسلامي، يقول: "لا يمكن لنموذج الدولة الحديثة وقدرتها المتأصّلة على إنتاج الرعايا أن يجدا أيّة أرضيّة مشتركة مع نموذج الحكم الإسلامي؛ فالبون بين الاثنين يبقى شاسعا"[4] وفي مستهّل كتابه حين يشرح أطروحة مؤلَّفه، وهذه الإشارة إلى مضمون الكتاب وفكرته المحورية تُعدّ عرفا أثيرا من الأعراف الأكاديمية التي ينهل منها بشكل واضح الكاتب في كتابه، يقول: "أطروحة هذا الكتاب بالغة البساطة: مفهوم الدولة الإسلامية مستحيل التحقّق وينطوي على تناقض داخليّ؛ وذلك بحسب أيّ تعريف سائد لما تمثّله الدولة الحديثة"[5]. وفي مقدّمة كتابه دائما يُرجع أصل هذا التناقض إلى الأسس الأخلاقية التي تقوم عليها كلا الدولتين. لهذا فهو يقرّر أنّ كتابه هذا مقالة في النقد الأخلاقي للحداثة أكثر منه كتاب في الفكر السياسي. ونشير على سبيل الاستطراد إلى أنّ الكاتب فعلا تبدو كتابته عميقة حين يتناول بالنقد الفكر الحداثي من منظور أخلاقي والبنى السفلى التي قامت عليها الدولة المعاصرة، لكنّ هذا الرأي، فيما يبدو لنا، يظهر متهافتا وغير دقيق البتة حين يناقش المؤلّف المحدّدات الإبستمولوجية للفقه الإسلامي أو يناقش تجربة التاريخ السياسي للحكم الإسلامي، فهو حينئذ يستسلم لشعور نوستالجي، لمثقّف عربي يعيش في البلاد الغربية، إلى عهود ما قبل الحداثة، ويكتب بنبرة إطرائية مبالغ فيها عن الذات الثقافية والتاريخ الإسلامي. ومن غير شكّ، فهذا النوع من الكتابات التي تتطلّع لتلميع الذات لا تسهم أبدا في الرقيّ الفكري، بل هي على العكس من ذلك تتعامى عن الثغرات والأخطاء ما يجعلها مؤبّدة ودائمة غير قابلة للتصحيح والتجاوز، ذلك أنّ الوعي بالمشكل هو الخطوة الأولى التي نخطوها في مسار التصحيح.

