نقد العقل العربي: إشكالية التعريف


فئة :  مقالات

نقد العقل العربي: إشكالية التعريف

في الجزء الأول من مشروع نقد العقل العربي، يتساءل المفكر المغربي الراحل، محمّد عابد الجابري، عن إمكانية قيام نهضة بغير عقل ناهض، وهو، في الحقيقة، يقصد من وراء هذا التذكير: التنبيه على غياب مشاريع فكرية رائدة في الفكر العربي، الحديث والمعاصر، تتناول بالنقد العقل العربي، وتحاول الكشف عن تلك الآليات البنيوية، التي تحكّمت، ولا تزال، في إنتاج المعرفة، تلك الآليات التي ورثناها عن الماضي، وقد يبدو بداهة: أنّ أيّ مشروع للنهضة العربية، لا بدّ أن يجعل من تعرية جذور التخلف في العقل المسيطر على هذه الثقافة، على رأس قائمة جدول أعماله، ذلك أنّ الاستمرار في الاشتغال الفكري، بنفس الطريقة المعهودة، التي تنتمي إلى ماضي الانحطاط، والاسترسال في التفكير بأساليب تقليدية وعتيقة، لن تسهم إلّا في إعادة إنتاج هذا الواقع الذي نشتكي منه؛ فالعقل، في آخر المطاف، هو: المشرِّع الذي يفرز لنا، تقريبًا، كلّ ما نراه من تجلّيات على أرض الواقع، وسواء كان، هذا الأخير، متقدّمًا أم غارقًا في التخلّف والتراجع؛ فهو، في الحقيقة، ليس إلا انعكاسًا للعقل، ولهذا؛ يقول عابد الجابري، محددًا بشكل تقريبي، التاريخ الذي كان يفترض، أن تنطلق فيه مثل هذه الأعمال الناقدة للبنى اللاشعورية للعقل العربي: "كان من المفروض البدء في هذا المشروع قبل مائة سنة"[1].

وقد يبدو واضحًا، أنّ الجابري يلمّح، هنا، إلى أنّ هذا العمل، كان من الضروري أن يساوق ذلك الانبعاث الإسلامي، الذي حدث من جرّاء ما سمّي بصدمة الحداثة، والاحتكاك بالغرب، الذي أبانت عملية مقارنة، مستبطنة ولاشعورية، عن هوّة عميقة بين الشرق والغرب؛ شرق لايزال يحتفظ بالشرط التاريخي للقرون الوسطى: تفكيره تقليدي قديم، يشكّل الدين، المؤوّل تأويلًا نُكوصيًّا، محورَه الأساسي، في غياب شبه تام للاستقلال العقلي، وبناء اجتماعي قارّ وغير متحرّك، نظرًا إلى ثبات البناء الاقتصادي نفسه، والذي لا يؤدي إلا إلى الإبقاء على السكونية والركود، ونظام سياسي عتيق خالٍ من أيّة مؤسسات تمثيلية، تكون صوتًا صادٍ للشعب، وقبل هذا، وبعده كذلك، الاحتفاظُ بعتاد عسكري، هزيل ومتضعضع، لا يمكن أن يتصدّى البتّة للسلاح الناري المتطوّر، الذي كانت تمتلكه أوربا، والتي كانت، بالإضافة إلى ذلك، تعيش رخاءً اقتصاديًّا، وتغلغلًا واضحًا، في صفوف الطبقات الشعبية لمنظومة حقوق الإنسان، ومفاهيم الحداثة بشكل عامّ، في رؤيتها إلى السياسة، والدين، والطبيعة، والتاريخ، والفن، ..إلخ[2].

لا شيء من ذلك قد تحقّق؛ لهذا سيشعر الجابري في مشروعه، أنّه يضع تلك اللبنة الأولى، من غير الاستناد على أيّ أساس سابق، ونرى هنا، قبل الانخراط في مشروع الجابري للحفر في تاريخ العقليات؛ أن ننطلق، كخطوة أولية، من تحديد الخطوط العريضة لفكره، حتى نشكّل لنا رؤية شمولية عن المشروع في مجمله، وتكون لنا رؤية من عَلٍ؛ فيسهل علينا التموقع داخل الدروب المتشعبة لمشروعه، فنقد العقل العربي، كعمل أساسي، وبؤرة مركزية في إنتاجه فعلًا، على ضخامته، حجمًا وكمًّا، وغناه عدة معرفية، من حيث استيحاؤه لمختلف مناهج العلوم الإنسانية المعاصرة، هو جزء من كلّ؛ إنّه مشروع يرتبط بما قبل، وما بعد، وينسج في ترابط وتلاحم، غير قابل للانفصال، خيوط مشروع متكامل.

