من لاهوت اللغة إلى علمانيّة الأسلوب: الهويّة الثقافية الدنيوية


فئة :  مقالات

من لاهوت اللغة إلى علمانيّة الأسلوب:  الهويّة الثقافية الدنيوية

 

من لاهوت اللغة إلى علمانيّة الأسلوب:

الهويّة الثقافية الدنيوية*

 

ترسم المجتمعات التقليديّة صورة رغبويّة خاصّة لماضيها، بما في ذلك لغتها وهويتها، وهي صورة تتعرّض لتنقية دائمة في وعيها ولا وعيها، فتُتخذ كأصل لا ينبغي الانفصال عنه، فكل انفصال هو نوع من التدهور والانحطاط؛ لأنَّ تلك المجتمعات أنشأت بتلك الصورة اللغوية منظومة رمزيّة مُحكمة من القيم والآداب والأعراف تستجيب لتخيّلاتها وليس لواقعها، وتشكّل إطاراً لهويّتها الثقافية، والانقطاع عنها هو ابتعاد عن الأصل وتخريب لركائز الهويّة. ويشمل ذلك على حدٍّ سواء كلّاً من أوصياء الثقافة الرسميّة والعامّة ولكن بأسلوبين لغويين مختلفين؛ فالفئة الأولى تتعلّق بمعايير لغوية نمطية تتوافر فيها شروط خاصة بقدرات النخبة وبراعتها التعبيريّة التي بها تتميز عن العامّة، ومثال ذلك في النثر العربيّ القديم مقامات الحريريّ التي انتزعت شرعيّة كونها المعيار الأمثل للّغة الرفيعة، وكلّ خروج يُعدّ في نظر تلك النخبة انحطاطاً متراجعاً عن ذلك النموذج الأعلى، واقتراباً محتّماً إلى الهاوية، ولهذا يجري تضخيم مدرسيّ له عبر إحيائه بهدف مقاومة التحوّل الدنيوي الذي تسير فيه الأساليب اللغوية، مما يفترض به أن ينتج هويّة ثقافية تدّعي الصفاء والنقاء، فكأنها بذلك لا تأخذ بالاعتبار الضرورات الدنيوية للتغيير، بما في ذلك تغيير وسائل التفكير والتوصيل.

أمّا بالنسبة للعامّة فتكاد القضيّة تكون أكثر تعقيداً، لأنها تُطوّر بمرور الزمن أساليب تعبير مناقضة لأساليب النخبة وميولها الثقافية، وترى في تلك النخبة جماعة تتحرّك في مجال مصطنع ومحكوم بمصالح قائمة على التواطؤ وتبادل المنافع، ولهذا تنتهك العامةُ القواعدَ اللغوية لأدب النخبة، عبر السخرية والمبالغة والمحاكاة والتشخيص والفكاهة والروح الشعبيّ والضحك والمفارقة والهجاء والمبالغات الإباحيّة المكشوفة، فضلاً عن تخريب الفصاحة الرسمية في لغة تلك النخبة، ولكنّ العامة تطوّر عبر مخيالها منظومة قيم، تحتفي بالبطولة والغرائبيّة والمغامرة وبلغة معبّرة عنها، ممّا ينتهي إلى رسم ملامح هويّة ثقافية منزاحة عن الأصل وفيها لبس يخدش هويّة النخبة، وتنجح غالباً في التعبير عن ذلك، من خلال شطر القيم إلى ثنائيّات متضادّة، مثالها الخير والشر، فتتعلّق بنموذج قيمي، وتستدعي شخصيّات متخيّلة أو شبه متخيّلة لتمثيل ذلك.

وفي الوقت الذي يتبلور اهتمام النخبة حول الصيغ اللغوية المفخّمة والتعليمية يتجه اهتمام العامّة إلى الصيغ الموضوعيّة والاعتبارية، ولكن في الحالتين نجد عناية فيما لا نجده عند الطرف الآخر، فالعامّة تبني تخيّلاتها وتحافظ عليها عبر استدعاء الماضي واستعارته، فنموذجها متّصل بذاكرة جمعيّة، فيما النخبة تعنى بنموذج مرتبط بذائقة ما، وفي ضوء هذا ينبثق ضربان لغويان من ضروب التعبير يصبحان أساساً لهويّتين ثقافيتين فيهما درجة لا تخفى من التنازع، هويّة لاهوتية، وهويّة دنيوية، فيكون مضمون هويّة النخبة مغلقاً يقوم على المحاكاة والتكرارية، فيما يكون مضمون هويّة العامة منفتحاً يقوم على الابتكار. ويتأدّى عن ذلك اختلاف في الرؤية إلى الذات وإلى العالم، فرؤية النخبة - ومن ثمّ هويّتها- متمركزة حول ذاتها، فيما رؤية العامة - وهويّتها- متفاعلة تقترض مواردها من مناهل عدّة، فلا تعرف الانكفاء على الذات، ولا تقرّ بالانعزال، ولا تستجيب للموانع الصارمة، إنما تقوم بانتهاكها كلما اقتضى الأمر ذلك بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