غير أنّ ما قد يقلّل من قيمة الكتاب ويجعله غير ذي إضافة نوعية للنهوض بالواقع أنّه ينحو منحى تيئيسيّا وعدميا سافرا، فهو لا يكتفي بإبراز التناقض الجوهري للدولة الإسلامية، ما يجعل كلّ إمكان لاستعارة نماذج غربية مستحيلا، بل إنّه يذهب إلى أبعد من ذلك فيقرّر، لعوامل مرتبطة بالعلاقات الدولية ونسيجها المعولم، إلى استحالة قيام نموذج إسلامي، وهو في ذلك يتّفق مع من يرى في "الخلافة الإسلامية" طوبى؛ أي فكرة مثالية خيالية غير قابلة للتحقّق الواقعي[6]، الفرق الذي يمكن أن نرصده بين حكم عبد الله العروي الذي ضمّنه كتابه "مفهوم الدولة" ورأي وائل حلاّق، أنّ الأول ينفي التحقّق التاريخي للطوبى على مرّ التاريخ الإسلامي، وهو يرى أنّ الدولة العربية كما تحقّقت تداخلت فيها وتمازجت "دهرية عربية" و"تقاليد فارسية ساسانية" وبعض الأحكام المستمدّة من "الشريعة الإسلامية"، بينما على العكس من ذلك يرى وائل حلاق أنّ النظام القائم قبل الحملة الكولونيالية ظلّ وفيّا للنطاق المركزي الإسلامي الذي هو أخلاقيّ بامتياز. من هنا فهو مبدئيا يلغي التجربة السياسية التي تلت جلاء الاستعمار من البلدان العربية، ويراها تجربة فاشلة على جميع الأصعدة، لسببين قد لا يخفي رجاحة ما ذهب إليه وائل حلاّق بشأنهما: الأوّل أنّ النخب السياسية التي تقلّدت مناصب سياسية بعد الاستعمار احتفظت بالمؤسسات الحديثة التي استنبتها الاستعمار في غير تُرْبتها. ومعلوم أنّ هذه المؤسّسات السياسيّة الحديثة نمت في الغرب بالموازاة مع مسار تبلور تقنيات الذات التي وسمت المواطن الغربي، لهذا وتدعيما لما قاله وائل حلاق يمكن أن يلحظ المتتبّع لمسارات الدمقرطة المزعومة في كافة الدول العربية كاريكاتورية الإجراءات المتّخذة، فهي لا تنفذ إلى العمق، بل تظلّ أشبه ما تكون بمساحيق تجميلية تظهر معه الوجوه مضحكة بشكل مثير. أمّا السبب الثاني، فيتعلّق بفتور الارتباط بالشريعة الإسلامية، فحتّى حين يتمّ التنصيص عليها في الدساتير كمصدر من مصادر التشريع، فإنّ ذلك لا يعدو أن يكون إرضاء للاوعي شعبي لا يستطيع التخلّي - ولو شكليّا - عن حاكمية الشريعة، وإلاّ فإنّ هذه الأخيرة غير حاضرة مؤسساتيا ومساءة التوظيف سياسياً. لنُصْغ إلى وائل حلاّق، وهو يلغي التجربة المعاصرة من اعتباراته: "إنّنا مضطرّون إلى رفض التجربة الحديثة في العالم الإسلامي، باعتبارها فشلا سياسيا وقانونيا ذريعا، لا يمكن تعلّم دروس منه عن كيف يمكن للمسلمين حكم أنفسهم بطريقة مناسبة"[7].

لنعد الآن إلى مضامين الكتاب، ما هي مستندات المفكّر لإصدار حكمه المزدوج عن استحالة الدولة في أوطاننا؛ استحالة الحداثة والطوبى..؟

ينطلق وائل حلاّق من مفهوم "النطاق المركزي" الذي أبدعه كارل شميث. إنّه يقصد به تلك البؤرة المركزية في ثقافة ما تتمحور وتحوم حولها كلّ القضايا الأخرى. وهذه الأخيرة تُعدّ ثانوية بالنسبة إليه. وحين تُحلّ مشكلة "النطاق المركزي" تنحلّ بالاستتباع باقي القضايا الأخرى، يقول: "يمثّل مفهوم النطاق المركزي الخاص بكارل شميث نقطة انطلاق نحو تعريف النموذج، فعندما يصبح نطاقا ما مركزيا، فإنّ مشكلات النطاقات الأخرى تحلّ في إطار النطاق المركزي، وتعدّ هذه المشكلات ثانوية إذ يأتي حلّه في إطار النطاق المركزي"[8]. وفي ضوء محدّد النطاق في كلّ من الحضارتين المتناظرتين في كتاب حلاّق، سيعمل على إجراء مقارنة بين النموذجين كنوع من البرهنة على صدق تنافرهما بخصوص النطاق المركزي وعدم إمكان دمجهما، لهذا يمكن أن نقول إنّ الكاتب اعتمد في كتابه منهجا مقارنا، حيث إنّه على طول مؤلَّفه يترنّح ويتنقل مقارنا بين طبيعة مقاربة كلّ ثقافة لإشكال ما من الإشكالات السياسية.

