محاضرة الأستاذ عبد الفتاح مورو: "الظّاهرة القرآنية وبناء الفرد المسلم"

فئة: أنشطة سابقة

محاضرة الأستاذ عبد الفتاح مورو: "الظّاهرة القرآنية وبناء الفرد المسلم"

في إطار الأنشطة الفكريّة والثّقافية التي نظّمها كل من المنتدى الفكري لمؤسّسة مؤمنون بلاحدود ورابطة تونس للثّقافة والتّعدّد، على مدى شهر رمضان، دار يوم الخميس 24 يوليو الجاري، لقاء فكري مع الأستاذ عبد الفتاح مورو الذي ألقى محاضرة عن: ''الظّاهرة القرآنية وبناء الفرد المسلم''.

كلمة الأستاذ احميدة النيفر:

أشارت الكلمة إلى أهمّية موضوع المحاضرة؛ من جهة لتعلّقه بالقرآن وبنزول الوحي، ومن جهة أخرى لارتباط المسألة الدّينية عموماً بجوانب علميّة وفكريّة مهمّة، تؤكّد على معانى الحياة والفعل الإنساني في الظّاهرة القرآنية.

كلمة الأستاذ ناجي الحجلاوي:

عرّفت الكلمة بالأستاذ عبد الفتّاح مورو، وبمسيرته العلميّة والسّياسية التي بدأها في سن مبكرة، ومرّ خلالها بمراحل متنوّعة وخصبة، أثّرت في من حوله وأثْرت نمط التّفكير في المسائل الدّينية وعلاقتها بالنّص القرآني في تونس، وثمّنت الكلمة المسيرة العلمية والقانونية والسّياسية للضّيف.

كلمة الأستاذ عبد الفتّاح مورو:

أشار الأستاذ مورو بداية إلى مفهوم الزّمن في النّص القرآني، وعلاقته بمناسبة نزول الوحي، فبينما تكون السماء محط نظر الإنسان المؤمن في حال التّعبّد اليومي، تكون الأرض محط نظر السّماء في ليلة القدر، حيث تنزل الملائكة لتنظر إلى فعل النّص في الدنيا وإنجازه ومدى تحويله إلى واقع.

وبيّن أن القرآن لا يتوقّف عند التّأسيس الأوّل للإسلام، وإنّما هو ظاهرة متطوّرة في كل الأزمان، لذلك فهو نص ثابت ومتحرّك، جامد في ظاهره ولكنه ولود وثريّ.

كما أشار إلى أن القرآن جاء مقترناً بوحي؛ أي برسول خاتم وبمعجزة، لذلك لا يمكن تعيير الظّاهرة أو تقييمها من خارجها، لأنّها متعلّقة بمفهوم النبوّة، وبالإعجاز القرآني الذي كان متّجهاً، على خلاف المعجزات السّابقة، إلى عقل الإنسان، فلأوّل مرّة تكون المعجزة غير حسّية؛ فالمعجزات الحسّية انقضت بانقضاء أصحابها الذين أتوا بها، إلا أن القرآن باقٍ، لأنّه ارتبط بالعقل، فإعجازه دائم، وفي ذلك ارتباط بمعنى التّحدّي الذي عبّر عنه النص.

وخلص من هذه المسألة إلى أن اعتبار إعجاز القرآن في جانبه البلاغي اللّفظي، فحسب، تفنّده حجّة أن النّص في ذاته لم يتوجّه إلى العرب الذين برعوا في فنون البلاغة والقول، وحدهم، ولم يكن التّحدّي مقصوراً على ذلك الجانب فقط، بل إنّه توجّه، أيضاً، إلى أقوام آخرين لم يبرعوا في بلاغة العرب ولسانهم، وذلك يؤكّد الطّبيعة العقليّة للإعجاز المرتبط بالنّص. ''فمضمون التحدّي ليس القول بقدر ما هو صياغة منهج حياة، وبناء مجتمع، وإقامة نظام، وذلك هو وجه التّحدّي الذي يجب أن يشتغل به المسلمون''.

وبين الأستاذ أن ختم النبوّة يعني أن قضيّة الغيب قد تم البتّ فيها بختام الوحي الإلهي، وأن الانشغال اليوم وجب أن يكون بواجب الإنجاز الإنساني؛ أي بواقع الحياة، دون الغيبيّات التي قد حسمها النّص، والدّليل على ذلك إصرار القرآن على معنى التّكليف، ومعنى تحميل الرّسالة للإنسان؛ فـ "الرّسول قد بلّغ الرّسالة وتنحّى عن دور الوساطة بين الإنسان وربّه". والإنسان هو الغاية وهو جوهر الاهتمام الإلهي بالحياة على الأرض. والقرآن ليس اشتغالاً بمحورية الذات الإلهيّة، لأن الله خالق كل شيء لا يحتاج إلى ذلك، بل القرآن اشتغال بمحوريّة الذّات الإنسانيّة في الكون.

وبيّن أن هذا الاشتغال بالإنسان في النّص لا يتوقّف في كل زمان أو مكان، وهو ما يفضي، بالضّرورة، إلى تجدّد القراءة للنص القرآني، والدّافع إلى ذلك أن الوجود المحيط بالنّص هو دائماً مجال تدبّر وتفكّر، أي أنّه مجال علم؛ "أي علم قدرة الله في الكون"، وفي ذلك إحالة على العلوم الكونيّة الطّبيعيّة المتّصلة بالوجود الإنساني لا الغيبي، وأشار مورو أن سوء فهم الذين ادّعوا أن المقصود في القرآن بالعلم، العلوم الشّرعية، قد أدّى إلى إغراق الإنسان في غيبوبة متواصلة من الجهل المبني على الاهتمام بالشّرعيّات والغيبيّات، في مقابل إهمال العلوم الكونيّة المتّصلة بالإنسان وبالطّبيعة. وتلك الغيبوبة أدّت في النّهاية إلى ما يشبه القطيعة بين الدّين والعلم.