إذن، ورغم عدم إعارته للأهمية التي يستحقها، سنقول: إنّ مشروع عابد الجابري، في الحقيقة، قد عبّر عن نفسه، من أوّل مؤلف اشتهر به الناقد في الساحة الثقافية العربية، ولعل ما يذكره الجابري، كما سنرى، كخلاصة للجزء الأول من نقد العقل العربي، هو ما أوحى إليه، قبل ذلك التاريخ بغير قليل؛ الاهتمام بفلسفة العلوم، إنه كتابه "مدخل إلى فلسفة العلوم" بجزأيْه، صحيح أنه كتاب مستقل؛ بل وألّفه في سياق أكاديمي، على اعتبار أنه كان أستاذًا للإبستيمولوجيا في الجامعة، لكنه، من البداية، يكشف عن طبيعة اهتمامات الأستاذ، والهواجس التي كانت تسيطر على فكره؛ إنه التوق والطموح لتدشين لَبِنَة أساس، لانخراط العقل العربي في الإشكالات العلمية، وتطعيمه بآخر المفاهيم التي أنتجها الفكر المعاصر في حقل العلوم التجريبية، ولا يخفى؛ أنّ هذا الاختيار لم يكن اعتباطيًّا، إنّ نزوعه هذا، تحدّد بما يتّسم به العقل العربي من استغراق في القضايا الميتافيزيقية، إنّها، إذن، رغبته في إحداث قطيعة معرفية مع المرحلة اللاهوتية والميتافيزيقية، إن صحت استعارتنا لمفاهيم المدرسة الوضعية، التي هيمنت، منذ "عصر التدوين" على تصوّراته وانشغالاته، ومع أنّ إبداع مفهوم "العقل العربي"، الذي يحتكر الجابري براءة اختراعه، يرجع إلى الثمانينيات؛ فإنّ مما يدل على أنّ ذات الهمّ، كان حاضرًا في السبعينات؛ أي قبل حتى أن تتخمّر في ذهنه عجينة مشروع نقد العقل العربي، قول المؤلف: "ونحن في الوطن العربي، ما زلنا متخلّفين عن ركب الفكر العلمي، تقنيةً وتفكيرًا، وما زالت الدراسات الفلسفية، عندنا، منشغلة بالآراء الميتافيزيقية، أكثر من اهتمامها بقضايا العلم والمعرفة والتكنولوجيا، الشيء الذي انعكست آثاره على جامعاتنا ومناخنا الثقافي العام، هذا في وقت نحن، في أحوج ما نكون، إلى تحديث العقل العربي، وتجديد الذهنية العربية"[3].

أمّا من حيث مسار المشروع الفكري؛ فهو يتوزّع بين مؤلفات، تمهّد للمشروع، وهي في غاية الأهمية، رغم طابعها التأسيسي، وذلك من حيث بنائها، وكذا، من جهة أنّها تحمل داخل أحشائها إرهاصات نتائج مشروعه التطبيقي؛ فهي ذات نَفَس منهجيّ، تنتقد جملة المناهج التي وظّفت من قبل التيارات الفكرية، السائدة في الساحة الثقافية العربية، وتبشّر بمنهج بديل في كتابه "نحن والتراث"، و"الخطاب العربي المعاصر"[4]، ثمّ تلا هذه المؤلفات التمهيدية، ذات المسحة المنهجية التبشيرية، تطبيقًا فعليًّا لمنهجه البديل في "نقد العقل العربي"، بأجزائه الأربعة: "تكوين العقل العربي"، و"بنية العقل العربي"، و"العقل السياسي العربي"، ثم يختم هذه الملحمة النقدية، بكتاب عن منظومة القيم في الثقافة العربية "العقل الأخلاقي العربي".

وقد كان يحدو الجابري، وهو يختم مشروعه هذا، أمل الانفتاح على الثقافة الغربية، بشكل مركّز، وتدشين صفحة نقدية أخرى، وهذه المرة للعقل الأوروبي، غير أنّ أحداث 11 أيلول، غير المتوقّعة، التي فتحت صفحة من الصراع بين أوروبا، وما سُمّي الإرهاب؛ الذي ينهل من موروث ثقافي، وديني متطرّف، ستقوده لحقل معرفي آخر، وستوجّه اهتمامه اهتمامًا آخر، وهي الدراسات القرآنية، إنها عودة إلى النص التأسيسي، الذي انبثق عنه هذا التراث الفكري العريض؛ فأصدر كتابًا بعنوان "مدخل إلى القرآن الكريم"، عمل فيه على إعادة مقاربة "المحيط القرآني"، وهو جملة الأسئلة المرتبطة بالتشكل التاريخي للقرآن، وهذا بتنزيل تلك الأسئلة من سماء الميتافيزيقا إلى أرض التاريخ[5].

وهذا التصنيف الذي اقترحناه، هنا، هو أنموذج، فقط، من بين نماذج تصنيفية أخرى؛ فقد قدم باحث آخر تصنيفًا آخر، حول الإنتاج الفكري لمحمد عابد الجابري؛ بتقسيمه إلى أعمال تخص مجال التراث، ومؤلفات حول الفكر العلمي المعاصر، ثم كتب مخصّصة للشأن المحلّي في المغرب[6]، ولا شكّ أنّ هذا الموضوع، لا يحترم السياق الزمني؛ بل يخلّ به، وكذلك، لا يعير أهمية إلى السيرورة والصيرورة التي آلت إليه أعماله.

