ندوة: قراءة في كتاب "مدخل إلى القرآن الكريم"

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: قراءة في كتاب "مدخل إلى القرآن الكريم"

في إطار برنامجها ملتقى قراءات الذي تنظمه مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، بصالون جدل الثقافي، الكائن بمقرها المركزي بالرباط، عاصمة المملكة المغربية، نظمت ورشة علمية لتدارس كتاب "مدخل إلى القرآن الكريم" للراحل محمد عابد الجابري، يوم السبت 25 يوليو 2015، شارك فيها كل من الأستاذين محمد إكيج وابراهيم بورشاشن.

الدكتور محمد إكيج قدم ورقته تحت عنوان "مدخل إلى القرآن الكريم: استكشاف أم تشكيك؟ قراءة في كتاب"مدخل إلى القرآن الكريم: في التعريف بالقرآن" للدكتور محمد عابد الجابري"، قرأ فيها كتاب الجابري من زوايا  ثلاث وهي: العريف بالقرآن، ومسألة أمية الرسول، ومحطة القصص القرآني؛ انطلاقا من الأسئلة المفتاحية التالية: هل قراءة الجابري للنص القرآني تشكيكية أم استكشافية استشرافية؟ هل نحن بحاجة إلى البحث من جديد في "التعريف بالقرآن" بعض مضي أزيد من خمسة عشر قرنا على نزوله على النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟ ولماذا اختار الجابري الخوض في مباحث قتلها العلماء بحثا: تأصيلا وتفريعا ومناظرة؟ ما هو المنهج السليم لقراءة القرآن قراءة معاصرة، هل قراءته من داخل النسق القرآني الإسلامي، أم من خارج النسق الإسلامي؟ ولماذا اتجه الجابري إلى البحث عن أدلة احتمال نقص القرآن، ولم يتجه إلى البحث في الأدلة اليقينية الدالة على كماله؟ ألم يكن حريا بالجابري، بدل البحث في هذه القضايا المستهلكة في الدرس القرآني، أن يبحث في منهجية القرآن المعرفية من أجل التأسيس لمنهجية معرفية بديلة أو – على الأقل منافسة – للمنهجية المعرفية المعاصرة المهيمنة والضاغطة؟

ومن خلال مقاربته لهذه التساؤلات خلص الدكتور إكيج إلى الخلاصات المنهجية والعلمية العامة التالية:

- التنويه بعدم اعتبار الجابري للقرآن الكريم جزءا من التراث، بل وحيا إلهيا متعاليا على ما أنتجه العقل الإسلامي،

- انسياق الجابري مع قضايا استشراقية قديمة ومستهلكة،

- ادعاء الجابري لشيء من الوثوقية المعرفية في بعض القضايا التي عالجها في كتابه،

- عدم تمحيص الروايات التي أوردها الجابري في كتابه هذا،

- التسوية بين جميع المصادر التي استمد منها الجابري مادته العلمية حول القرآن الكريم، سواء كانت قديمة أم حديثة إسلامية أم غير إسلامية.

وبعد هذه الملاحظات شرع محمد إكيج في قراءة المحاور الأساسية التي حددناها لهذه القراءة، كما أوردها الجابري في كتابه، وسجل بخصوصها عددا من الملاحظات بعل أهمها حسب إكيج هي أن الجابري لم يأت بجديد في مدخله حول القرآن الكريم ، بل اكتفى بإعادة عرض نفس القضايا التي طرقها عدد من الدارسين العرب والمسلمين والمستشرقين، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال – في تقدير السيد إكيج دائما – أن تحقق القراءة المعرفية المأمولة للنص القرآني، أو أن تقدم الإجابة الملائمة للقضايا الراهنة التي يواجهها العقل العربي والإسلامي.

أما الدكتور ابراهيم بورشاشن فقد اختار لمداخلته "الجابري وابن رشد والكتاب العزيز!" عنوانا، أشار في بدايتها إلى  أن  علاقة الجابري بابن رشد، فيها الكثير من الالتباس، ففي الوقت الذي يرفع فيه الرجل شعار الرشدية، لا نجد له كتابات عن ابن رشد تؤكد أنه كان فعلا رشديا، والكتاب الوحيد الذي أفرده لابن رشد، حسب بورشاشن كان كتابا تعليميا، كتب على هامش كتاب المتن الرشدي لجمال الدين العلوي، أما المداخل التي كتبها للنشرات التي حققها بعض المغاربة فهي مداخل تعليمية أيضا تعبر عن فهم خاص لابن رشد، لم يكن مكانها نشرات نقدية أكب عليها "محققون"، أو "مترجمون" كما هو شأن النص السياسي الرشدي الذي وسم خطأ ب"الضروري في السياسة" قبل أن يصحح في نشرة جديدة أخرجها أحمد شحلان تحت عنوان "جوامع سياسة أفلاطون".

هكذا لا يمكن أن نتحدث، حسب الدكتور بورشاشن، عن رشدية الجابري كما نتحدث عن رشدية جمال الدين العلوي أومحمد المصباحي مثلا، فلم تكن رشدية الجابري "رشدية الفيلولوجي" أو "رشدية الفيلسوف"، بل كانت "رشدية الرؤية".

فقد كان المرحوم الجابري، في نظر بورشاشن، يستصحب رؤية ابن رشد للواقع، وبخاصة "معقوليته"، فقرأ الفلسفة من داخل الفلسفة والبيان من داخل البيان، لكنه لم يقرأ العرفان من داخل العرفان، واعتقد أنه لهذا السبب خلت كتابات الجابري من دراسات أكاديمية رصينة للمتن الرشدي.

انطلاقا من الاعتبارات السابقة دعانا بورشاشن إلى التساؤل: هل احترم الجابري، رحمه الله، رؤيته الرشدية في معالجته للقرآن الكريم؟

وفي معرض مقاربته لهذا السؤال افترض بورشاشن أنه قد يقول قائل ليس لابن رشد قولا في القرآن الكريم حتى نقارنه بقول المرحوم. مجيبا أن القول أنه ليس لابن رشد قولا في القرآن الكريم فليس على إطلاقه، حقا، لا نجد عند ابن رشد مصنفا عن القرآن كما نجد له في الفقه وفي الأصول وفي النحو، لكن السبب هو أن القرآن الكريم من مبادئ الشريعة، وبالتالي لا يجوز إخضاع القول القرآني للتشكيك، كل ما يمكن صنعه أن نعمد إلى القرآن الكريم فنستخرج منه البراهين البسيطة التي تنشئ لنا قولا عقديا يرتفع عن حضيض المقلدين وينزل عن خطاب المتخصصين، ويدرأ عنا تشغيب المتكلمين، وهو ما صنعه في "الكشف عن مناهج الأدلة"، وأن نستخرج من الكتاب العزيز كل الأدلة القرآنية التي تبرز لنا كلا من "دليل العناية" و"دليل الاختراع"، وهما الدليلان اللذان اعتبرهما ابن رشد أكثر الأدلة قوة على وجود الله، دليلان يغنياننا عن الأدلة المعتاصة للمتكلمين. وهذا القول الأخير هو مشروع تحدث عنه ابن رشد وتمنى أن يزاوله، لكن يبدو أن الزمن لم ينفسح لكثير من مشاريعه التي ظلت معلقة.

هذه الرؤية الرشدية، هي التي يدعو ابراهيم بورشاشن، من خلال الورقة التي قدمها للورشة، جمهور الباحثين، إلى البحث في مدى مصاحبتها للجابري في حديثه عن القرآن الكريم، أم أنها تأثرت بمعطيات أخرى سلكت بها سبيلا أو سبلا مختلفة؟