ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
101
2016 )9(
العدد
كما يتوجب على المجتمع الإيماني الفاضل أن يستلهم منوال التوحيد العقائدي في تسيير الشأن العام، لأّنّ فلسفة التوحيد تقوم في
جوهرها على مصادرة التعدد والكثرة، سواء على مستوى الحكم أو القيادات أو الطبقات أوالثقافات. بل إنّ مثل هذه التعددية مجلبة
للفوضى ومصدر للفتنة، حيث تهدد بالتفكك الاجتماعي، كما هو مرئي في التجارب الديمقراطية الغربية. «إنّ المفهوم الأساسي الذي
يعبر عن الأمّة في نظر الإسلامويين هو التوحيد، أي إنكار الطبقات الاجتماعية والتباينات القومية والعرقية والقبلية. فكلّ تمايز هو
.
48
بالضرورة نفي للأمّة، وهو يفضيفي أسوأ الأحوال إلى «الفتنة»»
والمحصلة النهائية هي مصادرة النموذج الحداثي الغربي، الذي كان قد تخلى عن مبدأ الحاكمية الإلهية، وأحلّ الإنسان محلّ الله في الكون،
ومن ثمّة تفعيل البنية الثقافية اللاهوتية، استلهاماً من الثالوث المفهومي: الحاكمية / التوحيد والعبودية، من أجل توحيد المجتمع الفاضل
حول مرجعية متعالية مشتركة، واستئصال ملكات الإرادة والنقد والحرية لدى الإنسان باعتبارها مصدر الاختلافات والصراعات بين البشر.
في مدينة الله المنشودة سيكون معيار التمييز بين الناس التقوى والفضائل الفردية، والتشبه قدر الإمكان بسيرة الرسول والسلف
وطاعة أولي الأمر من الحكام ونبذ كلّ أشكال المعصية والعصيان والتمرد. وبهذا ينتهي مشروع الأسلمة الى «إلغاء المجتمع السياسي.
إذ ما الحاجة إلى المؤسسات إذا كان الناسجميعاً فاضلين؟(...). إنّ قيام مجتمع إسلامي حق سيؤدي إذن إلى اضمحلال الدولة، لأنّه لا
يعود حينذاك من حاكمية إلا بالله، ولأنّ العلاقات الاجتماعية تصبح تعبيراً عن الفضائل الفردية، فلا تحتاج إلى توسط المؤسسات. الغاية
.
49
ليست الدولة، وإنما التقوى، والتقوى ممارسة فردية و»ممارسة اجتماعية»
الخاتمــــــة
انتهتحفرياتنا في منابت العنف، والعنف الديني خصوصاً، إلى تمييزه عن أنماط العنف البيولوجي (الإنسانضد الطبيعة) والصراعي
(الإنسان ضد الإنسان)، وقد ارتأينا تنزيله ضمن براديغم «العنف المقدّس».
وعلى الرغم من يقيننا بأننا لا نضيف شيئاً يُذكر إلى كمّ الدراسات الأنثروبولوجية والسيميولوجية والإثنية والمقارنية ... إلخ، التي
أسهبت في تحليل بنيات هذا العنف وتجلياته ومقاصده، إلا أننا نعتقد أننا نضيف شيئاً ما إلى كلّ هذه الإسهامات المنيرة، عندما نُسمّي
العنف الديني الراهن باسمه العملياتي، ألا وهو «العنف الجهادي».
لقد مكننا الاشتغال على هذا المفهوم العملياتي من فتح آفاق البحثفي هذا الظاهرة المستجدة في عالمنا الحديث، وعدم الاكتفاء بحصر
العنف الديني في مظاهر الصراع بين الأديان (الحروب الصليبية مثلاً)، أو الصراع بين الملل والنحل المنتمية إلى دين واحد (الشيعة/
السنة، أو الكاثوليك/البروتستانت). ذلك أنّ العنف الديني الذي يُسمّي نفسه «الجهادي»، لا يُقيّد مجال حراكه بهذه النزاعات العقائدية
.
50
الجانبية، بل هو يبحث عن منزلة فتحوية (فتحاً مبيناً) /كونية ضدّ العدو الكوني الذي ينازعه السيادة على العالم
يسعى هذا العنف إلى تطهير العالم من الشرو«الطواغيت» العتاة، استجابة لنداء السماء، وتحقيقاً لموعد الخلاص الشامل الذي سيقوده
«المؤمنون»، «المجاهدون»، «الصادقون»، «المنفذون» بوفاء الخطة الإلهيّة المُسطّرة للبشرفي اللوح المحفوظ منذ الأزل.
.74
ـ روا، ص
51 -48
.67
ـ روا، ص
49
ـ «يحلم حَملة راية الله بجلب ملكوت الربّ إلى الأرض كلها، وهم بهذا المعنى يصبحون لاعبين مهمّين على المسرح الكوكبي». انظر: فرانك جي. لتشنر، «الأصولية
50
.582
الكوكبية» في فرانك جي. لتشنر وجون بولي فرانك، ص
سياسات «العنف الجهـادي» ورهاناته