أ. تعريف العقل العربي:

لم يكن عابد الجابري، كما اعترف في غير ما موضع، على وعي منذ البداية بالمسارات التي سيتّخذها مشروعه[7]، لا نعني، هنا، مشروعه في شموليته؛ وإنّما مشروعه في "نقد العقل العربي"، بأجزائه الأربعة؛ فعابد الجابري كان، في البداية، عازمًا على إصدار كتاب واحد؛ هو نقد العقل العربي، غير أن مزاوجته بين المنهجين، التاريخي والبنيوي، قد آلت به إلى تقسيم المشروع إلى قسمين، وهما، كما يقول: "جزء يتناول تكوين العقل العربي، وجزء يتناول بنية العقل العربي، الأول: يهيمن عليه التحليل التكويني، والثاني: يسود فيه التحليل البنيوي"[8]، وهكذا؛ فهو لم يكن قد خطّط، من البداية، للتطرّق إلى موضوع "العقل السياسي العربي"، بمحدّداته وتجلياته؛ بل كان للصدفة كلمتها في ذلك، وإن كان هذا الاستتباع للنظري بالعملي، غير مجهول لدى الجابري؛ فالفلسفة في الماضي، كانت تتناول شقًّا نظريًّا، وشقًّا عمليًّا، تشكّل السياسة أحد فروعها، والأخلاق: هي الفرع الآخر، من هنا؛ نفهم ختم مشروعه بـ "العقل الأخلاقي العربي".

ونحن نذكّر بهذا؛ كي نضع نصب أعيننا ما سنعرّفه هنا، إنّه العقل العربي، كعقل نظري لا عملي، والحال؛ أنّ هذا التوضيح لا يقدم ولا يؤخر شيئًا، رغم ذلك؛ فقولنا: إن ما سنقاربه، هنا، هو العقل النظري، لا يجلّي شيئًا؛ لأنّ طبيعة المقاربات تختلف باختلاف المنهج الموظَّف، أو ربما، وقبل ذلك، باختلاف الحضارة التي ينتمي إليها الباحث؛ فقد سادت، في القرن التاسع عشر، تعريفات ماهوية حَدِّيّة للعقل، تنظر إليه كمعطى مسبق فطري يولد مع الإنسان، كقدر محتّم لا يستطيع الإنسان المنتمي إليه الانفكاك من أسره، ودوننا شاهدًا على ذلك: رؤية المستشرق الفرنسي، إرنست رينان: الذي يقسّم العقول إلى قسمين؛ عقل آريٍّ، وعقل ساميٍّ، وإذا كان الأول يتّسم بنبوغ فلسفي؛ أي أنه خصب، من حيث أهليته للتفلسف، وإبداع أفكار مجرّدة وجديدة؛ فإن العقل السامي يتسم بالعقم، يقول، إرنست رينان، موضّحا رأيه الذي طبع القرن التاسع عشر، عمومًا: "ما يكون لنا أن نلتمس، عند الجنس السامي، دروسًا فلسفية، ومن عجائب القدر: أنّ هذا الجنس؛ الذي استطاع أن يطبع ما ابتدعه من الأديان، بطابع القوة في أسمى درجاتها، لم يثمر أدنى بحث فلسفي خاص، وما كانت الفلسفة، قط، عند الساميين، إلا اقتباسًا صرفًا جديبًا، وتقليدًا للفلسفة اليونانية"[9].

والجابري، عمومًا، لم يلتفت إلى هذه القراءات العنصرية، التي تنهل من معين "المركزية الأوربية"، وإن كان انتقد منهجها الفيلولوجي في بعض مؤلفاته، والذي يقوم على رد الفروع إلى أصولها الغربية؛ أي ردّ كل فكرة فلسفية قال بها فيلسوف عربي، إلى المصدر الغربي الذي اقتبسه منه، يقول عابد الجابري: "إن المنهج الفيلولوجي؛ الذي نشط أصحابه نشاطًا كبيراً في النصف الثاني من القرن الماضي، في مجال تحقيق النصوص، ونقدها، والكشف عما كان مغمورًا منها، سواء النصوص اليونانية واللاتينية أو غيرها، مما كانت نتيجته؛ ظهور معطيات جديدة، تفرض تعديل الرؤى الشمولية، أو التخلّي عنها نهائيًّا، وتبنّي النظرة الفيلولوجية التجزيئية؛ التي تجتهد في ردّ كل فكرة إلى أصل سابق، إنّ هذا المنهج، لم يكن هو الآخر يبحث عن أصول للنظريات الفلسفية الأوربية، خارج إطار المركزية الأوربية"[10]، ثم يخلص إلى أنّ "المجال الوحيد؛ الذي كان يبحث فيه الفيلولوجيّون، عن أصول الأفكار التي يقول بها فلاسفة أوربا: هو المجال الأوربي ذاته، ولم يحدث، قط، أن اعترفوا بأصل غير أوربي، لأية فلسفة أو فكرة، قال بها فيلسوف أوربي"[11]، تلك هي الهواجس، التي تقف وراء هذا النفي لأهلية العقل السامي للتفلسف والإبداع الفكري، إنه يندرج تحت الإيديولوجيا؛ إيديولوجية المركزية الأوربية، وتضخم الأنا الغربي؛ الذي استطاع أن يبسط سيطرته، ويبرهن على تفوّقه على باقي العالم.

