Next Page  97 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 97 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

97

2016 )9(

العدد

إنّ العودة إلى عقيدة الجهاد المقترن بالتضحية بالآخر (العدو العقائدي) كان وما يزال مظهراً من مظاهر الحياة الدينية وطقساً من أهمّ

طقوسها في كثير من الأديان القديمة. ينخرط فعل الجهاد التضحويفي أفق حرب كونيّة مزعومة بين الشروالخير، بين الأنا والآخر، بين

الدين والدنيا، بين الله والشيطان، لا تعرف توقفاً إلى حين تحقيق المخطط الإلهي في الكون.

بالنعومة والرأفة، بل بالشدة القصوى التي يختزلها شعار الجهاديين من القاعدة وداعش في

33

لا يتحقق المخطط الإلهي في الأرض

. «الدم» يستهدف هدر واستباحة الإنسان المخالف لهم عقائدياً، وحتى المسلم

34

المفردات المرعبة التالية: «الدم الدم والهدم الهدم»

المتراخي والحركات الإسلامية المعتدلة. أمّا «الهدم» فسوف يطال منتجات الحداثة المادية والرموز الثقافية. وباختصار سيكون الإنسان

وحضارته موضوع العنف الجهادي الانتقامي المتحصّن داخل إيديولوجيا لاهوتية حذفية.

ستكون التضحية بالإنسان وبحضارته في مقام العبادة والعقيدة التي سيجازى الفاعلون على إتيانا. والغريب أنّ القبائل الغابرة في

التاريخ كانت قد تخلت عن طقوس التضحية بالإنسان -كما أخبرنا فرويد في الطوطم والحرام- بعد أن أقدم الإخوة على قتل الأب/

الإله، وحين ندموا على فعلتهم هذه، قرروا التكفير عن ذنب القتل هذا بتحريم تقاتل الإخوة، وتحريم زنى القربى (نكاح نساء الأب)،

.

35

والتوحد حول قيم التعاون وتحمّل المسؤولية

إنّ المستغربهنا هو عودة التضحية بالإنسان بشكل مشهديّ صادم، تستعمل فيه أحدثوسائل التصوير والإخراج السينمائي (ذبائح

داعش المصوّرة على اليوتوب). لقد كان من المفترضأن يستبدل طقس التضحية (كبش الفداء)، قتل الإنسان للإنسان، ذلك أنّ الوظيفة

الأساسية للمقدّس الديني هي تحييد العنف، ومقصده أنّ طقوس التضحية المعروفة في كلّ الأساطير إنّما تهدف إلى تحويل العنف من

عنف تبادلي يمارسه الكلّ ضد الكلّ إلى عنف مقدّس ي َُرس ضمن طقوس احتفالية (العيد). يقول روني جرار: «وأنا أضع أوالية

التضحية والفداء كأصل ومصدر لكل الطقوس التي يعتبر مثالها الأوضح كبش الفداء أو طقس الفرماكوسفي اليونان القديمة: عندما

.

36

تحلّ المصائب بمدينة ما تتمّ التضحية بإنسان أو بحيوان محتفظ به لهذا الغرض»

يتخذ الجهاد لدى الأصوليين الجدد طابعاً رمزياً مكثفاً، فالزمن الذي تمارس فيه هذه الحركات نشاطها الجهادي غالباً ما يتمّ

رابعاً:

اختياره وفقاً لمعايير رمزية تتوافق مع أجندات رمزية وتواريخ مشبعة بالرموز الدينية، كما يتلبسطابعاً طهرياً وتضحوياً ومشهدياً، مثيراً

للرعب المراد توصيله وتوطينه في أفئدة «المجتمع الجاهلي».

ـ «إدارة التوحش»

«التوحش» هو الحلقة الثانية في المسار الجهادي، وهو محصلة النكاية والإناك. إنّه توصيف لحالة الفوضى الشاملة التي ستدبّ في

أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا ما زالتعنها قبضة السلطات الحاكمة. ويعتقد أبو بكر ناجي أنّ هذه المرحلة التي ستمرّ بها الأمّة هي

«أخطر مرحلة، فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش، فستكون تلك المرحلة بإذن الله هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة،

.62-61

ـ انظر تفاصيل هذا المخطط «الفتحوي» الرباني في ناجي، ص

33

.34 .

ـ ناجي، ص

34

.187-185

ـ فرويد، ص

35

ـ هناك إذن «أزمة ذبائحية» (حسب عبارة روني جرار) لدى الجهاديين، وتتمثل في غياب كبش الفداء أو البديل الفدائي والقرباني: حيواناً أو زرعاً مثلاً، وتعويضه

36

بالذبيحة الإنسانية. وحين نعود إلى تحليلات فرويد النفسية، سنندهش من عودة التضحية بالإنسان في العصور الراهنة، ونسيان عظة التضامن التي فرضت نفسها على

www.mohamed-sabila.com

:

الإخوة، بعد التورط في قتل الإله. انظر: لقاء مع المفكر روني جرار

سياسات «العنف الجهـادي» ورهاناته