وحيثما يذكر موضوع الهويّة الثقافية تقع الإشارة إلى أنّ الآداب القوميّة تتهدّدها مخاوف لها صلة بالذائقة والذاكرة، فذائقة النخبة حُبست في نموذج متعالٍ يُحتذى بالتكرار، وأمر الحفاظ عليه يلازم النخبة ملازمة فيها من الهوس به بمقدار ما فيها من الخوف عليه، أمّا ذاكرة العامّة فمستباحة تتعرّض للانكسار والتغيير والانحراف بفعل آليّات التفكير الشفويّ والتمثيلات الخاصّة به، فهي تتقبّل التغييرات الأسلوبيّة لأنَّ نموذجها التعبيريّ متحوّل لا يعرف الثبات، ولهذا فالمرويّات السرديّة والشعرية المعبّرة عن تلك الذاكرة تتعرّض لتغيير متواصل في بنياتها وأساليبها، فتختلف روايتها باختلاف الأمكنة والأزمنة، بل إنَّ النسق الشفويّ ومقتضيات التلقّي الحرّ تتدخّل في تكييف كلّ مادّة جديدة لتوافق التصوّرات الكبرى للعامّة حول نفسها وذاكرتها، ولهذا تتضخّم متون المرويّات وتتبدّل، وتتعرّض للتحريف بحسب السياق الذي تروى فيه.

ومن أجل رصد "الهويّة الدنيوية" للثقافة المجتمعية، يلزم التفريق بين الإحياء والتحديث في كلّ من اللغة والأدب وما يتأدّى عنهما، كونهما عماد تلك الهويّة، فإحياء نموذج لغوي أو أدبيّ يتعارض مع تحديثه، وفكرة الإحياء اللغوي والأدبي في القرن التاسع عشر حركة فرضتها تصوّرات قيميّة وذوقيّة وثقافيّة لمقاومة الجديد الذي نُظر إليه على أنّه تهديد للنموذج اللغوي اللاهوتي في ذاكرة الأمّة، ففي ظلّ المتغيرات الجديدة انبثق خوف على الهويّة الثقافية الموروثة، وتوّهم كثيرون أنّ إحياء الأساليب القديمة سيحول دون تفكك تلك الهويّة، وذلك يعارض روح التغير الدنيوي عند الأمم عامة، فلكل زمن هوياته ومن ثمّ أساليبه ومعاييره. وكان ينبغي تحديث الأساليب بوساطة الحذف والإضافة والابتكار، وليس بعث الصيغ القديمة الجاهزة.

تتفاعل عمليات الإنتاج والتلقّي الأدبيّ من الناحية اللغوية بما يمكن الاصطلاح عليه بـ"المجتمع الأدبيّ" الذي تتركز اهتماماته حول هذه القضيّة، وبطبع المرويّات السرديّة وظهور الصحف في القرن التاسع عشر، بدأ يتشكّل لأول مرة مجتمع أدبيّ دنيوي، يختلف عن المجتمع اللاهوتي الذي تبلورت ملامحه في المدارس الدينيّة، ولا يتقيّد هذا المجتمع بحدود واضحة، ولم يتجهّز لغويّاً وتاريخيّاً بصورة كاملة، لكنه تميّز بأنه مجتمع تواصليّ، يتبادل أفراده الأفكار والرغبات والحاجات، وكان حرّاً في علاقاته؛ لأنّه لم يخضع بعدُ لتنميط ثقافيّ صارم، فراح يبحث عن الاتصال بالماضي والحاضر عبر الإثارة والمغامرة والفرجة وبلغة مباشرة فيها كثير من دفء العامة وتخيلاتها.

عبّرت الثقافة العربية قبل القرن التاسع عشر عن نفسها بصيغتين، يمثلهما مساران لغويان متوازيان لم يقع بينهما تماس ملحوظ إلا في حالات نادرة: مسارُ الثقافة المدوّنة التي تمثلها الخاصّة، ومسار الثقافة الشفويّة التي تمثلها العامّة، ولكل مسار تقاليده في إنتاج الثقافة وإرسالها وتلقّيها، وبعبارة أخرى فلكل منهما هويّته. وبظهور الطباعة والتعليم والصحافة تداخل المساران، وأصبحت الحدود بينهما شبه مفتوحة، وصار ممكناً للجميع أن يتعرّفوا ثقافة وقع فيها لأول مرّة نوع من التجانس في التلقّي، وإن كانت المخاوف ما زالت مترسّبة في نفوس أتباع الثقافتين، صار بالإمكان قراءة المقامات بوصفها أدباً للخاصّة، والسير الشعبيّة بوصفها أدباً للعامّة، دون الاهتمام المدقِّق بالخلفيّات الثقافيّة والتاريخيّة لكل تلك الأنواع الأدبيّة، وبهذا وقع اندماج نسبيّ، أدى إلى ظهور وعي جديد بأهميّة الكتابة بوصفها تمثيلاً رمزيّاً للحياة والواقع والنفس، وليس مرافعة لغوية تستخرج فيها الألفاظ من بطون المعاجم.