لكنّه، في المقابل، يعلن من البداية: أنه سيلتزم آخر التصوّرات العلمية لمفهوم العقل، وهي تصورات لا تعترف باختلاف العقول، حسب تباين الانتماء الإثني؛ بل حسب الموضوع الذي يحاول هذا العقل إخضاعه لمقولاته وقوالبه، وهذا ما يفسّر، بالذات، ارتضاء ناقد العقل العربي للمنهج الإبستمولوجي؛ فكما هو معلوم، الوقوف على أرضية إبستمولوجية، تعني، منذ البداية؛ أنّ ما سيشرّحه الجابري بأدواته المنهجية، ليس الإيديولوجيا؛ أي جملة المضامين المعرفية والأفكار التي أبدعها هذا العقل؛ إنما آليات اشتغاله اللاشعورية، ولعل هذا المعطى (البحث في طبقات اللاشعور)؛ هو الذي يبرر، ويضفي شرعية اعتبارنا لمساهمة الجابري مندرجة تحت "تاريخ العقليات"، فكما يقول فيليب أرياس في دراسته المعنونة: "تاريخ الذهنيات"؛ المنشور في الكتاب الجماعي "التاريخ الجديد": "إنّ تاريخ الذهنيات، يسمح لنا باكتشاف ما هو مترسّب، وخفيّ، وغير واعٍ في ثقافتنا اليوم"[12].

الفارق الذي يمكن رصده بين مقاربة الجابري، ومقاربة المدرسة الحولياتية (Les Annales)، هو: أنّ الجابري، يختار بوعي تسليط الضوء على الثقافة العالمة؛ أي تلك التي أنتجها العلماء، وليس الثقافة الشعبية؛ لهذا، كان يرى أن دراسته هادفة، وليست مجرد فضول، وهي، في الحقيقة، تستبطن، أن العالم: هو الذي يؤثر في مجرى التاريخ ويصنعه، لا الإنسان العامي، ومادامت القضية المركزية، في فكر الجابري، هي: (قضية النهضة)؛ فقد توجه بالتشريح والنقد للثقافة العالمة، دون سواها، يقول: "لابد من الإشارة، إلى أننا اخترنا، بوعي، التعامل مع الثقافة العالمة فقط، فتركنا جانبًا الثقافة الشعبية؛ من أمثال، وقصص، وخرافات، وأساطير"[13]، وتعقيبًا على قولته هذه، نرى أن نفصّل فيها بعض التفصيل، صحيح أنّ الجابري أعرض، إلى حد بعيد، عن "الأنثربولوجيا" و"الميثولوجيا" في الجزأيْن الأوّل والثاني من نقد العقل العربي، واقتصر على الثقافة العالِمة، أمّا في باقي الأجزاء حول السياسة والأخلاق؛ فإننا نقطع أن الجابري، قد أورد منظومات فكرية، وظفت، في السياسة، هي من جنس الأساطير؛ بل يكفي الإشارة، إلى أنه عنون فصلًا في كتابه "العقل السياسي العربي"؛ بـ "ميثولوجيا الإمامة"، وهي ميثولوجيا، وظفتها الفرقة الإسلامية المعارضة المسماة "الشيعة"، ما يعني؛ أنه لم يعرض البتّة عن "الأساطير"، ولكننا قد "نصفح" عن ناقد العقل العربي؛ لأنه، كما أشرنا سالفًا، لم يخطط للعقل السياسي والأخلاقي العربيين.

لنعد إلى تعريف العقل العربي؛ إنّ الجابري يتدرّج في تعريفه للعقل العربي، وذلك من العام إلى الخاص؛ فهو يقدّم أكثر من تعريف، لا تناقض فيما بينها، إلّا أنه كلما أورد تفاصيل جديدة، يستعيرها من الفكر العلمي المعاصر، دقّق أكثر في مقصوده من "العقل العربي"؛ ففي البدء يصرّح: إنه لم يستعمل كلمة "فكر عربي"، وإنما استعاض عنها بكلمة "عقل"؛ لأن كلمة عقل، تحيل، في المعنى المتداول، على المضامين المعرفية، والقيم الأخلاقية، بينما المنهج الإبستمولوجي، الذي التزم بتوظيفه، يعرض صفحًا عن الأفكار، إنه العقل كأداة للإنتاج النظري، وهكذا، واستنادًا إلى هذه الملاحظة الأولية، يقول، في تعريفه التمهيدي للعقل العربي: "إنه ليس شيئًا آخر، غير الفكر، بوصفه: أداة للإنتاج النظري، صنعتها ثقافة معينة، لها خصوصيتها، هي؛ الثقافة العربية بالذات، الثقافة التي تحمل معها تاريخ العرب الحضاري، وتعكس واقعهم، أو تعبّر عنه وعن طموحاتهم المستقبلية، وكما تحمل، وتعكس، وتعبّر، في ذات الوقت، عن عوائق تقدّمهم، وأسباب تخلفهم الراهن"[14].