ولم يفصل الأستاذ في قراءة النّص بين:

- مستوى أوّل، أسماه مستوى مصادر المعرفة، وقد قسّمه إلى عناصر ثلاثة رأى أنّها تتلازم مع بعضها البعض، وأنّها أساس التّكليف القرآني في جوهره، تلك العناصر هي: "قراءة في الخلق، ثم قراءة في الأمر، ثم قراءة في واقع التّجربة الإنسانية".

- مستوى ثانٍ أسماه مستوى التّزكية، والذي يتمثّل في مجموع القيم الأخلاقيّة الإنسانيّة، ومفاده أن علما بدون قيم ليس علما صالحا. ومرّ الأستاذ على أمثلة عديدة من النّص تؤسّس للجانب الأخلاقي والقيمي في المجتمع الإسلامي.

وقد بين أن النص القرآني قام على هذين المعطيين، الذين تأسّست عليهما الدّعوة الإسلاميّة منذ بدايتها المكّيّة.

وقد خلص من ذلك كلّه إلى اعتبارٍ، ثمّنه وأكّد عليه، وهو الجانب الكوني في النّص، مشيراً إلى أن غاية القرآن الذي أُنزل للناس جميعا، أن تتحوّل الإنسانية إلى جسد واحد، ليس بمنطق الإكراه والتجبّر، بل بمنطلق أنّ الإسلام قد قام على قيم أخلاقيّة تتّحد فيها الإنسانيّة جميعا. وأشار في ذات السّياق، إلى أن ذلك لا يستقيم مع حال الانقسام الذي يشهده المسلمون اليوم، وأعاد ذلك إلى غياب منطق سليم لتدبّر معاني القرآن بشكل صحيح ومتوافق مع روح النّص وجوهر التّكليف. وقد أعاد الانقسام إلى "التّعطيل"، وأشار إلى صنفين من المعطّلين للنص القرآني: الذين عطلوا القرآن لأنّهم يريدون إخراجه من دائرة الإنجاز، ويريدون في المقابل الاحتكام إلى مرجعيات أخرى (دنيويّة)، والمعطّلون الذين رفضوا هذا الطّرح وحنّطوا القرآن في دائرة ما أنجز سابقا واكتفوا.

النقاش:

دار النّقاش بين المتدخّلين حول مجموعة من النّقاط، نورد بعضها فيما يلي:

تساءل البعض عن كيفيّات العودة الحديثة إلى النّص القرآني بغية التوصّل إلى إنتاج قراءة جديدة له، تتماشى مع الواقع وتتجاوب مع العصر الذي نعيشه بكل معطياته المتداخلة اليوم، والحال أن كل عمليّة قراءة جديدة للنّص لا تنجو من كونها قراءة مرتبطة بالمصلحة، وهي بالتّالي ستعمل على استثمار النّص وتوجيهه وجهتها، وهو ما يمكن أن يفضي في النّهاية إلى نتائج غير التي نتوقّعها خاصّة حينما يطغى الجانب المصلحي الإنساني على الجانب الغيبي الإلهي.

وقد لام بعضهم على الأستاذ تغييبه الحديث عن جانب مهم من النّص القرآني، وهو جانب الأحكام الشّرعية التي يقوم عليها التّوحيد، وتساءل هل ما إذا يمكن أن تؤدّي القراءات الجديدة، المأمولة، للنّص إلى التّعامل مع الأحكام الواردة فيه أو تجاهلها، وذلك لبّ الإشكال في عصرنا الحاضر.

وعلّق بعض المتدخّلين على أسباب الانقسام التي ردّها الأستاذ إلى صنفين من المعطّلين للنص، مشيرا إلى أنّه يوجد صنف آخر من المعطّلين، يتمثّل أولئك الذين رأوا ضرورة أن يكون القرآن مرجعا للإنجاز، وحملهم المدّ الثّوري إلى سدّة الحكم، ولكنّهم عجزوا عن أن يستنبطوا من النّص مشرعهم لضيق أفقهم المعرفي المتعلّق بالنّص، ولمحدودية رؤيتهم للمجال الذي يجمع النّصّ بالواقع...

رد الأستاذ عبد الفتاح مورو:

مرّ الأستاذ في ردّه على بعض النّقاط التي أثارها المتدخّلون في النّقاش وثمّنها، مبيّنا أن كل رأي يبقى قابلا للنقاش والمراجعة، وبيّن أنّه لم يعمد إلى إهمال جانب الأحكام الشّرعية التي تضمّنها النّص، ولم يتغافل عنها، وإنّما رأى أنّها تستوجب قسما آخر من التّدبّر في النّص لا يسمح حيز المحاضرة ولا موضوعها به اليوم، وقد ثمّن في ردّه المنظومة القانونيّة والتّشريعية الإسلامية التي يرى أنّها تُعتبر تجربة فريدة من نوعها في العالم قديما وحديثا، ويجب الاهتمام بها اهتماماً خاصّا مع كل قراءة جديدة للنّص. وقد أشار في ذات السّياق إلى أن المنظومة الفقهيّة لا تخلو من تضارب وتداخل، ولكن القراءة الجديدة للنّص يجب أن تراعي، في كل الأحوال، الأصول التي يجب المحافظة عليها، في مقابل إمكانية التّخلي عن الجزئيّات التي من شأنها أن تعطّل عملية القراءة، وتعيد المسلمين إلى حال التّشرذم والانقسام.

ألبوم الصور