ويخلص وائل حلاق إلى أنّ النطاق المركزي لنموذج الحكم الإسلامي أخلاقي صرف. فالأخلاق هي النموذج الذي إذا حُلّت مشكلاته انفسخت عُقَد القضايا الأخرى؛ سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، يقول: "إذا استخدمنا منظومة شميث، فإنّ الأخلاقي بالنسبة إلى الإسلاميين هو النطاق المركزي المعلن"[9]، لكن ما قد يُنتَقد في مذهبه هذا أنّ وائل يماهي بين المصادر التي تشكّل ما يمكن اعتباره أصولا إبستيمولوجيّة للثقافة الإسلامية مثل القرآن الكريم والسنّة النبوية، وبين التجربة السياسية للحكم في البلدان الإسلامية. فالمعلوم أنّ الأخلاق لم تكن حاضرة بشكل معتبر في التجربة التاريخية، وحتّى حين تحضر فمن مداخل نفعيّة ليس إلاّ، إذ إنّ حاشية السلطان والنخبة التي توجّهه تنصحه بالتزام الأخلاق لا لقيمة ما في ذاتها، وإنّما لأنّ ذلك التقيّد بالأخلاق وإظهاره من شأنه أن يدعم أركان حكمه ويثبّت عرشه، وإلاّ فقد يكون هذا الحاكم الذي يظهر التقوى والورع للرعية غارقا في أوحال الرذيلة. من هنا تأتي الثغرة التي تخللت مقاربة وائل حلاق للتجربة الإسلامية، إنها في الغالب مقاربة صورية لا تحتكم إلى التاريخ لتستخلص منه العبر وتتحقّق من صدق ما هو مبثوث من مبادئ مثالية عن طبيعة الحكم.

وحتى يبرر وائل حلاق هذا النطاق المركزي للحكم الإسلامي ويبرّئه من وصمة الماضوية، يدخل في سجال متوتّر مع دعاة التقدّم، وهذه الفكرة هي حصيلة رؤية الأنواريين للتاريخ، فمنذ عصر الأنوار بزغت فكرة تشبه أن تكون عقيدة عن السير التقدّمي للتاريخ والاعتقاد في سيرورة التطوّر المطّرد للمجتمعات التي ركبت قطار الحداثة، وهو يجيب عن هذا الإشكال من مدخلين اثنين كما يمكن أن نستشفّ من خلال قراءة فحوى نقده لمقولة التقدّم، المدخل الأوّل وهو مبهم إلى حدّ كبير؛ ذلك أنّه يتعلق بتصوّره للشريعة، وهو تصوّر ضبابيّ وغامض لم يجلّه في كتابه هذا. فوائل حلاّق يقرّر أنّه حين يدعو لإحياء الشريعة لا يقصد بذلك بعث المؤسسات التي عرفها التاريخ الإسلامي، بل فقط ما يثوي وراءها وينظّمها من قيم وأخلاقياّت، أو ما يسمّيه تبعا للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو "تقنيّات الذات".[10]

أمّا فكرة التقدّم نفسها، فهي مجرّد فرضيّة، إنّها تستبطن أنّ للزمن بنية حتمية تقود إلى ما هو أرقى دائما، بل هي كما يرى وائل حلاق فكرة خبيثة وماكرة، لأنّها تخفي تضخّم المركزية الغربية، فهذه الإيديولوجيا لا ترى في الحقبات التاريخية التي سبقت حمل الغرب لمشعل القيادة إلاّ ممهّدات للحضارة الغربية الرائدة، لكنّ الأدهى في هذه العقيدة، وكما رأى أحد روّاد مدرسة فرانكفورت المفكّر "أدورنو" (Adorno)، أنّها تضفي الشرعية كذلك على ما قد تقترف هذه الحضارة من شناعات، فتلك الأخطاء نفسها ضرورية ولا بدّ منها حتّى يتابع التاريخ مساره التطوّري، وكأنّنا أمام منطق "خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام"، أو حتّى "ليس في الإمكان أبدع مما كان".

بعد هذه التوضيحات ينتقل وائل حلاق لتشريح بنية الدولة المعاصرة من أجل إبراز تناقضها مع نطاق الحكم الإسلامي. غير أنّ وائل حلاّق تواجهه كما هو بادٍ إحدى العقبات التنظيرية المنهجية مادام يحتكم إلى الكتابات الفكرية لفلاسفة الغرب، هذا التحدي الذي يواجهه هو تعدد المقاربات بشأن الدولة وذلك بتعدّد المفكّرين المبدعين الذين نظّروا لها. من هنا سيفتعل وائل حلاّق تمييزا بين المضمون والشكل، فالمضمون هو تلك القواسم المشتركة بين جلّ المفكّرين، والتي تشكّل أرضية تقلّهم جميعا باختلاف اتجاهاتهم. أمّا المضمون، فهي الاختلافات "الطفيفة" التي لا تؤثّر في وحدة النموذج الذي يحومون حوله جميعا، المضمون ثابت بينما الشكل متغيّر، يقول: "سأفرّق بين شكل الدولة ومضمونها، فاعتبَرَ المضمونَ متغيّرا أو مجموع متغيّرات، واعتبَر الشكلَ مكوّنا من بنى أو خصائص أساسية امتلكتها الدولة في الواقع لمئة عام على الأقل، ولا يمكن تصوّرها كدولة قطّ، كونها أساسية"[11].