إذا كان مفهوم التكوين، الذي هو عنوان الكتاب، يشير إلى نوع من السيرورة في الزمان؛ أي، بالطبع، إلى التاريخ؛ فإنّ هذا التعريف، يؤكد هذا الطابع التاريخي لمقاربته؛ فهذا العقل ليس شيئا آخر غير الثقافة، التي تحمل معها تاريخ العرب الحضاري، ليس هذا فحسب؛ بل إن الانكباب على الموضوع، هو، في حد ذاته، إملاء تاريخي بحت، وهو واقع التخلف الراهن الذي يتمرّغ فيه العالم العربي الإسلامي، ومن هنا، لنا أن نقول: إنّ مقاربة الجابري، لن تكون متعالية على التاريخ، كما هو حال معظم الأبحاث التي ينجزها الباحثون في الفلسفة، والتي تحمل، ما يمكن تسميته، "فوبيا التاريخ"؛ وإنما هي دراسة تاريخية، وسنلحظ أن الجابري يقف، فعلًا، عند محطات تاريخية كثيرة، لعبت دورًا رائدًا في بلورة الثقافة العربية على ما هي عليها، ويحلل ملابساتها التاريخية، والظروف التي أحاطت بها.

وكما أشرنا سالفًا، لا يقف الجابري عند هذا التعريف؛ بل يتقدم خطوة إلى الأمام، مميزًا في الأداة نفسها، بين المحتوى والفاعلية؛ فكون الأداة وسيلة، لا يستلزم أن تكون خالية من أي محتوى، ومن هنا؛ فكون العقل أداة للتفكير، لا يعني أنه، هو نفسه، ليس فكرًا، وبعبارة أخرى؛ قواعد ومنظومات يستلهمها بطريقة لا شعورية في تفكيره، وفي إنتاجه للمعرفة، وهنا؛ ينفتح الجابري على الفكر الفلسفي المعاصر، وبالأخصّ، على الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند، فيستعير منه تمييزه بين العقل المُكوِّن والعقل المكوَّن؛ فالأول: يحيل على مَلَكة التفكير، التي هي واحدة موحدة عند جميع الناس. أما "العقل المكوَّن": فهو ذو طابع ظرفي تاريخي، يتغير تبعًا لتطور الفكر الإنساني في حد ذاته، ومختلف المستجدات الطارئة في العقل العلمي، بحقوله المختلفة، إنه "منظومة القواعد المقررة والمقبولة في فترة تاريخية ما، والتي تعطي لها، خلال تلك الفترة، قيمة مطلقة"[15]، إذن، وكما يتضح مما سلف؛ ما سيكشف عنه الجابري، في مقاربته الإبستمولوجية: هو "العقل المكوَّن"، وهكذا؛ فالتعريف الثاني، هو: "أن العقل العربي، هو العقل المكوَّن؛ أي جملة المبادئ والقواعد، التي تقدمها الثقافة العربية للمنتمين إليها، كأساس لاكتساب المعرفة، أو لنقل تفرضها كنظام معرفي"[16]، ولكن قد يعترضنا، هنا، سؤال؛ إذا كان العقل لا علاقة له بالانتماء الإثني، هكذا بشكل مطلق، فما الذي يحدد هنا "العقل المكوَّن"؟

إنّ الجابري يجيب عن هذا السؤال، بالاستناد على آخر الدراسات الإبستمولوجية التي تقدم، في الحقيقة، العصارة الفلسفية للفكر العلمي، وما توصل إليه من نتائج؛ إنه، من خلال مسح تاريخي، سيتضح أن نظرتنا إلى العقل، في كل عصر تحكمها طبيعة الموضوع، الذي فحصه هذا العقل، فعلى سبيل التمثيل؛ إذا كان علم المنطق في الماضي، حسب التعريف الشائع، هو: "مجموعة من القواعد، تعصم العقل من الوقوع في الخطأ"، وبالتالي؛ فهو ينزع نحو ما هو يقيني ومطلق؛ فلأنّه كان يدرس مجموعة ظواهر، فعلًا، تتسم بالإطلاق والشمولية، أمّا عندما اكتشف العلم المعاصر، العالم الميكروي الصغير جدًّا (الذرّة)، تبيّن: أنّ مقولاته السالفة، العقلية والمنطقية، غير مجدية ولا هي مطّردة، ومن هنا؛ سيقرّ بتعدد المنظومات العقلية، التي تستمد ماهيتها من الموضوع الذي تدرسه وتفحصه؛ فعلى سبيل المثال: الانزياح من المطلق إلى النسبي، والإعلاء من شأن النسبية في الفكر المعاصر، لم يكن تشهيًا، أو اختيارًا فكريًّا عشوائيًّا، وإنما اقتناع ترسّخ من ظهور حقائق علمية جديدة؛ كاكتشاف أنّ البعد الزماني، ليس مطلقًا، كما كان يُعتقد في الأوساط العلمية، بتأثير من نظريات نيوتن في الفيزياء؛ وإنما، هو الآخر، نسبي متغير.

