قراءة في كتاب: روح الديمقراطية: الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة

فئة: أنشطة سابقة

قراءة في كتاب: روح الديمقراطية:  الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة

قراءة في كتاب: روح الديمقراطية؛ الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة

تأليف: لاري دايموند

ترجمة: عبد النور خراقي

عرف صالون جدل الثقافي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، يوم السبت 23 يناير، ابتداءً من الساعة الرابعة بعد الزوال،  ندوة علمية عبارة عن قراءة في كتاب "روح الديمقراطية: الكفاح من أجل مجتمعات حرة" لمؤلفه الأمريكي لا ري ديموند، وترجمه إلى العربية عبد النور الخراقي.

شارك في هذه الندوة، التي سيرها الدكتور عبد النبي الحري، كل من الدكتور عبد النور الخراقي، أستاذ الأدب الأنجليزي، بجامعة محمد بن عبد الله بوجدة/ المغرب، والدكتور خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة نفسها، والدكتور زهر الدين طيبي الأستاذ بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة للجامعة نفسها أيضا.

في ورقته أشار الدكتور خالد شيات إلى أنّ كتاب روح الديمقراطية لمؤلفه لاري دايموند، وهو من أبرز المؤلفين في مجال علم السياسة الأمريكيين المعاصرين، واحد من أهم المراجع التي يمكن من خلالها الوقوف على أمرين على الأقل في المستوى التصوري الخالص؛ الأمر الأول رؤية عالم السياسة الذي كانت له تجربة ميدانية عملية، حيث عمل المؤلف في مهمة سياسية مستشارًا لبول بريمير رئيس الإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق (إدارة مدنية للاحتلال)، والتي تعد منعطفًا في تحليلات دايموند المرتبطة بالديمقراطية التي تعتبر بحق هوسه الفكري الذي بنى عليه مجمل أطروحاته. حيث أصبحت أفكاره تدور حول قناعاته المتجددة المرتبطة بنبوع الديمقراطية من الداخل واستحالة فرضها من الخارج، تماشيًا مع المقولة التي يفتتح بها كتابه والمنقولة عن غاندي، الذي يهديه مؤلفه إلى جانب مناضلين آخرين عن الديمقراطية وقيمها.

الأمر الثاني، هو مقارعته للعلاقة بين الأصل الذي تنطلق منه الديمقراطية باعتبارها تنشأ من بيئة خاصة ومتنوعة مع الفكرة المرتبطة بالعالمية، والتي استهوت الكثير من المنظرين بعد نهاية الحرب الباردة، باعتبار الديمقراطية الليبرالية منتهى لا فحسب من الناحية الإديولوجية ولكن أيضًا من الناحية التصورية أو الفكرية، لا تحتاج معها الإنسانية إلى الاجتهاد والبذل النظري.

لقد آمن دايموند، حسب شيات،  بضرورة أن يكون الشعب مصدرًا للديمقراطية، وتجاوز العوامل الاقتصادية مدخلاً وحيدًا في التحليل الليبرالي الجديد لإقرارها كنظام موازٍ، وقد ظهر ذلك في العديد من الكتب السابقة ولاسيما كتابه "مصادر الديمقراطية"، حيث العامل الثقافي أو الفكري عامل محدد لتكريس قيم الديمقراطية. وإن كان يميل في كتبه السابقة وتحليلاته إلى وجود مرجع قار وثابت وهو نموذج قابل للتطبيق الكوني، فإنّه في هذا الكتاب يحاول أن يستلهم أفكارًا من باقي الثقافات ويسقطها على الديمقراطية نفسها باعتبارها منطلقًا غربيًّا، وهذا أمر لا يتراجع عنه، لكنها قد تجد في كل الثقافات مستندًا فكريًّا أو اجتماعيًّا أو ثقافياًّ. إنّه نوع من التواضع الذي قليلاً ما يقبل به المحللون السياسيون الغربيون الذين لا يجدون بديلاً عن الانطلاق من بديهية ارتباط الديمقراطية بالثقافة الغربية.