ما هي خواصّ شكل الدولة؟ يجيب وائل حلاّق إنّها خمس خواصّ تتوزّع بين ما هو جغرافي تاريخي وما هو قيمي نموذجي؛ الخاصّية الأولى أنّ الدولة الحديثة هي دولة تاريخية، ذات حدود زمكانية واضحة لا تتعدّاها؛ فالدولة كما يقوم وائل حلاق هي نفسها تاريخها، ولا شيء يمكن أن يهرب من الزمنية، ولاشك أنّ في هذه الخاصية مصادرة واضحة لإمكانية أن تظهر في البلدان الآسيوية أو الإفريقية دولة حديثة على النمط الغربي.

الخاصية الثانية هي السيادة، ويُلاحظ أنّ وائل حلاق هنا ينطلق من مسلّمات فكرة الحاكمية التي راجت عن طريق كتابات المودودي وسيّد قطب، وهو مع ذلك لا يشير ولو تلميحا إلى هذين المفكّرين، ولا بالأحرى أن يتطرّق للجدل الذي دار بين الإسلاميّين أنفسهم حول مصداقيّة مفهوم الحاكمية وشرعيّة تصور أنصارها لها. إنّ فكرة السيادة كما هي في الغرب تتعارض، في رأي وائل حلاّق، على طول الخط مع الحاكميّة الإلهية، فإذا كانت السيادة في المجتمع الإسلامي لله وذلك بتوسّط شريعته الأخلاقية، فإنّ السيادة في الدولة الحديثة "تنهض على فكرة أنّ الأمّة التي تجسّد الدولة هي وحدها صاحبة إرادتها ومصيرها"[12]. وترتبط بهذه الخاصّية ويتفرّع عنها خاصّية ثالثة هي "التشريع والقانون والعنف"، فسيادة الأمّة يعني حقّها الانفرادي في التشريع، ومادامت الدولة هي التي تحفظ السير الطبيعي والقانوني لمؤسساتها وتسهر على ضمان فاعلية القانون، فإنّ هذا يقود كذلك إلى احتكارها وحدها لممارسة العنف، فالدولة إذا في هذا النطاق المركزي هي غاية في حدّ ذاتها، أو "العلّة الغائية" بالعبارة الأرسطية، وكلّ شيء غيرها يمكن التضحية به، بما في ذلك الإنسان نفسه، في سبيل حفظ استمرارية الدولة. ولذلك فهو يوازي بين الله في هرمية النطاق المركزي الإسلامي والدولة في النموذج الغربي، يقول حلاّق: "كتعبير عن الإرادة السيادية، فإنّ الدولة هي المشرّع الشبيه بالإله بامتياز"[13]، بل ولا يفوته الإشارة إلى فكرة طالما ألحّ عليها بعض المفكّرين العرب المعاصرين، وهي أنّ الفكر الغربي العلماني هو في الحقيقة نوع من النسج على منوال الفكر الديني، أي أنّه مجرّد علمنة لمفاهيم دينية أصيلة، بعبارة أخرى هو في صميمه استبدال مفاهيم هي في جوهرها دينيّة بأخرى من طبيعية دنيوية مع الاحتفاظ بذات الهرميّة[14].

