ندوة: المشهد الصوفي وتجلياته في الرواية العربية...شوق الدرويش أنموذجا

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: المشهد الصوفي وتجلياته في الرواية العربية...شوق الدرويش أنموذجا

ندوة بعنوان: المشهد الصوفي وتجلياته في الرواية العربية...شوق الدرويش أنموذجا

مع الروائي السوداني حمور زيادة


استضاف مركز "دال" للأبحاث والإنتاج الإعلامي  التابع  لمؤسسة مؤمنون بلا حدود) بالقاهرة، ندوة بعنوان "المشهد الصوفي وتجلياته في الرواية العربية؛ شوق الدرويش أنموذجاً"، بحضور الروائي السوداني حمور زيادة، وأدار المناقشة الدكتور سامح إسماعيل مدير الأبحاث بالمركز، والذي أكد في تقديمه أن المشهد الصوفي يشغل مساحات واسعة؛ بتعدد منطلقاته، وتنوع أبعاده وتمثلاته السوسيوثقافية، وهو ما جعل حضوره في الرواية العربية أمرًا لا مناص منه؛ فالرواية تعكس صور الواقع وفضاءاته اللامتناهية، وعليه، كانت تجليات المشهد الصوفي في الرواية العربية حدثا رئيسا ومفصليا منذ عصر الرواد وحتى يومنا هذا".

وأكد الدكتور سامح، أن المشهد الصوفي جاء مكثفا في رواية شوق الدرويش، حيث أصبحت نموذجا فريدا لتجلياته وحضوره في الرواية الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 2014، والتي اختيرت ضمن القائمة القصيرة للبوكر .

وفي البداية قال حمور زيادة: "إن عنوان الرواية به شيء من الالتباس، فقد ظن البعض أن الدرويش في هذا العمل هو المواطن السوداني،  لكن ما أردته ليس هذا المعنى، ولكنني لن أقول ماذا قصدت، وسأترك الإجابة للقارئ كي يتعرف عليها من الرواية"، وأضاف حمور متحدثا عن قصة الحب التي جمعت بطل الرواية بالفتاة اليونانية؛ " الحب في الرواية ليس حبا أفلاطونيا، ولكنه ذلك الحب المستحيل؛ فالرواية تدور أحداثها في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان المجتمع في قمة طبقيته، وهي طبقية قامت على أساس ديني وعرقي ومادي، ولكن بساطة الأشياء في الحب جعلت بخيت منديل البطل يقع في حب سيدة أوروبية، تمثل الحضارة والطبقة العليا المسيطرة ، ورغم كل هذه الحواجز، فإن العاشق لم ير غير الحب.

وبسؤاله عن وجود حالة من الانتقام، يقوم بها البطل بعد ضياع هذا الحب، وكيف يستوى الانتقام والعشق والتصوف، قال الكاتب: "يمكن أن يستوى العشق والانتقام، لكن لا يمكن أن يستوي الانتقام والتصوف، وبخيت (بطل الرواية) ينتمي لطبقة لم تختر أي شيء في حياتها ومصيرها، إنما تفرض عليها خياراتها دوما، وهذا ما حدث مع البطل، فبخيت لم يكن متصوفا بالمعنى الكامل، ويمكن القول إن تصوفه كان نتاجا للبيئة ولواقعه المعيش، وعندما مارس العنف والانتقام،  فلأن العنف كان متاحا في مجتمعه، وهو وسيلة الطبقة التي ينتمي إليها للتمرد والتعبير عن الظلم.

وأضاف حمور متحدثا عن شخصية محورية أخرى في الرواية هي شخصية الحسن الجريفاوي، ذلك الثائر الذي تحول إلى جلاد، أن هذا التحول كثيرا ما يحدث في الثورات واللحظات الفارقة، حيث يظن الثائر أنه أصبح صوت الله وسيف الثورة، حدث ذلك في الثورة الفرنسية فتحول الثوار إلى جلادين، وكذلك حدث مع شخصية الحسن في الرواية، هذا الهوس بالقتل أو ما يمكن أن نسميه الموت المجاني، يتكرر إلى يومنا هذا، خصوصا بعد ثورات الربيع العربي. مؤكدا أن هدف أي عمل أدبي هو البحث داخل النفس البشرية ورصد تناقضاتها، وتقديم رؤية متعددة للأشياء والأفعال.

