لقاء حواري فكري بعنوان: ''أصل الشرّ عن العنف والإرهاب''

فئة: أنشطة سابقة

لقاء حواري فكري بعنوان: ''أصل الشرّ عن العنف والإرهاب''

احتضن مقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، الأربعاء 8 فبراير، اللّقاء الفكري الحواري الذي قدّمه كلّ من الكاتب والإعلامي مختار الخلفاوي والكاتب والصحفي هادي يحمد حول موضوع ''أصل الشرّ عن العنف والإرهاب''، وأدار اللّقاء الدكتور نادر الحمّامي.

وافتتح الخلفاوي مداخلته بتأطير لفكرة أصل الشر، وبين أنّها كانت هاجس الإنسان منذ القديم حتى عصرنا الحاضر، ولم يُتوصّل بعد إلى كشف ذلك الأصل، لأنه يرتد بطبيعته إلى مجاهل ميتافيزيقية، يختلط فيها العلم بالوهم، والذاتي بالموضوعي ويختلط فيها التاريخ بالإيديولوجيات، وخلص إلى أن فكرة أصل الشر أصبحت تتلبس الآن بالسياسي، وتوزّعت دوافعها بين طائفتين، الأولى ترجعها إلى الثقافة في حين ترجعها الثانية إلى العقيدة.

وفصّل من ثم، المسألة في ذينك البعدين المتلازمين اللذين تتأسس عليهما النظرة إلى الإرهاب ويُتأوّل على أساسهما كل حدث عنيف في واقعنا المعاصر، فأشار إلى ما ينحو إليه القائلون بعلاقة الإرهاب بالمستوى المعيشي للأفراد بما في ذلك ظواهر الفقر والأمية ونقص الثّقافة والتّعليم والتهميش والإقصاء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما يصرّ عليه البعض الآخر من علاقة الإرهاب الأوّليّة بما أسماه التصحّر العقائدي وسياسات عقلنة التّفكير الدّيني كما كان في تونس الحديثة، وقدّم أمثلة عن ذلك من التّقارير الدّولية حول الإرهاب، ومنها تقرير صدر حديثا عن مجموعة البنك الدّولي، وفيه بيانات عن الملتحقين بالتّنظيمات الإرهابية، ويذكر أن عددا مهمّا من تلك العناصر لديه مستويات تعليمية أكبر من المتوقّع، وأن أغلب من نفّذوا عمليات انتحارية في السّنوات الأخيرة في مناطق التوتّر في العالم، هم من ذوي المكانة الاجتماعية والاقتصادية المرموقة في مجتمعاتهم الأصلية.

وقال إن مثل تلك الإحصائيّات تجعلنا نتغاضى عن كل التّفسيرات الاختزالية والسّطحية التي تميل إليها بعض المقاربات، وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن المقاربات التي تعتبر أن الدّين هو أساس العنف، وتبني رؤيتها على القول إن الإسلام دين إرهابي، ونعتها بأنّها رؤى تبسيطية أيضا، فهي تغفل الجدل القائم مع التجربة الدّينية على مدى التّاريخ، كما تغفل تعقيدات الواقع بمختلف جوانبه الثقافية والاقتصادية والسّياسية، وقال إن المسارعة بالجزم أن الإسلام لا ينتج إلا العنف، هو بمثابة المصادرة على كل أفق محتمل لإصلاح الإسلام من خلال المراجعات النّقدية والفكريّة. وخلص في ختام مداخلته إلى اعتبار القراءة الثّقافية الآخذة بكل الأفكار معا دون إقصاء معرفي أو تحيّز إيديولوجي في مستوى المنهج والإجراء وفي مستوى تأويل النّتائج الحاصلة، هي القراءة الأقرب إلى تقديم إضافة فكريّة ومعرفيّة عن الإرهاب بما هو واقع حديث في مجتمعاتنا ومتأصّل في ثقافتنا في آن واحد.

وقدّم الأستاذ نادر الحمامي تعقيبا على مداخلة الخلفاوي قبل أن يحيل الكلمة إلى الأستاذ هادي يحمد، فأشار إلى أن المقاربات حول الإرهاب قد استندت في معظمها إلى متغيّرات فكريّة ومنهجيّة، ولكنها تدور دائما حول عامل ثابت لا يتغيّر ألا وهو العامل العقائدي، الذي يشترك فيه المنتمون إلى الجماعات العنيفة، واعتبر أن بدون العامل العقائدي الذي يجمع بين هؤلاء لا يمكن أن تتكوّن تلك الجماعات، وقال إن هذا الأمر هو ما يفسّر تعدّد القراءات لظاهرة العنف بين الدوائر الإعلامية والفكرية الأمريكية والأوروبية وغيرها.

