وحيد الدين خان ونقد الفكر السياسي للمودودي


فئة :  مقالات

وحيد الدين خان ونقد الفكر السياسي للمودودي

وحيد الدين خان ونقد الفكر السياسي للمودودي

د. صادق محمد وجيه الدين*[1]

ركَّز أغلب من كتبوا عن المفكر الهندي الراحل وحيد الدين خان )1925- 2021م) عقب وفاته، في حدود ما وقفتُ عليه، على جوانب معيّنة من محاور ومرتكزات المشروع العلمي لديه، وعلى رأسها المحور الخاص بمواجهة التحديات العقدية والكلامية، وفي مقدمتها الإلحاد، وهو جانب غاية في الأهمية ولاشك، شكّل الجانب الذي نال النصيب الأبرز من جهوده ومشروعه، ولا سيّما أنه تميّز في امتلاك التقنيات العالية في المحاججة الكلامية العقلية، بالشكل الذي يتناسب مع حالة المخاطَبين، على المستويين العقلي والنفسي؛ الأمر الذي جعله واحدًا من أبرز المعاصرين الذين أسهموا بفعالية في تجديد علم الكلام، والانتقال به من الانشغال بقضايا ميتة إلى مستوى الاشتغال فيه لمواجهة تحديات الواقع المعيش.

لكنَّ هناك جانبًا مهمًّا وبارزًا في مشروع الراحل خان، لم ينل حقَّه من التنويهِ به والإشارة إليه سوى من عددٍ قليل ممن قرأتُ لهم، وهو الجانب المتمثّل بنقد ونقض ما عُبِّر عنه بـ"التفسير السياسي للدين"، ويبرز هذا من خلال ما قام به من نقد دقيق لبعض جوانب الفكر السياسي عند الإمام أبي الأعلى المودودي (ت1979م)، صاحب نظرية الحاكمية والجاهلية التي أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل في الأوساط الإسلامية المعاصرة، وكان الأستاذ سيِّد قطب (ت1966م) أبرز المتأثِّرين بها والمنظِّرين لها، إلى درجة أنَّ الإمام أبا الأعلى المودودي، عندما قرأ كتاب "معالم في الطريق" لقطب، من شدة حضور منهجه وأفكاره فيه؛ شعر وكأنه من قام بتأليفه -حسب ما قرأتُ ذلك في مقالة قديمة للدكتور محمد عمارة-، في صورة تبرز مدى التأثير المودودي والتأثر القطبي.

ومع أنَّ المودوي كان في منزلة الأستاذ والقائد بالنسبة إلى خان، عندما كان الأخير في الجماعة الإسلامية بالهند برئاسة الأول؛ فإن ذلك لم يَحُلْ دون أن يتصدَّى وحيد الدين بالنقد لبعض الرؤى السياسية المودودية، ويعلن اعتراضاتِه عليها، منطلقًا في عمله النقدي من مبادئ الجماعة نفسها التي تنص على حق النقد والتوكيد أن لا أحد فوقه، وهي المبادئ التي أسهم المودوديُّ نفسُه -بشكل رئيس- في إعدادها، وهو نفسُه الذي نصَّ في أكثر من كتابٍ وبحثٍ ومقالٍ له على أنَّ حرية الرأي والنقد والمعارضة لا تقف عند حد كونها حقًّا، ولكنها تصل إلى حد الوجوب.

إنَّ اتجاهَ وحيدِ الدين ناحيةَ النقد العلني للتنظير السياسي للمودوديِّ وجماعتِهِ لم يكن متسرّعًا، ولكنه جاء بعد مرحلةِ تأنٍّ لسنوات، حاول فيها أن يجد من يستمع لما لديه من اعتراضات ويناقشه فيها، ولكنه لم يجد غير الضيق من النقد والتقليل من شأن الناقد؛ الأمر الذي اضطره إلى مغادرة الجماعة التي عمل فيها لمدة خمسة عشر عامًا أو تزيد، وكان ذلك أواخر أبريل من عام 1963م. وقد استعرض في كتابه "خطأ في التفسير" بعضًا من مراسلاته مع المودودي وبعض قيادات الجماعة، ثم أجمل فكرةَ كتابهِ هذا بكتاب صدر بعنوان "التفسير السياسي للدين"، استعرض في مقدمته بعضًا من ردود فعل المودودي وبعض معاونيه القياديين تجاه كتابه النقدي الأول "خطأ في التفسير" الذي كان دراسةً نقديةً لكتاب المودودي "المصطلحات الأربعة في القرآن".

ومن الأهمية بمكان - في هذا السياق- التنبيه إلى أنَّ الموقف النقدي الذي اتخذه خان من التفسير السياسي للدين، لا يعني أنه من تيار دعاة فصل الدين عن السياسة؛ فقد كان له موقفه الواضح والصريح في النقد والرفض لدعوة الفصل، في الوقت الذي وقف فيه ضد محاولة بعض الأفراد أو الجماعات الغلو في إبراز الجانب السياسي من الإسلام، مبديًا الحرص على الإسهام في تصحيح المفاهيم التي تأثَّر بها شبابٌ تغلُب عاطفيتُهم عقلانيتَهم، ففهموا من كتابات المودودي أنَّ الإسلام يبدأ، وينتهي في الحكم والسياسة، بشكل أدَّى إلى بروز ظواهر من التطرُّف حول هذه الفكرة.

كما أنَّ من الأهمية التنبيه إلى أن خان لم يكن الوحيد من علماء الهند الذين وقفوا موقف النقد من الفكر السياسي للمودودي؛ فقد قام آخرون غيرُه بالموقف نفسه، أبرزهم الإمام أبو الحسن الندوي (ت1999م)، الذي توّج جهده في ذلك بكتابه "التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب"، الذي ذكر فيه أنه تردد في إعلان موقفه ونشر اعتراضاته، قبل أن يدفعه إلى ذلك ويحفِّزه عليه؛ ما وجد من تأثُّرٍ في أوساط المسلمين، وخاصةً في أوساط الشباب منهم، بما دعا إليه ونظَّر له المودودي وسايره فيه قطب.

[1] - أستاذ الفكر الإسلامي المساعد كلية الآداب - جامعة إب - اليمن