تتعرّض اللغة للتغيّر والتحوّل لدواعي الاستعمال وتبدّل الظروف الثقافيّة. والثابت "أنَّ التطوّر اللغويّ يحدث في مادّة اللغة التي تؤلّف بنيتها وكيانها"، أي "الألفاظ التي تبنى منها اللغة"، وهذه الألفاظ "يُخضعها الاستعمال فتجدّ فيها خصوصيّات معنويّة ذات ظلال دلاليّة جديدة يستدعيها الزمان والمكان، وليست العربيّة بدعاً بين اللغات؛ لأنَّ اللغات كافّة تخضع لسنّة التطوّر، وأنّ الكلمة في كثير من اللغات مادّة حيّة يعمل فيها الزمان، ويؤثّر فيها، وتجدّ فيها الحياة فتتطوّر وتتبدّل، وربّما اكتسبت خصوصيّات معنويّة أبعدها الاستعمال عن أصلها بُعداً قليلاً أو كثيراً، وليست العربيّة بنجوة من الذي طرأ على غيرها من اللغات"[1].

انتظمت صيغ التعبير في ضربين متمايزين، ارتبط كلّ منهما بطبيعة الأدب الخاصّ به؛ فالمرويّات السرديّة، ووسيلتها المشافهة، طوّرت الأساليب اللغويّة المتّصلة بالبنية الذهنيّة والذوقيّة للعامّة. وقد تجاوزت تلك الأساليب الشفويّة عقبات التفاصح المغالى به الذي شاع في الكتابة النثريّة الفصحى، ودمجت أساليبها عناصر متعدّدة من اللهجات والصيغ الجاهزة والأشعار الدارجة، والمقاطع الوصفيّة المنتزعة من سياقات كتب أيام العرب وكتب الأخبار وانطباعات الرحّالة، فضلاً عن مزيج متنوّع تتواشج موارده بلغات الشطّار والعيّارين والبخلاء والمتطفّلين والمكدّين؛ وبذلك تشكّلت تلك الأساليب لتعبّر عن المواقف الانفعاليّة والشاجية من جانب، وعن التطلّعات السرّيّة والمختزلة للعامّة تجاه العالم الذي تعيش فيه من جانب آخر.

وأضفت السياقات الثقافيّة التي يترتّب فيها تلقّي المرويّات قيماً اعتباريّة خاصّة عليها، وبذلك عمّقت الأبعاد الدلاليّة لأساليبها. وصُبغت تلك الأساليب بالخصوصيّات البيئيّة المحليّة المتنوّعة حيثما أُنشدت وجرى تداولها، فتقبّلت اللهجات المحكيّة. وكلّ هذا يؤكد أنَّ أساليبها الدنيوية كانت دائمة التطوّر، لأنّها كانت مفتوحة على المكوّنات التعبيريّة مهما كانت مصادرها، وساعد على ذلك التداول الشفويّ لها إنتاجاً وإنشاداً وتلقّياً، فجاءت صياغاتها خليطاً من الإطناب والمخاطبة والحوار والمباشرة، فتضمّنت مزيجاً متفاعلاً يشعّ بالدفء والإيحاء والعفويّة والسلاسة، مع الأخذ بالحسبان الإسهاب وعدم الترابط الشائع في الصيغ الشفويّة.

وفي تلك الأساليب ظهر توافق بين المتكّلم ووعيه الثقافيّ، فالرواة المتّصلون بالأوساط التي تتلقّى المرويّات ركّبوا هم وأسلافهم هياكلها العامة، ونقّحوا صياغاتها الأسلوبيّة عبر الزمن حذفاً وتبديلاً وإضافة، وتشبّعوا بعوالمها وامتداداتها في الواقع الذي يعيشون فيه. كانوا يستقون لغتهم من الأوساط التي تتفاعل معها، فلا نجد بوناً كبيراً بين الشخصيّة وكلامها، فهما كلّ مندمج في سياق ثقافيّ واحد. ولم يتردّد الرّواة في تكييف اللغات واللهجات والألفاظ والأشعار والحكم والتهجين فيما بينها، وصولاً إلى أسلوب خاصّ بمرويّاتهم.