أمّا الخاصّية التي ترتبط كذلك بهذه الشبكة من العلاقات التي تنسجها مجموع هذه الخواصّ، فهي الخاصية الخامسة التي سماها وائل حلاق "الهيمنة الثقافية أو تسييس الثقافي"، فالدولة هي التي تفرز تقنيات الذات التي تتوافق مع رغباتها وطموحاتها، فقد تبيّن أنّ العنف وحده لا يكفي من أجل إخضاع رقاب الرعايا، أو أنّ هذا العنف في أحسن الأحوال يظلّ محدود المفعول، وأنّ أيسر السبل من أجل عقد توافق بين الدولة والمواطن هو اختراقه ثقافيا وتطويعه حتّى يطاوع الدولة من محض إرادته التي قد تتبدّى حرّة، لكنها قد بُلورت سابقا عن طريق تسييس ثقافي للدولة. نقرأ لوائل حلاّق: "المشروع العلمي الساعي إلى إضفاء الشرعية هو المشكلة التي نتناولها: فمن خلال مدارس الدولة والتعليم التي تنظّمه قوانين الدولة تنشأ نخبة علميّة نموذجيّة ويعاد إنتاجها كمجال ثقافي يستجيب لتوغّل الدولة العام في النظام الاجتماعي"[15]. أمّا الخاصية الرابعة، والتي أخّرنا عمدا الحديث عنها، فهي وجود جهاز بيروقراطي نافذ في المؤسّسات الغربية.

بعد هذا البسط الوافي لخواصّ الدولة الحديثة، يُضيّق وائل حلاّق بؤرة رؤيته أكثر في مقارنته بين نموذج الحكم الإسلامي والنظام السياسي الغربي. فالباحث ينتقي قضيّة في غاية من الحسّاسيّة، يظنّ أنّها يمكن أن تكون الدليل البارز على وجود حواجز لا يمكن كسرها بين النموذجين، فلا يمكن البتّة بذلك الجمع بين الرؤيتين، ألاّ وهي مسألة "الفصل بين السلطات".

وفي هذا الفصل بالذات تطفو النزعة الطوباية المثالية لوائل حلاّق ويرتفع صوت المديح لذاتنا الثقافية، فهو لا يكتفي بإفقاد الثقافة الغربية التي أبدعت نظام الفصل بين السلطات هذه الريادة التشريعية وهذا السبق القانوني، بل، وفي خطوة تنظيرية غريبة حقّا، يرى أنّ النظام السياسي الإسلامي كان أكثر تمثّلا وتطبيقا لهذا الفصل مع أنّنا لو فتحنا كلّ الكتب الفقهية والأصولية لن نجد فيها ذكرا لهذه النظريّة. ولن نجد أفضل من أدبيّات النظريّة الهيرمينوطيقية لتفسير هذه الظاهرة الفكريّة، فكما يقول فلاسفة هذا المنهج كلّ مفكّر يجابه إشكاليّة ما يجرّ معه جملة مسبقات وتوقّعات يسقطها على مقروئه، وهذا بالذات ما فعله وائل حلاّق، فهو أعاد صياغة بعض الحيثيّات التي لا تشكّل في حد ذاتها قانونا مطّردا، بل انتقاها انتقاء، على ضوء نظريّة "فصل السلط"، تماما كما نجد في مجالات معرفيّة أخرى معروفة.

والمفارقة في الحقيقة هنا غير تامّة، فكما رصد وائل حلاّق ثمّة فعلا سوء تطبيق على عدّة مستويات لمبدأ فصل السلطات، وخاصة على صعيد السلطة التشريعية، فالمفترض أن تكون هذه الأخيرة تتكفّل وحدها بسنّ القوانين، لكنّ الملاحظ أنّ ممثّلي السلطة القضائية ومحاكمها استنادا إلى "السوابق القضائية" يزاحمون السلطة التشريعية في صياغة القوانين. وعن جينيالوجيا هذا التداخل بين السلطتين يرى وائل حلاّق أنّ السلطة القضائية كانت فيما مضى في الحقبة الملكية تراقب سلطات الملك التنفيذية والتشريعية، وبعد أن انتقلت تلك الصلاحيات إلى البرلمان ظلّت توفّر هذه الرقابة كنوع من التقليد[16]، وليست السلطة القضائية وحدها التي تتطاول على صلاحيّات السلطة التشريعية، بل إنّ السلطة التنفيذية نفسها لها الحقّ في تقديم مقترحات قوانين يتمّ في الغالب المصادقة عليها من قبل البرلمان، ويحدث هذا من دون تفويض صريح من السلطة التشريعية. يقول وائل حلاّق: "في أغلب الدول القومية، وبصرف النظر عن الأسئلة العميقة التي تثيرها الدولة الإدارية، فإنّ رأس السلطة التنفيذية مخوّل بحكم منصبه بالتشريع في عدد من الأمور المتعلّقة بالحرب والقوانين العرفية والضرورة الاقتصادية وأشياء أخرى كثيرة"[17].