وعن سبب الحضور البارز لابن عربي داخل العمل قال الروائي السوداني إن وجود ابن عربي يرجع إلى كونه أحد رموز التصوف، ولا يمكن أن يكون الأبطال من المتصوفة ولا يذكر ابن عربي، كما إن المهدية فكرة قائمة على الدين وتحديدا على الحديث النبوي الذي يبشر بخروج شخص من سلالة النبي له أوصاف محددة، ولديه كرامات، سوف يولد في مكة، ويعرف بالمهدي، انتظره الناس ليصلح ما أفسده الدهر، لكن هذا الحديث كان يقف عقبة لتحقيق النبوءة، فكيف يظهر المهدي في السودان، والنبي محمد قال إنه سيظهر في مكة، ابن عربي قدم رؤية مختلفة وفهما مغايرا لهذا الحديث، وتحدث عن أن الله لديه أم الكتاب وقادر على أن يغير ويضيف في الأشياء والأوصاف التي أخبرنا بها عن المهدي؛ فالمهدي قد يحمل أوصافا مختلفة غير التي جاءت في الحديث، وهذه مشيئة الله كما شاء أن يغير أو ينسخ آيات من القرآن، ولهذا أصبح ابن عربي من الرموز الأساسية في المهدية.

وبسؤاله عن صورة الآخر الملتبسة داخل العمل، قال حمور زيادة إن الرؤية العنصرية عند الإنسان الأبيض الأوربي تجاه  الأسود الإفريقي، يعرفها العالم جيدا، ولكن المختلف في الرواية هو نظرة الأسود للأبيض، باعتباره غير مكتمل النمو، مؤكدا أن النفس البشرية بداخلها تناقضات كبيرة، وما حدث للسود من احتقار وعبودية كان يمكن أن يحدث للبيض، لو كانت السلطة والقوة في يد السود .

وعن مفهومه للرواية التاريخية، أكد أنه يحق للروائي أن يفعل أي شيء، فهو حر في أن يعيد كتابة التاريخ، أو الالتزام بالسياق التاريخي، فلكل كاتب مدرسة مثلما لكل شيخ طريقة، مؤكدا أنه من مدرسة الالتزام بالأحداث التاريخية الكبرى، وأنه ينتمي إلى المذهب الواقعي الذي يلتزم بالتاريخ، ومن خلاله قدم أفكاره وانحيازاته وتحليلاته للأحداث من خلال أبطال العمل، والرواية هنا تتيح مكانا للمهمشين. وأضاف حمور؛ "دائماً أقول الكتابة التاريخية بيت كامل من الواقع يبني الروائي داخله حجرة من الخيال".

وفي ختام الندوة تحدث حمور عن رؤيته للمشهد الصوفي في الوطن العربي بشكل عام قائلاً:  " أعتقد أن انتشار التصوف في الأدب العربي يمثل هروبا من واقعنا البائس، والتصوف في المجتمعات ارتبط طوال التاريخ بمراحل الانهزام، وفكرة العودة إلى الله والتسليم بالقدر، والمجتمعات التي لم تحدث فيها ثورات علمية وصناعية كبيرة، وتعيش في  حالة ركود كمجتمعاتنا العربية، هي أكثر المجتمعات المهيأة لفكرة الدروشة والتصوف.

حمور زيادة روائي سوداني، حصل عام 2014م على جائزة نجيب محفوظ للرواية عن رواية شوق الدرويش، والتي وصل بها للقائمة القصيرة للبوكر، للكاتب مجموعتان قصصيتان؛ هما: سيرة أمدرمانية، والنوم عند قدمي الجبل، إلى جانب رواية بعنوان الكونج.

حمور زيادة: الحب في شوق الدرويش ليس حبا أفلاطونيا، ولكنه ذلك الحب المستحيل.

حمور زيادة : الأدب يحكي تاريخ المهمشين الذي لم تروه كتب التاريخ.

حمور زيادة: الكتابة التاريخية بيت كامل من الواقع يبني الروائي داخله حجرة من الخيال.

حمور زيادة: الحضور الكثيف للتصوف في الرواية المعاصرة يمثل هروبا من واقعنا البائس.