إن هذا النقاش العلمي، يقودنا إلى الاعتراف، بأن العقل تابع للمنظومة الفكرية التي ينتمي إليها، والتي يحددها التطور العلمي والحضاري للإنسانية، ليس غريبًا، إذن، أن يعرّف الجابري العقل العربي، بناء على هذه التمهيدات المنهجية، بأنه: "جملة من القواعد، مستخلصة من موضوع ما"[17].

غير أنّ الإقرار بوجود عقل عربي، يتضمّن، استلزامًا، وجود عقول أخرى، تتميز عنه وتختلف، من حيث أسسها وقواعدها، عن عقول أخرى، وقد وقع اختيار الجابري، اتكاءً على قاعدة "الأشياء بضدها تتميز"، المقارنة بين العقل العربي من جهة، والعقل اليوناني الأوربي من جهة أخرى، والذي يبرر هذا الاختيار، حسب ناقد العقل العربي، هو: أنّ هذه الثقافات، اتسمت بخصوصية معرفية، مقارنة بحضارات أخرى؛ فالعقل في هاتين الحضارتين، لم يكتف بممارسة نشاط فكري، من خلال تأمل الطبيعة والظواهر الكونية، أو بالتطرق للإشكالات الماورائية؛ بل إنه تجاوز ذلك إلى التفكير في نفسه، والتفكير في العقل، درجة من العقلانية أعلى من التفكير بالعقل. أما بشأن الحضارات السابقة؛ فإنّ الجابري، يرى أن التفكير بالعقل، لم يكن تقليدًا شائعًا، بقدر ما كانت البنية الذهنية لتلك الحضارات سحرية، يحتل فيها السحر مكانة مركزية، يقول الجابري، موضحًا هذه الخطوة المنهجية: "اختيار العقل العربي، واليوناني، والأوربي، يجد مشروعيته، في أن هذه العقول الثلاثة وحدها، قد مارست الفعالية، العقلية والعلمية، منفصلة عن الأسطورة والخرافة، ومتحررة، إلى حد كبير، من الرؤية الإحيائية التي تتعامل مع أشياء الطبيعة كأشياء حية"[18].

التفكير في العقل؛ درجة من المعقولية، أرقى من التفكير بالعقل، ليكن ذلك[19]، ولنمض خطوة إلى الأمام، مع صاحب "نقد العقل العربي"، ونتساءل: ما الذي يميز العقل العربي عن العقل اليوناني؟

من خلال مسح تاريخي سريع، ومتسم بكثير من الاضطراب، كذلك، للفلسفتين اليونانية والأوربية، استنبط الجابري ثابتين لهذا العقل، ظلّا كما هما في كل الحقب، ولا بد من الإشارة إلى أنه استند في تحديد طبيعة النظام المعرفي لهذا العقل، على قاعدة قررها فيلسوف العلم "كوسدورف"، وفحواها: أن كل نظام ثقافي، يتحدد من خلال العلاقات التي ينسجها بين محددات ثلاثة: الله، والعالم، والإنسان، وهكذا، وحسب الجابري؛ فدائمًا تطفو ثنائية حداها: الإنسان والعالم، بينما يغيب الحد الثالث غيابًا شبه تام، وهو لا يحضر إلا كضرورة علمية ومنطقية مكملة؛ فالله يتم استحضاره في هذا النسق الفلسفي، ليضفي مصداقية على هذه الثنائية نفسها، بمعنى آخر؛ أن الله هو الذي يقدّم مشروعية للإنسان، التائق والمتطلع، لمعرفة الطبيعة، والكشف عن أغوارها وخباياها، يشرح الجابري ذلك، فيقول: "نجد، في جميع الأحوال، داخل الثقافة اليونانية: الطبيعة، أولًا، بوصفها معطى ابتدائيًّا غير منظم ولا متميز، ثم تتدخل قوة أخرى، تسمى؛ العقل، وتعمل على إشاعة النظام في الطبيعة، وبالتالي؛ دفع عجلة التكون والتطور"[20]، ومن هنا؛ فالثابتان اللذان تحكما في الذهنية الغربية، هما:

1. اعتبار العلاقة بين العقل والطبيعة علاقة مباشرة من جهة.

2. الإيمان بقدرة العقل على تفسيرها، والكشف عن أسرارها من جهة أخرى.