وأحيلت الكلمة إلى الإعلامي هادي يحمد، فقدم مداخلته، واهتم فيها بأصول الظاهرة الجهاديّة من وجهة النظر الفرنسية، وقال إن الجدل الإسلامي حول الظاهرة لم يكن بالمستوى المطلوب، وأن التناول الأوروبي، والفرنسي تحديدا، لمسألة الإرهاب باسم الإسلام كان أكثر تركيزا وعلميّة وواقعيّة، بالنّظر إلى أن فرنسا كانت من ضمن أكثر الدّول في الغرب التي مسّها الإرهاب، وذكر أمثلة عن العمليات الإرهابية التي حدث في فرنسا في السنوات الأخيرة، وبالنظر أيضا إلى أن فرنسا تحتوي على أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وتساءل من ثم عن أصل العنف الدّيني في فرنسا قائلا: ''هل إن أصل الشرّ في فرنسا ناتج عن العلمنة الراديكالية وما تخفيه من غضب الأجيال أم أن الأمر يتعلّق براديكالية الإسلام في حدّ ذاته''، مقدّما بذلك أطروحتين نظرَا في المسألة؛ الأولى تعتبر أن الرّاديكالية العلمانية الفرنسية هي الدّافع إلى ردود الأفعال الإرهابية، والثانية تعتبر أن العقيدة الإسلاميّة في المجتمع الفرنسي تحمل بذور العنف في ذاتها،  وأشار بعد ذلك إلى أطروحة ثالثة، وهي الأطروحة التي تعتبر أن تاريخ الهيمنة الاستعمارية الغربية، والفرنسية تحديدا، هو الذي أنتج بذور الكراهية أو العنف الذي أخذ شكلا دينيا، ليعبّر عن نفسة في المجتمع الفرنسي الحديث. ووصف هذه الأطروحات في قراءة أصل العنف بأنها الأكثر رواجا في المجتمع الأكاديمي والإعلامي في فرنسا. ووصف الاهتمام الفرنسي الكبير بتحليل الظاهرة الإرهابية بالحيرة القديمة قدم العمليات الإرهابية في أوروبا عموما، وذهب إلى أن هذا الاهتمام قد أنتج ثلاث فرضيات أساسية في قراءة الظواهر الإرهابية؛ الأولى هي الفرضية الأفقية، التي تقول إن الإرهاب نتاج جيل حديث يبحث عن القطيعة مع الكل ولا علاقة له بالضرورة مع التشدد الثقافي الإسلامي، وإنما هو يمثّل ''ثورة جيليّة عدميّة''، والثانية هي الفرضية التي سمّاها ''ردّة فعل هوياتية ناتجة عن الهيمنة الغربية القديمة والحديثة''. أما الفرضية الثالثة، فهي التي تقول بالعامل الثقافي وتردّ نموّ العنف الجهادي إلى تغوّل التيّارات السّلفية في فرنسا وفي العالم الإسلامي. وبيّن هادي يحمد محدودية هذه الفرضيّات كلّها في قراءة الواقع العنفي في العالم الإسلامي وفي المجتمع الفرنسي والأوروبي عموما، معتبرا أنّ القراءات الفرنسيّة للظاهرة الجهاديّة هي قراءات مهمّة ومتعدّدة، ولكنها جزئية، فقد اقتصرت على جزء من الصّورة فقط، وقد أغفلت أهمّية المشترك الدّيني والعقائدي المحفّز على الإرهاب.

واختُتم اللقاء بمداخلات قدّمها الحضور وعرضوا فيها أهم ما تم استنتاجه من المداخلتين؛ ألا وهو أهمية الجانب العقائدي في قراءة الأسباب الحقيقية للظاهرة الإرهابية، والإمكانيات التي توفرها الدراسات الحديثة الغربية والعربية، سواء منها الأكاديمية التي تستند إلى نظريات علمية، أو الأطروحات الإعلامية والميدانية التي تقوم على الاستقصاء والتحليل، أو التقارير التي تقوم على الإحصاء العيني، والتي تصدرها المنظمات الدّولية ومراكز البحوث العالمية، والتي أصبح لها دور مهم حديثا في تفكيك الظواهر الاجتماعية العنفيّة والبحث في أسسها المباشرة والتّعامل معها موضوعيّا.