كان الرّواة يشافهون جمهوراً متعطّشاً لتتبّع الأحداث التي تنجزها شخصيّات تاريخيّة شهيرة، فيوفّرون بذلك إمكانية التواصل بين المتلقّين والصور المتخيّلة للنماذج البطوليّة التي يتمّ استدعاؤها من الماضي، وبظهور الطباعة توسّع ذلك المجال، وصار الإقبال على المرويّات المطبوعة يسير بموازاة الشكل الشفويّ، وينافسه في اجتذاب القرّاء. وقد أصبح هذا المجال الاتصاليّ غزيراً بإيحاءات كانت تتداخل فيها حاجات جديدة للتعبير لم تكن قائمة، مع رغبة عارمة في استحضار الماضي بصورته المتخيّلة التي تغاير الصورة الموثّقة والصارمة التي يقيّدها الإسناد في ثقافة الخاصّة. وقبل ذلك كانت تواجه المتلقّين، في الأدب العربيّ القديم، مشكلة الفهم والاستيعاب، وقد يسّرت أمرها المرويّات باعتمادها الأنظمة المباشرة والدافئة والشفويّة للتعبير، وقد استعانت الرواية بهذا الأسلوب بعد ذلك، فيما ظلّت الأساليب المتصنّعة مغلقة على العامّة، فهي مُبهمة ومُتعالية، وتحتاج إلى مهارات لغويّة ومعجميّة كبيرة، وأحياناً استثنائيّة لحلّ ألغازها الدلاليّة وكشف وجوهها البلاغيّة.

أمّا المؤلفات الكتابيّة الممثّلة للنخبة - وقد ورثت رؤية لا هوتيّة ثابتة لوظيفة اللغة- فسرعان ما غزاها التكلّف والمبالغة، وبسبب شيوع الأساليب اللغوية المتصنّعة في الكتابة النثريّة في الدواوين والمجالس والمناظرات والمجالات التعليميّة الخاصّة بتلقين علوم البلاغة وغريب اللغة، فإنَّ السرود الكتابيّة، ومثالها المقامات، امتثلت للتكلّف والمغالاة في التعبير الفصيح وتدرّج الأمر فيها تبعاً لتدرّج التفاصح، فأسلوب "بديع الزمان" غير أسلوب "الحريريّ"، وأسلوب هذا غير أسلوب "ابن الصيقل الجزريّ"، وأسلوب "الجزريّ" ليس مطابقاً لأسلوب "اليازجيّ"، ناهيك عن كتّاب النثر الديوانيّ الذين تسابقوا إلى كلّ غريب ومبهم من الألفاظ، فثَمّةَ استغراق مطّرد في التكلّف والمغالاة في التصنّع، فكان أن أُجهز على البداهة الأسلوبيّة التي كانت شائعة في الكتابة العربيّة في القرون الأولى، فحلّ محلها الانتقاء المحايد للألفاظ الغريبة والغامضة والمهجورة للتدليل على جدارة المؤلف، دون الاهتمام بالأبعاد الإيحائيّة التي تحتاج إليها النصوص السرديّة.

ظهر بون شاسع يفصل المتكلّم عن كلامه، إذ أصبح التأليف ميداناً لتجريب القدرات اللغويّة لممارسي الكتابة، ويتحقّق الكمال الأدبيّ من الامتثال لمعايير التصنّع كما استقرّت في كتب البلاغة خلال القرون المتأخرة. لم يبقَ الأسلوب وسيلة للتواصل المباشر بين النصّ والمتلقّي في المؤلفات الكتابيّة، كما كان الأمر في المرويّات السرديّة، بل أصبح مضماراً لاختبار الكفاءة التأليفيّة في رصف صيغ الترادف والتضادّ والجناس والطباق والتورية والاستعارة، والتمحّل في استثمار المعجم اللغويّ بما يحويه من غريب ومهمل وحوشيّ وملتبس ومتروك وغامض، وقد حال ذلك دون إشاعة التراسل الحارّ والمباشر بين النصوص وألفاظها من جهة، والنصوص ومتلقّيها من جهة ثانية. ونسيت القاعدة الذهبية التي سنّها من قبلُ "ابن المقفّع"، حينما أطلق قولته التحذيريّة الشهيرة التي صاغت سنن الكتابة النثريّة: "إياك والتتبّع لوحشيّ الكلام طمعاً في نَيل البلاغة، فإنّ ذلك العيّ الأكبر"، فلم يؤخذ بمضمونها من قبل المتأخرين، وجرى الأخذ بمعايير لغوية تجريديّة ومتعالية، ونشطت المحاكاة، وصارت اللفظة المفردة معياراً لقياس أهميّة الكتابة وليس السياق الشفّاف المعبّر عن الحال الموصوفة، حيث ينبغي للفظ أن يندرج في السياق المطلوب ويمتثل لحاجاته التعبيريّة بهدف إنتاج دلالة نصّية لا دلالة معجميّة.