هذا على مستوى التداخل بين السلطات التي يتهاوى معها مبدأ الفصل، إلاّ أنّ ثمة ما يخرم من جهة أخرى استقلالية عمل هذه السلطات. فالسلطة القضائية التي يجب أن تظلّ محايدة إلى أقصى حدّ لا تستوفي عادة هذا الشرط الأساسي، ذلك أنّ القضاة ليسوا بمنأى عن عوامل قد تحدّ من استقلاليتهم ونزاهتهم مثل الانتماء إلى طبقة أو نقابة، أو قبل ذلك التعليم الذي يُقدَّم لهم، فيحدّد مسبقا مواقفهم، ويجعلهم في الغالب ينحازون إلى الدولة وإيديولوجيّتها. كما أنّ السلطة التنفيذيّة في حدّ ذاتها تنافسها الإدارات والمؤسسات التي تشكّل "فرعا رابعا من الحكومة لا رأس له"، وكيفما كان الأمر كذلك، يرى وائل حلاّق، أنّ بُعد الرئيس التنفيذي عن أن يكون الحاكم والمنفّذ الوحيد والأوحد يضعنا أمام احتمالين: إمّا أن يكون الدستور الذي ينصّ على منح السلطة التنفيذية وحدها للرئيس على حقّ وتدخل ذلك الفرع الرابع الذي بلا رأس زيغ وسوء تطبيق للدستور، وإمّا أن يكون هذا الحقّ المخوّل لهذا الفرع مشروعا والدستور هو الذي انحرف عن الجادة.

أمّا عن نظام الحكم في الإسلام، فوائل حلاّق يستثمر فكرة واحدة فقط تقريبا، وهي سيادة الله. ففي نموذج الحكم الإسلامي، كما يظنّ، الفصل بين السلطات له ضمانات أكثر، لأنّ القانون الذي هو الشريعة الإسلامية يتعالى عن السلطتين التنفيذية والقضائية، ووائل حلاّق يشيح بوجهه عن جملة إشكالات تطرح هنا، وهي أنّ نسبة الأحكام الشرعية في القرآن - والسنّة، لمن يرى حجيّتها - تبقى قليلة، وهي أحيانا تجيب عن أسئلة راهنة في حقبة النبي، ما يعني أنّ ما سيفجّر من أسئلة يمليها الواقع الاجتماعي لن يُرجع فيها إلى النص بل إلى آليات الاجتهاد، وهو ما يفيد أنّه في آخر المطاف الفقيه هو الذي سيشرّع وليس الله، بل وحتّى إن افترضنا أنّ النصّ الشرعي يحتوي على إجابات لكل القضايا التي سيثيرها التطوّر الاجتماعي وما يعنيه ذلك من ضرورة إصدار أحكام شرعيّة في نوازل مستجدّة، فإنّ مدخلية الفقيه هنا لا تخفى كذلك، فالنصّ الديني قد لا يكون واضحا بذاته ـ نصّ بالمفهوم الأصولي -، وهذا ما يعني إقحام الفقيه لذاته كميول ورغبات من خلال سلطة التأويل.

