هرمينوطيقا الفنون الأدائية عند هانس جورج غادامير


فئة :  أبحاث محكمة

هرمينوطيقا الفنون الأدائية عند هانس جورج غادامير

هرمينوطيقا الفنون الأدائية عند هانس جورج غادامير

الملخص:

نسعى من خلال هذه المحاولة البحثية إلى استحضار المقاربة الهرمينوطيقية من أجل فهم الأعمال الفنية؛ بمعنى الكشف عن وجه الجِدّة في هرمينوطيقا هانس جورج غادامير، والذي يظهر في كونها لم تكتفِ بالشق النظري، بل إنها انتقلت إلى الشق العملي، حيث استطاعت الاشتغال على بعض الأعمال الفنية التي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع، وهي على التوالي: الفنون التشكيلية، والفنون الأدبية، والفنون الأدائية هذه الأخيرة هي التي ستشكل موضوع هذه الورقة البحثية.

يتناول غادامير الفنون الأدائية باتخاذ المسرح نموذج مناسب للاشتغال؛ وذلك راجعٌ إلى عامِل أساسي وهو أن هذا النوع من الفنون يعتمد على خاصية العرض أمام الجمهور، وهنا يعود إلى التراجيديا في البيئة اليونانية لكي يوضح، كيف تعمل على إدماج الجمهور في العرض التراجيدي من خلال عملية التطهير التي يقوم بها لنفسية المتلقي بإثارة عاطفتيْ الخوف والشفقة لديه؛ لأن المأساة تعكس الواقع الذي يعيش فيه المتلقي، وهو الأمر الذي نجده حاضراً في الاحتفال أيضا، الذي ينتمي هو الآخر إلى البيئة الإغريقية، ويعمل على دمج الجمهور فيه؛ لأنه يتضمن نشاطاً قصدياً يسعى إلى تبليغه لنا، ويتميز بزمانيته الخاصة التي تتجاوز الزمان العادي. ولعل هذه الأمور هي التي ينبغي الاعتماد عليها في المسرح المعاصر من أجل تجاوز أزمة الفن أو ما يسمى بالوعي الجمالي، حيث يقترح علينا ثلاث نقاط ينبغي أن يتسم بها المسرح في اللحظة الآنية، وهي: أولاً خاصية العرض، ثانيا عنصر المشاركة، وأخبراً خاصية المُعاصرة.

تقديم:

نستهل هذه الافتتاحية بإخبار المتلقي أن موضوع هذا البحث سيرتبط بمفهوم الهرمينوطيقا، باعتباره المفهوم القديم الجديد في الآن ذاته؛ فهو قديم لأن جذوره تعود إلى البيئة اليونانية مع الإله هِرمس الذي كان يقوم بتبليغ ما يجول بخاطر كبير الآلهة إلى بني البشر؛ بمعنى أنه كان يقوم بوظيفة التوسط بين العالمين، وهذه العملية تشبه عملية الترجمة التي نقوم بها اليوم. أما عن أن الهرمينوطيقا مفهوم معاصر، فهذا راجع إلى الحركة الدينامية والصيرورة الدؤوبة التي تعرفها الأبحاث اليوم في هذا المجال، ليس في المجتمعات الغربية فقط، بل إن الأمر وصل إلى المجتمعات العربية أيضا.

يقوم البحث في الهرمينوطيقا عموما على قضية ترتبط أساسا بتأويل النصوص على اختلاف أشكالها الدينية، والقانونية والجمالية؛ هذه الأخيرة شكلت موضوعاً للبحث منذ بزوغ الفلسفة في البيئة الإغريقية، غير أنها لم تحظَ بنقاش هرمينوطيقي كما هو الحال لدى الفيلسوف الألماني هانز جورج غاداميرHans-Georg Gadamer، حيث تظهر أصالته في كونه حاول تجاوز إشكالية المنهج التي لازمت العصر الحديث؛ لأن النموذج التأويلي الذي يقترحه هذا الفيلسوف لا يظهر في المنهج بقواعده الصارمة وضوابطه المُحكمة، بل إنه يتجلى في حقيقة التجربة الإنسانية التي يمكن الوصول إليها عبر تجارب مختلفة كالتاريخ واللغة بالإضافة إلى الفن الذي سيشكل موضوع هذا البحث؛ على اعتبار أن غادامير يرى في حقيقة الفن الأرضية الخِصبة التي تشهد على انصهار الآفاق بين المتلقي والعمل الفني.

ينبغي التنبيه إلى مسألة منهجية ومعرفية في الآن ذاته؛ ألا وهي أن هذه الورقة البحثية ستحاول التركيز على نوع واحد من الفنون، تجنبا لأي سقوط في العموميات. لذلك سوف ينصب اهتمامها تحديداً على الفنون الأدائية ومدى قدرتها على تقديم حقيقة الفن.

إن أهم ما يميز العمل المسرحي هو خاصية العرض أمام الجمهور؛ فكل مُمثل يقوم بأداء دور يسعى من خلاله إلى تبليغ فكرة ما، وعندما نجمع هذه الأداءات المختلفة لكل الممثلين نكون أمام وحدة متكاملة، تسمى العرض، لكن لا يمكن أن ندعي بأن هذا العرض هو الأداء الوحيد والحقيقي لهذا العمل المسرحي، بل إن إعادة إنتاج وتكرار هذا العرض أمر ممكن من طرف ممثلين آخرين. ومن هنا، نفهم أن السيناريو المكتوب لا يجد تحققه الفعلي إلا عندما يؤدى على خشبة المسرح بكيفية مستدامة؛ لأن التكرار لا يفقد للعمل الأصلي هويته، بل إنه يحافظ على تلك الهوية، رغم تعدد الأداءات، ويمنحه نوعا من الحيوية التي تُعينه على الاستمرار في الوجود، رغم تباين الأزمنة وتعدد الأمكنة[1].

يتناول غادامير أهم المراحل التي مر منها المسرح مند نشأته حتى اللحظة المعاصرة، في محاولة منه للكشف عن أهم المظاهر التي اتخذها أثناء تطوره، بدءا بالتراجيديا والاحتفالات التعبدية مرورا بمسرح العرض الدائم في ألمانيا، وصولاً إلى المسرح في صورته المعاصرة، والجذير بالذكر أن كل لحظة من هذه اللحظات لها مميزاتها وخصائصها التي سنكشف عنها الآن باعتبارها شكلا من أشكال الفنون الأدائية.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] معافة هشام، التأويلية والفن عند هانس جيورج غادامير، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولى، 2010، ص 188