يفسّر كلّ هذا جانباً من استبداد المفهوم الشائع للبلاغة في العصور المتأخّرة على أنه الكفاءة في نظم الصيغ البلاغيّة البديعيّة ورصفها دون الاهتمام بالمظهر الإبلاغيّ والتمثيليّ، فالبلاغة ليس الإبلاغ بأفضل الطرق وأيسرها وأوجزها، كما كان الأمر من قبل، إنّما أصبحت البراعة في التكلّف والتصنّع. وكل هذا يؤكد عمق الأزمة الداخليّة للأساليب المتفاصحة التي كانت مجرّد معايير أسلوبيّة، يحاول الكتّاب تطبيقها بناء على قواعد مدرسيّة جرى تلقينها كمنظومة متلازمة من المعايير الجاهزة والنهائيّة، دون أن تتفاعل مع المرجعيّات الثقافيّة والاجتماعيّة التي لا تعرف الثبات. وبدل أن يصار إلى حلّ هذه المشكلة، فقد عدّت الأساليب المتفاصحة المعيار الوحيد لجودة التعبير الدلاليّ، وظلّ الأمر يتفاعل بكلّ تعقيداته إلى مطلع القرن العشرين.

يصحّ القول إنَّ الكتابة العربية انتهت إلى إفراز أسلوبين من التعبير اللغويّ، لكلّ منهما خصائصه وسماته ودرجة تمثيله للمرجعيّات الثقافيّة والاجتماعيّة، وقد حمل مفهوماً خاصاً للهويّة الثقافية، ويمكن الاصطلاح على أسلوب المرويّات السرديّة الشفويّة بـ "نموذج التعبير اللغويّ المفتوح"، فيما يمكن الاصطلاح على التأليف النثريّ الكتابيّ بـ "نموذج التعبير اللغويّ المغلق"؛ لأنَّ الأول، بفعل آلياته الشفويّة ووظائفه التواصليّة، ظلّ متفاعلاً مع مرجعيّاته ولصيقاً بها ومعبّراً عنها، ممّا جعله يتقبّل معظم التطوّرات الحاصلة فيها، لأنه اعتبر اللغة وسيلة للتداول الدنيوي، فلا قداسة لها، أمّا الثاني فقد جرّد معياراً ثابتاً ومتعالياً ومنفصلاً عن مقتضيات التعبير التي لا تعرف الاستقرار والثبات، فكان يقترض خصائصه من ذخيرة التعقيدات المدرسيّة المتصنّعة للتعبير التي استفحلت في العصور المتأخرة، وقطع الصلة المباشرة بالعالم الحيّ، وأعاد تنميط صياغاته ضمن أفق شبه مغلق من القيود، فيما يتّصل بالإيقاع المسجوع الخاصّ بالوحدات التركيبية للتعبير، والجفاف والتكلّف والتعمية والحذلقة، وقد دعّم نفسه برؤية لاهوتية للغة باعتبارها لغة الدين فلا يلحق بها تغيير أو فساد؛ لأنها مقدّسة.

وقد أفضى استعمال النموذجين المذكورين من أساليب التعبير إلى نتيجتين مختلفتين، فلغة الصحافة التي تعاظم تأثيرها بالتدرّج منذ منتصف القرن التاسع عشر، ارتقت بالنموذج الأول وطوّرته لأغراضها، وهذّبته وكيّفته لمقتضيات التعبير اليوميّ، وبالنظر لكونه مفتوحاً على المتغيّرات فقد تقبّل استعمال الصحافة له، بما في ذلك تنقيح صياغاته المسهبة والتخلّص من الأشعار المقحمة فيه. ولم تكن ثَمّةَ مسافة فاصلة بين لغة الصحافة ولغة المرويّات السرديّة، إنّما هما في منطقتين متجاورتين، فأمكن مع الزمن تذليل الصعاب التي من المنتظر أن تظهر في تحوّل كبير مثل هذا، فالصحافة وأساليبها اللغويّة كانت شيئاً جديداً آنذاك، ومُهّد الأمر للرواية بأنّ أخذت بهذا الأسلوب في أول أمرها، ثم كيّفته لأغراضها التعبيريّة في الوصف والتخيّل، وصار وسيلتها التعبيريّة. وسرعان ما تبنّت المعرّبات الأدبيّة المزيج الجديد وأخذت به أيضاً، فالمعرّبون ابتعدوا عن النموذج المغلق، وأخذوا بالمفتوح، فترك بصماته في معرّباتهم، بل إنهم أعادوا تشكيل بنى كثير من المعربات وحبكاتها بما يشابه الطرائق التي استقرت عليها المرويّات السرديّة. وبذلك ترسخت رؤية دنيوية للغة ووظيفتها في السرد العربي الحديث.

