حوار مفتوح حول موضوع: "البرقع بين الدين والمجتمع"

فئة: أنشطة سابقة

حوار مفتوح حول موضوع: "البرقع بين الدين والمجتمع"

 باحثون مغاربة يناقشون قضية البرقع من مداخل نظرية متعددة


ناقش ثلة من الباحثين المغاربة من تخصصات مختلفة،  إشكالية البرقع من مداخل نظرية متعددة، كما تمكنوا من تقديم  قراءات للظاهرة وحضورها  في مجتمعات المنطقة، وعلى وجه الخصوص في المجتمع المغاربي.

 وقد تنوعت القراءات بين القراءة الدينية، والفلسفية، والتاريخية، والأنثروبولوجية، والسوسيولوجية، والسيميائية، وغيرها من القراءات.

كما أوضح اللقاء الذي نظمته مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث يوم الخميس الموافق لـ16فبراير الجاري، والذي شارك فيه كل من الباحثة في قضايا المرأة وعضو اللجنة الاستشارية الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية سابقا،  الدكتورة نزهة كسوس، و الكاتب والباحث الأكاديمي وأستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس عبد الرحيم العطري، والباحث والأكاديمي المغربي المتخصص في الهيرمينوطيقا الدكتور محمد أمعارش، أن موضوع البرقع موضوع مركب، سواء تمت مقاربته من داخل النص الديني أو من خلال الثقافي، فهو من أصعب المواضيع التي يمكن التطرق إليها، نظراً لصعوبة معالجته، لأنه يتحرك ضمن حقول معرفية متعددة، يلتقي فيها السوسيولوجي بالسيكولوجي والأنثروبولوجي والأيديولوجي بالسياسي. وينضاف إلى ذلك، التقاطع الموجود بين الذاتي والجماعي بين الفردي والاجتماعي.

وتجلى تعقيد طرح موضوع البرقع في كونه خلق مجموعة من التوترات على مستوى التلقي وعلى مستوى التداول، وكمال قال الدكتور عبد الرحيم العطري فهناك نفس حقوقي ينادي بأحقية المرأة في لباس البرقع، وهناك تيار يشرعن ضرورة البرقع ويبني أحقيته على مستوى النصوص الشرعية وتفسيره لها، وهناك الموقف العلمي، وهو موقف غائب لأنه لحد الآن ليست لدينا دراسات حول موضوع البرقع وحول الانحدارات الاجتماعية لحاملة البرقع.

وتميز اللقاء بطرحه مجموعة من الأسئلة المحورية على سبيل المثال:

ما الذي جرى حتى وصلنا إلى هذا المشهد اليوم، بين الانتقال من مرحلة الحايك واللباس العصري الذي لم يتجاوز سقف الصاية الطويلة أو القصيرة، إلى ما نعاينه اليوم، من لباس النقاب والبرقع والميني جيب والميكرو جيب [أو الميني ـ ميني جيب]؟

ــ ما هي المحددات الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية التي أوصلتنا إلى ظهور البرقع اليوم؟

ــ انتقلنا من جدل نسبي حول التعامل مع الحجاب، ولو أنه جدل نخبوي أساساً، إلى جدل أكبر وأعمق حول التعامل مع النقاب، وهو جدل طال حتى العامة بله الخاصة، (وإن لم يحظ بمتابعة بحثية تليق بالحديث). كيف نفسر هذه التحولات؟

ــ هل يمكن وصل أهم أسباب ارتداء البرقع بظهور جماعات إسلامية سلفية في المنطقة (المغرب نموذجاً)، أم أن ظهوره يتجاوز مُحدّد ظهور الظاهرة السلفية؟

ــ كيف هي أفضل السُّبُل الرسمية والاجتماعية للتعامل مع ظاهرة البرقع، باعتبار ارتداء البرقع يُسبّب حرجاً أمنياً في أغلب الفضاءات الثقافية التي لا علاقة لها بالتدين السلفي؟

ــ كيف نوفق بين حديث سلفيات البرقع عن الحقة في "الحرية الفردية"، وحديث المؤسسات الأمنية عن الحق في الحفاظ على الأمن بحتمية الكشف عن الوجه في عديد مؤسسات وإدارات؟

نزهة كسوس: البرقع لباس تحكمه ازدواجية بين المرجعية الكونية والمرجعية التقليدية المغلفة

قالت الباحثة المتخصصة في حقوق الإنسان والبيوإتيقا إن لباس البرقع الذي يعبر عن مظهر يحمل في عمقه دلالات ثقافية واجتماعية ودينية محددة، يطرح إشكالا معقدا، خاصة أنه يتحول بين حقول دلالية متنوعة وتحكمه ازدواجية بين المرجعية الكونية والمرجعية التقليدية المغلفة بالدين.

بالنسبة إلى الدكتورة نزهة جسوس، فإن موضوع لباس المرأة اليوم في البلدان الإسلامية على وجه الخصوص، لازال يتوزع بين نسق الحداثة والتقليد.

وأما فيما يخص الحالة المغربية، فقد أشارت أن التغيرات التي عرفها الفضاء العام واضحة ومركبة في نفس الوقت، ففي حين أن في الأربعينيات كان اللباس المغربي متنوعا بين الحايك والجلباب واللباس العصري، فاليوم يشهد الفضاء العمومي نوعا من التراجع إلى ما يسمى بـ"اللباس الإسلامي" الذي يحمل دلالات رمزية ودينية وسياسية.