محدّد آخر يميّز نموذج الحكم الإسلامي عن نظيره الغربي، وهو محدّد جغرافي بالنسبة إلى الغرب، وأنطولوجي بالنسبة إلى الإسلام. فالدولة الغربية الحديثة هي دولة ذات حدود جغرافية معلومة، تمتدّ رقعتها داخل قوميّة بعينها، أمّا في النموذج الإسلامي فتحلّ الجماعة ككيان غير متجانس عرقيا محلّ الدولة القومية الحديثة، وأمّا الذي يوحّد هذه الأمّة، فهو الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية والرضى بالسيادة الإلهية، يقول وائل: "في الإسلام تحلّ الجماعة محلّ شعب الدولة القومية الحديثة (...) وبصفة عامة، فإنّ كلّ إقليم تطبّق فيه الشريعة كقانون نموذجي يعتبر مجالا إسلاميا"[18].

غير أنّ الخلاف الأساسي بين التشريعين الغربي والإسلامي هو منطلقاتهما المعرفية، فالقانون الغربي تأثّر بالمدرسة الوضعية التي ميّزت منذ البداية بين الحقيقة والقيمة، ورأت أنّ الحقيقة في أيّ مجال يجب أن تكون منفصلة تماما عن القيم والأخلاقيات، وهذا ثابت بنيوي ميّز الفكر الغربي كما قال تشارلز تايلور، وقد انعكس في المجال التشريعي فتمّ التمييز بين الأخلاقي والقانوني، فالأخلاقي هو ما ينبغي أن يكون بينما القانوني هو الكائن. أمّا النموذج الإسلامي، فهو لم يقم فاصلا بين القانوني والأخلاقي، بل إنّ الكائن، كما يرى وائل حلاّق، هو دائما ما ينبغي أن يكون، والأخلاقيات هي وحدها التي تحدّد طبيعة القوانين والتشريعات.

أمّا استحالة قيام نموذج إسلامي معاصر، فيرجع إلى الحصار الذي تضربه العولمة على دول الهامش والأطراف. صحيح أنّ العلاقات الاقتصادية العابرة لما هو محليّ وذات الطبيعة الدولية هي ظاهرة قديمة، إلاّ أنّ ما يميّز هذه العولمة الحديثة هي التحدّيات الثقافية التي يفرضها المعولِم على المعولَم، فهي تجرف بشكل مدمّر جلّ الخصوصيات الثقافية وتكاد تلغي كلّ الفوارق بين المجتمعات، وهذا ما عبّر عنه وائل حلاّق بقوله: "إنّ العولمة الحديثة تمتلك خاصّية مختلفة، فهي ليست ظاهرة اقتصادية فحسب - كما كان النشاط التجاري ما قبل الحديث، وإن على نطاق أوسع - هي اقتصادية بصورة مؤذية، وهي كذلك سياسيّة وثقافيّة بصورة كثيفة ومتغوّلة"[19]، والثقافة التي تروّجها العولمة هي نفسها ثقافة الدولة التي ترعى هذه الشركات العابرة للقارّات، أي الإيديولوجيا الليبراليّة.

في الختام، إنّ ما يمكن اعتصاره من كتاب "الدولة المستحيلة" لوائل حلاق، إن نحن نحيّنا جانبا النبرة العدمية الطاغية على الكتاب أو خفّفنا من حدّتها، هو أنّنا كمسلمين نواجه تحدّيات حقيقيّة. فالنموذج السياسي الذي ترتضيه المجتمعات الإسلامية وتتطلّع إليه غير حاضر الآن، فلا ما ورثته الدول الإسلامية من الحقبة الاستعمارية يجدي لوحده لقيام نهضة حقيقية، وذلك نظرا لعدم حدوث أيّة تبيئة لهذا النموذج السياسي وغربته في البلاد الإسلامية. من هنا فالمزايدات السياسية باسم الحداثة والإصلاحات الشكليّة لا تجيد، لكن وخلافا لما يعتقده حلاّق لم تكن التجربة السياسية التاريخية في البلدان الإسلامية كما حاول أن يصوّرها، وممّا يجدر بنا السعي لإحيائها، فهي من غير شك قد تجاوزها التاريخ، وكانت كذلك تجسيدا للحكم التوتاليتاري (= الشمولي)، وهي بداهة ظاهرة في أيّة حقبة من حقبنا التاريخية، مشرقا أو مغربا، ومن المستغرب حقّا أن يتجاهلها وائل حلاّق. أمّا بخصوص الحصار العولمي، فقد كان أولى بوائل حلاّق أن يثير قضيّة أخرى ويسمّي الأشياء بأسمائها، فقد أفاض بعض الباحثين في التنبيه على دور العامل الخارجي في إجهاض الإقلاع الحضاري للمسلمين[20]، لكن يبقى المسؤول عن تدهور الوضع في المجتمعات الإسلامية عندما يتعلّق الأمر بالعراقيل الخارجية هو وجود أنظمة سياسية غير وطنيّة، هي مستعّدة دائما لقبول السيطرة الأجنبية ودفن كلّ مشروع إحيائي في سبيل حفظ عروشها.