ولنقل في استطراد، قد يكون سابقًا لأوانه: إنّ الجابري يقع في تناقض غير مشفوع، حين يورد اسم "مالبرانش" في قائمة الفلاسفة الغربيين، الذين ساهموا في حفظ استمرارية مطابقة قواعد العقل لقوانين الطبيعة؛ فالجابري الذي يعزو لأبي حامد الغزالي، دورًا كبيرًا في نزيف العقل العربي وانحطاطه، بسبب إنكاره لبعض البديهيات العقلية، مثل؛ السببية التي لا قوام للعلم بدونها؛ إذ إن العلم، في آخر المطاف، ليس إلا معرفة الأسباب الكامنة وراء الظواهر، لا يستقصي استقصاء تامًا كتابات مالبرانش هذا. وبيت القصيد، هنا، كما يلحظ أحد نقّاد الجابري، من خلال عدّة شواهد ناطقة بدلالتها: أنّ مالبرانش كان مع المعتقد الأشعري، تمامًا، في إنكار قانون السببية، يقول: "إن مالبرانش؛ المعطى له عماد الفلسفة الحديثة في أوربا، لم ينف السببية فحسب؛ بل نفاها بالمطلق نفسه، وبالأدلة نفسها، وأحيانًا، بالأمثلة نفسها، التي نفاها بها الغزالي"[21].

لنعد ونقول: إذا كانت فكرة الله، شبه غائبة في الفلسفة اليونانية الأوربية، في مقابل حضور الإنسان والطبيعة؛ فإنه في العقل العربي، تحتل الطبيعة المكانة التي يحتلها الله في النسق الأوربي- اليوناني، وأنها تتنزل منزلتها؛ فكما أن الله؛ هو الذي يقدم المشروعية للعقل الغربي، لكشف أغوار الطبيعة، بمعنى آخر: هو وساطة؛ فإنّ الطبيعة هي الوساطة، التي يعبر عبرها العقل العربي للوصول إلى الله، يشرح الجابري هذه الفكرة، قائلًا: "يمكن القول: إن الدور الذي تقوم به فكرة الله في الفكر اليوناني- الأوربي، تقوم به الطبيعة في الفكر العربي، دور الوسيط أو القنطرة"[22]، والحال؛ أنه إذا كان العقل الأوربي ذو المنزع الطبيعي، يعمل على اكتشاف الظواهر الطبيعية، واستخراج العلل المسببة فيها، في أفق السيطرة على الطبيعة، وذاك ما سيكون جوهرًا لمشروع الحداثة لاحقًا؛ أي نزع الطابع السحري على الطبيعة، وتذليلها لصالح الإنسان؛ فإن المسار الذي اختطه العقل العربي لنفسه، حين جعل محوري العلاقة فيها بين الإنسان والله، هو مسار يؤدي إلى بناء معرفة معيارية- أخلاقية، تحاول التمييز في الأشياء بين الخير والشر، وكما يقول عابد الجابري: "مهمة العقل ووظيفته؛ بل وعلاقة وجوده، هي حمل صاحبه على السلوك الحسن، ومنعه من إتيان القبائح"[23].


[1] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي (نقد العقل العربي 1)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 10، 2009م، ص 5.

[2] يشير الأستاذ حبيدة إلى أنّ السلاح الناري، كان أحد عوامل القوة لأوربا؛ يقول معدّدًا جملة الأسباب التي ساهمت في تقدم الغرب: "إن الانفتاح على العالم، بفضل الكشوفات الجغرافية، وما رافقها من تحكم في خيرات العالم، ورواج التجارة والنقود على المستوى الكوني، واختراع تقنيات جديدة؛ كالكرافيلا، والمطبعة، والسلاح الناري، ومساءلة التقاليد الموروثة عن الفيودالية، والإصرار على تغييرها بمفاهيم جديدة؛ إنسانوية وبروتسانتية، تنبني على استخدام العقل وحرية الفرد، كلها تطورات حاسمة، منحت لرجال أوربا قدرات هائلة، مكنتهم من فرض وجودهم على العالم في العصر الحديث". محمد حبيدة، تاريخ أوربا؛ من الفيودالية إلى الأنوار، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2010م، ص ص 81- 82.

[3] محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998م، ص 11.