وحسب "كسوس"، فإن البرقع لا يشكل لباسا يغطي جسد المرأة، بل يعبر عن عنف مبطن بعنف للنظرة الذكورية لهذا الجسد الذي يعد الناطق الرسمي لكل أشكال التدين، والذي يوجه له المجتمع نظرة تقزيمية لا ترى في جسد المرأة سوى الجانب "الشهواني"، لذلك فهذا الأخير يعد فضاء للصراع؛ فهناك من  يريد أن يحجبه، وهناك من يشيئه مثلا الغرب، وهناك من يرغب في حجبه وراء أسوار،  وهذا ما يعد ضربا لحرية المرأة وإنسانيتها وأحقيتها في الاختيار.  

عبد الرحيم العطري: المجتمع المغربي يحيى نوعا من الردة

قال الباحث والكاتب المغربي عبد الرحيم العطري أن المجتمع المغربي يعيش نوعا من الردة، لأن الأجيال التي مضت على الرغم من تبنيها لنسق محافظ، إلا أنها حافظت على شعلتها لعشق الألوان والحياة شكلا ومضمونا، وقد استشهد بأبيه الرجل الذي كان يحافظ على صلواته، وعلى ربطة عنقه الأنيقة التي كان يلبسها ولا تمنعه لا من صلاته ولا من حضور أفلاما راقية في السينما، هذا المجتمع هو المجتمع المغربي الذي عرف بتدينه، وبتدبيره للعلاقة بين الماضي والحاضر، وبخصوص البرقع أضاف الدكتور العطري في طرحه الذي قاربه من زاوية أنثربولوجية، أن السياق كفيل بصياغة المعنى، وأن السياق المغربي يحوي في عمقه قارات تتبارى حول موضوع البرقع خاصة والمرأة عموما، فنجد فيه الإسلام الوهابي، الشيعي، وهناك إسلام سني.

وأكد العطري أن اللباس هو ملتقى للطرق مضى فيه الكثير من الباحثين، وجعلوا منه عنصرا للاشتغال، وبغض النظر عن تعقيد طرحه إذ ينتقل في حقول معرفية متنوعة، فإنه يعد أيقونة أو علامة تتحرك في المجال العام وتقدم جوابا عن حاملها.

وخلص "العطري" إلى أن البرقع يخفي إخفاقا في تدبير علاقتنا مع جسد المرأة، وأن النقاش الحقيقي ينبغي أن نقيمه حول المرأة ومكانتها في المشهد العام، هو تثبيت ثقافة الحرية في التعامل مع اختيارات المرأة في لباس البرقع أو في رفضه، فلا يمكن أن نمنع الآخر من التعبير عن حركيته في المجتمع.

محمد أمعارش: البرقع شكل من أشكال الطقوس الدينية، وفهمه يجب أن ينطلق من فهم النصوص في حد ذاتها

قال الباحث المتخصص في الهيرمينوطيقا الدكتور محمد أمعارش أن فهم موضوع البرقع يجب أن ينطلق من فهم النصوص الدينية السماوية، وهذا الفهم لا ينطلق فقط من التحليل الدلالي لكون مستعملي النص يشرعنون هذه العادة، بل يغوص في حقيقة أن تفكك من جعل من البرقع عقيدة بعد أن كان عادة.

وأكد الدكتور أمعارش أن فهم الظاهرة يستدعي تحديد إطار لتحليلها، فهل سيتم مقاربتها من المنظومة الدينية، أم الحقوقية أم من منظومة "حرام أم حلال"، فبالنسبة إلى المنظومة الدينية يجب التوضيح أن باب العلم قبل القول والعمل، والعلم بدون تفكيك للنصوص المؤسسة لخطاب البرقع والحجاب، يبقى طرحا ناقصا، كما أن الحقول الدلالية التي تصب في نسق اللباس، وخاصة الاصطلاح الوارد الذي يخص اللباس الشرعي غير واردة في نصوص القدماء. 

وأضاف أمعارش أن  الثقافة الإسلامية تعاني من إعادة بناء الركام النصي المتضارب والمتعارض، والمتعدد، الذي يتأرجح بين القياس والترجيح والناسخ والمنسوخ، "إشكالية تفسير النصوص جعلت كل مجتمع يفسر النص حسب ما يراه مناسبا، ولا يوجد هناك نص مطلق يشير إلى تلك الطريقة في اللباس أو الأخرى". يورد المتحدث.

وتفاعل الحضور مع الحوار المفتوح الذي حج للمشاركة فيه باحثون من تخصصات متعددة، وذهب بعضهم إلى أن قضية البرقع تبقى من أعقد المواضيع للنقاش، في مجتمع يحيا بين جدلية الحداثة والتحديث والثقافة تقليدية قديمة، لا تعرف كيف ستؤسس لتواجدها مع كل ما هو جديد،  وبغض النظر على التطرق إلى البرقع كعلامة أو رمز الأمر الذي يقود البحث إلى موجة من المتاهات الفكرية والأيديولوجية، فتبقى الإشكالية الحقيقة هي بناء هذا الإنسان، وكما قال أحد المشاركين: "هذه المرأة المبرقعة  لو شكلنا لها عقلا نورانيا لترى به الحقائق وتصنع به حقيقة لذاتها ولنفسها لكانت الآن تجلس معنا وتخاطبنا، لأننا مجتمعات تركز عن اللذة عن الإحساس عن الشهوة. إننا لم نرق بعد إلى مجتمع الفكر والذرة والعلم، الفضاء النور، لأن العقل كلما كوناه كلما استطاع الإنسان أن يرى هذا الكون نورا ووجودا".

 

 

البحث في الوسم
البرقع الدين والمجتمع