أمّا النموذج المغلق فقد استعمل في مجال لا صلة مباشرة له بالصحافة والرواية والتعريب، إنّما في مجالات التأليف الأخرى، فتعمّد كتّابه المضيّ في استخدامه على سُنّة القدماء باعتبارها المعيار السليم في التعبير اللغويّ، دون الانتباه إلى الأزمة الداخليّة التي كان يعانيها، وأهمها الانغلاق على نموذج تعبيريّ تجاوزه الزمن، ثم الترفّع عن المتغيّرات الحيويّة في المرجعيّات الثقافيّة. فلم يثمر عن شيء لأنه حاكى أساليب القدماء محاكاة عمياء، وحاول أن يستعير طرائقها باعتبارها المثل الأعلى للتقليد، فكان أن انحسر بمرور الوقت إلا في المواعظ والخطب والفذلكات المدرسية التلقينية التي تسعى إلى استعادة رؤية لاهوتية للعالم.

وصف العقّاد الأساليب الكتابيّة المتكلّفة في القرن التاسع عشر التي تندرج ضمن النموذج المغلق، فقال: إنَّ الكتابة كانت "قوالب جامدة محفوظة تنتقل في كلّ رسالة، ويُزجّ بها في كلّ مقام، وتُعرف قبل أن يمسّ الكاتب قلمه ويريق دواته. وكانت للمعاني القليلة المحدودة صيغ وقوالب لا يعتورها التصرّف والتبديل إلا عند الضيق الذي لا محيص عنه، والإفلاس الذي لا حيلة فيه. وكانت أغراض الكتابة كخطب المنابر تعاد سنة بعد سنة بنصّها ولهجة إلقائها ووحدة موضوعاتها، كأنّها تُعاد من حاكية لا تفقه ما تقول على آلات حاكية مثلها لا تفقه ما تسمع، وانحسرت الذخيرة اللفظيّة -التي تتناول منها الأقلام- في أسجاع مبتذلة، وأمثال مُردّدة وشواهد مطروقة، وآيات من القرآن تُقتبس في غير معارضها، ويَحذَر المقتبسون أن يغيّروا مواضع نقلها، وترتيب الجمل التي تسبقها وتلحق بها كحَذَرهم من تغيير حروفها وكلماتها. فإذا جمعتَ هذه الذخيرة المحفوظة بين دفّتي كتاب، فقد جمعتَ عندك كلّ ما خطّه المنشئون من قبل، وكل ما في نيّتهم أن يخطّوه من بعد، واستغنيتَ عن الأقلام والأوراق والمحابر وأدوات الكتابة كلها، ومنها المنشئون والمحبّرون"[2].

ومضى العقّاد واصفًا رغبة بعض الكتّاب في إحياء تقاليد الكتابة النثريّة القديمة، ممثلة بالمقامات المتأخرة التي أقبل عليها بعض المحدثين في القرن التاسع عشر، كأنهم يلوذون بها عمّا شاع من أساليب مفتوحة، فضلاً عن بعض الكتّاب الذين جانبوا الصواب بالتعلّق بالأساليب المتفاصحة، فكشف تململ روّاد التجديد من ذلك، لأنه يعوق حركة التطور اللغويّ، "كان الاحتفال بالكتابة علامة الغيرة على اللغة والقدرة على مجاراة الأقدمين فيها، وكانت المقامة بأسجاعها ومحسّناتها مثلاً للكلام المحتفل به ودليلاً على العناية بإحياء القديم، في الوقت الذي كان إحياء القديم فيه هدف النهضة وغاية القدرة التي تؤهّل صاحب القلم لحمل أمانة الكتابة في العصر الحديث، فشاع أسلوب المقامة في مقالات الصحف، وفي مراسيم الحكومة وفي كتب التاريخ والجغرافيا وفي نقل الكلام المترجم، وشرح الكلام المنقول. ولا جرم كان من التجديد أن يتنبّه روّاد التجديد إلى خطأ هذا الرأي، وأن يختاروا الأسلوب المرسَل لموضوعات الكتابة المرسَلة التي تُطلَب للفائدة وتحقيق العلم والفهم، ولا تحتاج من تجميل البلاغة إلى مقصد غير مقصد الإبانة والإقناع وصحّة اللغة، وما تنطوي عليه من صدق التعبير وسلامة لفظه ومعناه"[3].

بنى الامتثال للمعايير اللغوية الموروثة موقفاً أخلاقيّاً متماسكاً، فلا يمكن بسهولة التخلّي عن معايير ارتفعت في وعي الكتّاب إلى قواعد نهائيّة لكلّ تعبير كتابي، فالمثال الأعلى لـ "ناصيف اليازجيّ" في "مجمع البحرين" على سبيل المثال، هو مقامات الحريريّ، ولأنّه كذلك، وصفه "لويس شيخو" بأنه "عمدة البُلغاء"[4]. ورسوخ مبدأ المحاكاة ذاته، هو الذي دفع بـ "مارون عبود" إلى القول إنّه "يستوحي الكتبَ القديمة، ولا يستلهم غيرها.. وكأنّه ذات مجرّدة عن المكان والزمان"[5]. ولم يكن ذلك بخافٍ عن "جورجي زيدان" الذي أكّد أن "اليازجيّ" أودع في مقاماته من "فنون الإنشاء وصناعات البديع، ومن غريب اللغة وألفاظها المنتقاة وأمثال العرب والآيات الشريفة، ما دلّ على طول باعه وغزارة محفوظه، وذلك فضلاً عمّا أودعها من المسائل العلميّة في كلّ فنّ، وما ضمّن شرحها من تـواريخ العـرب وأنسـابهم ووقائـعهـم"[6].