[4] في تصنيفه للتيارات الفكرية العربية؛ قسّم الجابري الفسيفساء الإيديولوجي إلى ثلاثة: دينية، وليبرالية استشراقية، وماركسية (أعرض عن التيار "القومي"، كما ذكر في أحد أعداد سلسلة "مواقف"، خشية من ردود الفعل السياسية)، إن هذه القراءات، في نظر الجابري؛ كلها سلفية، رغم أن بعضها ينفي، نفيًا قاطعًا، أن يكون سلفيًا في تفكيره؛ إذ إنها، على مستوى الفعل العقلي، تنطلق من أساس واحد؛ فهي: "مؤسسة على طريقة واحدة في التفكير، الطريقة التي أسماها الباحثون العرب القدامى، بـ: (قياس الغائب على الشاهد)"، وتقع في آفتين: غياب الموضوعية، وغياب الرؤية التاريخية (اللاتاريخية)، لذلك؛ فهو يقدم منهجًا بديلًا، يحاول من خلاله تجاوز الآفتين المذكورتين، وقوامه على ثلاث خطوات متكاملة ومتداخلة؛ الخطوة الأولى: المعالجة البنيوية، وهي تحول دون ذوبان الذات في الموضوع، ونيابتها في فهم المقروء، والمعالجة البنيوية؛ تطمح لمحورة فكر ما حول إشكالية معينة، تكون قادرة على احتواء كل المتغيرات، واستيعاب كل التحولات الفكرية لصاحب الفكر، خطوة تقترب بنا من ملامسة الموضوعية، وتمنع من تقويل المفكر، المنتمي إلى حقبة ماضية، ما لم يقله، أو ما لم يكن يقصد قوله، هكذا نجعل التراث معاصرا لنا، على مستوى الفهم والمعقولية، وليس مجرد أشلاء متناثرة، لا ينتظمها خيط جامع، وهي محاولة لبناء نسق فكري متناغم، وإضفاء شيء من الترتيب عليه. وهذا يعبّد الطريق لاستشراف الخطوة الثانية، وهي: التحليل التاريخي؛ فهذه الخطوة تسعى إلى ربط الفكر بواقعه، وبمجاله التاريخي، بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولا يخفى ما قد يكون لهذه الخطوة من فضل على تمحيص المعالجة بنيوية، كما أنها، إذ تربط الفكر بتاريخه؛ فهي تنتشل الفكر من الهبوط في مهاوي "اللاتاريخية"، وتعصم من الوقوع في هذه الآفة، التي يئن تحتها الفكر العربي عمومًا. ثم الخطوة الأخيرة، وهي: الطرح الإيديولوجي، ويعني به؛ إجلاء الأدوار التي قام بها فكر ما في الماضي، القضايا الإيديولوجية التي نافح وناضل لأجلها، ما يعني؛ أن نحجز ذلك الفكر، ليظل حبيس تاريخه، الذي كان مؤثرًا وفاعلًا فيه، وصانعًا له كذلك، أما أن نمدده ليمارس سلطته علينا، دون أن يكون لها ما يقتضيها؛ فهذا غير موضوعي ولا تاريخي.

انظر: المقدمة المنهجية التي أسماها: "مدخل عام: نحن والتراث"، في محمد عابد الجابري، نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1993م، ص ص 15- 55.

[5] انظر: محمد عابد الجابري، مدخل إلى القرآن الكريم: في التعريف بالقرآن، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2013م.

[6] محمد الشيخ، محمد عابد الجابري، مسارات مفكّر عربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011م، ص ص 13- 14.

[7] يقول محمد الشيخ: "رفض الجابري، مرّات كثيرة، الحديث عن ضرب من التخطيط المسبق، الذي وجه أعماله، وذلك تلقاء اعترافه بالطابع الصدفي؛ الذي حكم بعض ما صار ثابتًا من ثوابت فكره".

نفس المرجع، ص 12.

[8] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص 6.

[9] إرنست رينان، ابن رشد والرشدية، ترجمة: عادل زعير، مكتبة الثقافة الدينية، 2008م، ص 10.

ويضيف: "إن الشرق السامي والقرون الوسطى، مدينان لليونان، بكل ما عندهما من الفلسفة؛ ولذا، فإذا ما دار الأمر حول اختيار حجة فلسفية لنا في الماضي، كان لليونانية، وحدها، حق إلقاء دروس علينا"، ص 11.

وكما يرى الشيخ مصطفى عبد الرازق؛ فرينان تناقض نوعًا ما، إنه ينكر أن يكون العرب قد أبدعوا فلسفة عربية، لكنه، في المقابل، يقول ما معناه: أن الفلسفة الإسلامية الحقيقية، نلقاها في علم الكلام. انظر: مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2007م، ص 15.

[10] محمد عابد الجابري، الحداثة والتراث: دراسات ومناقشات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006م، ص 77.

[11] الجابري، التراث والحداثة، ص 77.

[12] فيليب أرياس، تاريخ الذهنيات، في كتاب جماعي بعنوان "التاريخ الجديد"، بإشراف: جاك لوغوف، ترجمة: محمد الطاهر المنصوري، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007م، ص 310.

[13] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص 7.

[14] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص ص 13- 14.

[15] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص 15.

[16] نفسه، ص 15.

[17] نفسه، ص 25.

[18] نفسه، ص 17.

[19] يرى طرابيشي، في كتابه "نظرية العقل": أنّ التفكير في العقل، كان على درجة من المعقولية أرقى في الماضي، أما في الفكر المعاصر؛ فالتفكير في العقل، بذات المقاربة السائدة في القرون الوسطى، والموروثة عن فلسفة أرسطو: هي ميتافيزيقا متجاوزة وغير مجدية.

[20] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 20.

[21] جورج طرابيشي، نظرية العقل، دار الساقي، بيروت، 2011م، ص 201.

[22] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 29.

[23] نفسه، ص 30.