عندما نرى نسورا تنهش لحم حيوان ما، علينا أن نكون مقتنعين تمام الاقتناع أنّه جيفة وليس أبدا حيوانا على قيد الحياة... هكذا، يجب أن نفهم علاقتنا بالآخر.


[1] لتفاصيل أوفى حول هذا التحوّل، انظر:

عبد الإله بلقزيز، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر. (مركز دراسات الوحدة العربية. 2011). ص 81 وما بعدها.

وحول التأثير السيكولوجي للصدمات السياسية على الفكر العربي عموما، ينظر:

جورج طرابيشي، المرض بالغرب: التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي. (دمشق: دار بترا. 2005)

[2] عبد الإله بلقزيز، الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر. ص 144

[3] يقول وائل حلاّق في ذلك "تفترض الخطابات الإسلامية الحديثة أنّ الدولة الحديثة أداة للحكم محايدة، يمكن استخدامها في تنفيذ وظائف معيّنة طبقا لخيارات قاداتها وقراراتهم"

وائل حلاّق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي. ترجمة عمرو عثمان ( المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: بيروت. 2014). ص 275

[4] نفسه، ص 207

[5] نفسه، ص 19

[6] انظر:

عبد الله العروي، مفهوم الدولة (بيروت: المركز الثقافي العربي. 2006).

[7] وائل حلاّق، الدولة المستحيلة. ص 31

[8] نفسه، ص 37

[9] نفسه، ص 47

[10] أورد المؤلّف في ملحق الكتاب ثبتا للمصطلحات قدّم فيه، من ضمن ما قدّم، تعريفا لمفهوم تقنيّات الذات، يقول: "مصطلح جاء به المفكّر الفرنسي ميشيل فوكو للإشارة، بصفة عامّة، إلى الوسائل المتاحة التي يستخدمها الفرد للتأقلم داخل النظام الاجتماعي القائم، وتشتمل على وضع قيود على الفعل ومراقبة للنفس. كما يستخدمها المؤلّف هذا الكتاب في سياق حديثه عن الإسلام، حيث تشير إلى إخضاع النفس عن طريق المداومة على العبادة بصورة منتظمة وبهدف جعلها تكليفا أخلاقيا وتنمية لهذا التوجّه فيها". الدولة المستحيلة. ص 299

[11] نفسه، ص 60

[12] نفسه، ص 67

[13] نفسه، ص 73

[14] يقرّر طه عبد الرحمن في حديثه عن ما يسمّيه "طريق المقايسة": "إنّ واضع النظرية الأخلاقية [العلمانية] يقدّر أحكامه الأخلاقية على مثال الأحكام التي تأخذ بها الأخلاق الدينية"

طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية. (بيروت: المركز الثقافي العربي. 2006). ص 39

[15] وائل حلاّق، الدولة المستحيلة. ص 81-82

[16] نفسه، ص 100

[17] نفسه، ص 98

[18] نفسه، ص 105

[19] نفسه، ص 251

[20] "كان العامل الخارجي من أبرز الأسباب التي كانت وراء تقهقر الأوضاع، أو على الأقلّ على جمودها، ضمن نموذج يكرّر نفسه باستمرار، ويتمثّل هذا العامل الخارجي في الغزو المباشر والمدمّر الذي تعرّضت له المنطقة العربية انطلاقا من هولاكو إلى الحروب الصليبيّة إلى التوسّع الأوربي الحديث"

محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي: محدداته وتجلّياته. (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 2010). ص 19