كان الشعور الخاصّ ببعث طرق القدماء قد بدأ يتفاقم، وهو شعور معبّر عن حسّ لغويّ لاهوتي بعيد عن فهم البعد التمثيليّ للأدب، الذي اتخذ صيغته الأخيرة عند "اليازجيّ" باعتباره حاملاً لمعرفة لغويّة وبلاغيّة وليس تشكيلاً لسانيّاً تمثيليّاً، ولهذا، كما يقول "هاملتون جيب" أوقف اليازجيّ "حياته على بعث اللغة العربيّة، والعودة بها إلى سابق مجدها، وتخليصها ممّا علق بها من شوائب التجديد في الأسلوب والمعنى، وهو أعظم عالِم عربيّ في عصره دون نزاع، غير أنَّ عمله هذا كان اعتباطيّاً، إذ قام على التنكّر لكلّ ما له علاقة بروح العصر"[7].

لم يفكر اليازجيّ بالانفصال عن ماضٍ عريق انتهى أمره إلى متون التاريخ، فكان من المستحيل الأخذ بأساليبه اللغويّة كما هي، إلى ذلك فإنّ الانفصال عن الماضي عمليّة شاقّة لها تبعات نفسيّة وأخلاقيّة لم يكن اليازجيّ مهيّأً لها، فصحّ القول إنّه كان "شيخاً من شيوخ الأدب العربيّ تأخّر به الزمن"[8]، فليس غريباً أن توصف مقاماته بأنّها غير صادرة عن أيّة حقيقة، وإنّما إنشاء وتقليد لا غير، ولا جِدّة فيها ولا صدق، بل هي "تمارين في الفصاحة والبلاغة استوحاها من ناثري العهد المدرسيّ"[9]، فجاءت باردة باهتة اللون لا ابتكار فيها، هدفها محاكاة النماذج العليا الموروثة فحسب.

لم تكن هذه الأحكام خاطئة بحقّ اليازجيّ، فهو نفسه رسم في مقدّمة "مَجمع البحرين" الهدف الامتثاليّ لكتابه الذي اقترن بأمرين متوازيين أراد تحقيقهما: الوظيفة اللغويّة بتقليد أساليب القدماء، إذ أكد أنّه تحرّى في كتابه ما استطاع من "الفوائد والقواعد، والغوارب والشوارد، والأمثال والحِكم والقصص التي يجري بها القلم، ويسعى لها القدم، إلى غير ذلك من نوادر التراكيب، ومحاسن الأساليب، والأسماء التي لا يعثر عليها إلاَّ بعد جهد التنقير والتنقيب"، ثم محاكاة روّاد المقامات إذ اعترف بأنّه جاء متطفلاً على "مقام أهل الأدب من أئمّة العرب، بتلفيق أحاديث تقتصر على شبه مقاماتهم من اللقب". وذلك هو حسب قوله: "ضرب من الفضول، بعد انتشار ما أبرزه أولئك الفحول"[10].

وفي الأمرين كان "اليازجيّ" محاكياً من الدرجة الأولى، ومع أنَّ مقاماته استأثرت بأهميّة بالغة في عصرها؛ لأنَّها كانت بياناً يهدف إلى إحياء التقاليد الكلاسيكيّة للكتابة العربيّة وامتداداً للأساليب الرفيعة في التراث النثريّ القديم، فالمحاكاة هي النموذج الأمثل للإبداع في كلّ تصوّر إحيائيّ، ولكنّ تلك القيمة سرعان ما تلاشت حينما اكتسب الأسلوب المرسل الطلق في الكتابة موقعه الشرعيّ في الرواية والصحافة، وجرت عمليّة واسعة لإعادة تقويم جهود "اليازجيّ"، ليس في ضوء المؤثّرات التي تأثّر بها ونهل منها وحاكاها، إنّما في ضوء المعايير الجديدة التي غزت الكتابة بكلّ أنواعها. فُهمت محاولة "اليازجيّ" بأنّها أشبه ما تكون بعمليّة إحياء لأسلوب محتضر، فقدّمت حلاً مؤقتاً، لكنه غير مسعف لذلك الأسلوب من الانهيار بعد مدة وجيزة. على أنَّ الأمر لم يقتصر عليه، إذ حذا حذوه عدد من كتّاب القرن التاسع عشر منهم: البربير والمنيّر ونيقولا الترك والآلوسي والأحدب وعبد الله فكري، وغيرهم كثير.