لقد اعتمد دايموند، يقول خالد شيات، منذ كتاباته الأولى منهجًا يقوم على الدراسات "الكمية" للديمقراطية، فهي تتحدد بمقاييس معينة ومنضبطة يمكن أن تراعي التفاوت الثقافي الممتد بين الدول، فضاءً للدراسة، لكنها تتحدد في قالب واحد يجمع المشترك الإنساني حسب تصور دايموند للديمقراطية.

ويستمر في كتاب "روح الديمقراطية" في نسق مماثل حيث يتراوح الكتاب بين الدراسة  الكمية والتحقيب في مجال محدد هو الدولة الوطنية بالصيغة التي تحلل المنتظم السياسي باعتبار المعايير الذي يضعها دايموند للديمقراطية مفهومًا يحقق الحرية والعدالة. كما أنّه يمتثل لأسلوب جديد في إبداع مفاهيم جديدة للوصول إلى فهم حقيقي للديمقراطية قائم على تتبع المنطلق الذي يصنعها كفكرة، أي الوصول إلى روحها، والتي تمر بالأساس من التساؤل عن مفهوم جامع وإنساني. إنّها بالنسبة إلى دايموند نوع من النبوة القابلة للمساءلة والتتبع والتمحيص بعيدًا عن القداسة التي حازتها الديمقراطية من خلال التعالي بالنموذج الجاهز الغربي القائم على أسس تختلف عن باقي الثقافات.

أما الدكتور زهر الدين طيبي فقد انطلق مما  للترجمة من دور أساسي في التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب، فهي الأداة التي يتم عبرها تحويل نص أصلي مكتوب من اللغة المصدر إلى نص مكتوب في اللغة الهدف. و بذلك يمكن اعتبار الترجمة بمثابة "نقل للحضارة و الثقافة والفكر". فهي تحول المفاهيم والأفكار إلى لغات مستهدفة قد يصعب على ناطقيها فهم الرسائل الفكرية التي تصاغ بلغة غير لغتهم، لذلك فالترجمة تقوم بدور رائد في تبادل المعارف والأفكار والمفاهيم المختلفة على جميع المستويات: الأدبية، والعلمية، والاجتماعية وغيرها، ولعل كتاب "روح الديمقراطية" للأستاذ الأمريكي لاري دايموند الذي قام بترجمته الباحث في مجال العلوم الإنسانية والقضايا اللسانية الاجتماعية الدكتور عبد النور الخراقي يجسد، حسب زهر الدين، هذا التفاعل الحضاري في بعض أهم الإشكاليات التي ما زالت تؤرق العالم العربي، يبقى أهمها بامتياز الديمقراطية.

يعتبر مؤلف هذا الكتاب، في نظر طيبي، من طينة الأكاديميين الذين يناضلون من أجل تعزيز الديمقراطية والكفاح ضد أي عائق محتمل يمكن أن يعترض طريق تطبيقها، فضلاً عن أنّه ناقد حاد للسياسات الأمريكية المتناقضة التي تنال دون شك من القيمة التي يدافع هو عنها بشراسة. ويعد كتاب «روح الديمقراطية، الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة» دراسةً عميقةً تحاول رصد تجارب عشرات الدول فيما يخص تطبيقها للديمقراطية وذلك على امتداد قرنين من الزمن، إلا أنّه يجب التنصيص على أنّ ثمة فرقًا بين الفكرة النظرية والتطبيق الفعلي لها والذي غالبًا ما يواجه بمفاجآت من العيار الثقيل، كما حدث مع الثورات الأخيرة مثلاً وما يعقبها من مراحل انتقالية يبدو أنّها سوف تطول، خصوصًا عندما تكون هناك جيوب مقاومة تحاول السطو والركوب على الثورات.

وعموماً في هذه القراءة، حاول زهر الدين طيبي، التطرق إلى محاولة تصدير الديمقراطية للعالم وتعزيزها وأهم المعيقات التي ما زالت تعترض تبنيها من طرف الدول العربية، مع التعريج على المغرب نموذجًا تطرق إليه الكتاب وما عرفه من تحولات بعد موجة الربيع العربي، واقفًا بشكل خاص عند تجربة حزب العدالة والتنمية.