جعلت التطورات الثقافيّة، ومنها الأدبيّة، النموذجين اللغويين على مفترق طرق، فالنموذج الأول انفتح على الحاضر والمستقبل، وأخذ بالتفاعل مع الأساليب المستحدثة، فأغناها واغتنى بها، وغذّاها وتغذّى منها، واستجاب لمقتضيات الدنيا والتعبير عن حاجاتها، أمّا الثاني فقد انغلق على معاييره معانداً سُنن التطوّر، واستعار نموذجه الأعلى من الممارسة المدرسيّة المتصلّبة للمحاكاة اللغوية، الذي اقتضته ظروف لها صلة بالفكر البلاغيّ القديم، فذهبت كلّ محاولات تجديده هباءً؛ لأنّها ظلّت تهتدي بتلك المعايير القديمة. أحدهما اندرج في سياق التطوّر الطبيعيّ للغة وألفاظها واستعمالاتها الجديدة، والآخر اعتصم بذاته في محاولة للثبات، استناداً إلى مجموعة من القواعد التي رسّختها تجربة تعبيريّة محدّدة، فوضع نفسه في تحدٍّ مباشر مع الزمن، وكانت النتيجة تقبّل النموذج الأول وشيوعه بعد صقله وتهذيبه، وهجر النموذج الثاني وانحساره، ثم التخلّي عنه في وقت لاحق. وعلى هذا شهد مخاض الأساليب في الأدب العربيّ الحديث صراعاً مريراً وتعسّراً واضحاً طَوال مئة عام بل أكثر، قبل أن يتمّ الأخذ النهائيّ بأسلوب وترك آخر.

رأى "مارون عبود" أنَّ الكتّاب في القرن التاسع عشر كانوا "يحذون حذو كاتبَين، بل ينسجون على طراز كتابين: "مقامات الحريريّ" و"مقدمة ابن خلدون". يمثل الأول الأسلوب الصناعيّ الأجوف المموّه، ويمثل الثاني الأسلوب المحكم. فقصرُ العقول عن البحث حمل فريقاً على اتباع خطى "الحريريّ"، أمّا المفكّرون فكانوا يؤثرون "ابن خلدون" لجريانه مع الطبع وملاءمته لروح العصر، وظل الصراع مستمرّاً حتى انكسر قلم "القاضي الفاضل" و"الحريريّ" في آخر صفحة من كتاب "حديث عيسى بن هشام" للمويلحي و"مجمع البحرين" لليازجيّ و"ليالي سطيح" لحافظ إبراهيم"[11].

ومن المعلوم أن عمليّة انهيار الأساليب كانت مؤلمة وقاسية، ولها في نفوس الأوصياء على الثقافة الرسميّة وقع الكارثة المشؤومة، فاستأثرت لذلك بجدل طويل. على أنّ مسار الحقائق الدنيوية أفضى في نهاية الأمر إلى تقبّل ذلك، بعد أن استوعبت الأساليب الحديثة كثيراً من الشذرات المتخلّفة عن تلك الأساليب القديمة، ومع اختلاف في الدرجة بين النموذجين اللغويّين المفتوح والمغلق. ويمكن القول إنّ الأول تعرّض للتكيّف السهل والمرن في رهان التغييرات الأسلوبيّة، فيما تعرّض النموذج المغلق إلى انهيار عنيف بسب صرامة المعايير والقواعد التي كانت تحكمه، ولم يكن ليتمّ كلّ ذلك دون تأثير مزدوج، وضع الأساليب الموروثة موضع المساءلة في قدرتها التمثيليّة والتعبيريّة، هذا التأثير فرضته من جهة حالة الحراك الثقافيّ المتنامية في القرن التاسع عشر، ومن جهة أخرى حالة التأزّم الكاملة للأساليب نفسها، وبخاصّة الأساليب الكتابيّة المتفاصحة.


* نشر هذا المقال في مجلة يتفكرون، العدد السابع، 2015، التي تصدر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.

[1]ـ إبراهيم السامرائي، التطوّر اللغويّ التاريخيّ، بيروت، ص ص 228-229

[2]ـ العقّاد، مراجعات في الآداب والفنون، بيروت، ص ص 156-157

[3]ـ العقّاد، عيد القلم، بيروت، ص 49

[4]ـ لويس شيخو، تاريخ الآداب العربيّة في القرن التاسع عشر، بيروت، ج2، ص 38

[5]ـ مارون عبود، روّاد النهضة العربيّة، بيروت، ص 66

[6]ـ جورجي زيدان، بناة النهضة العربيّة، بيروت، ص ص 163-164

[7]ـ هاملتون جيب، دراسات في الأدب العربيّ، دمشق، ص 33

[8]ـ م. ن، ص 45

[9]ـ سهيل إدريس، محاضرات عن القصّة في لبنان، بيروت، ص 4

[10]ـ ناصيف اليازجيّ، مجمع البحرين، بيروت، ص 9 و10

[11]ـ مارون عبود، المجموعة الكاملة، بيروت، ص ص 436-437