Next Page  98 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 98 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

98

2016 )9(

العدد

.

37

وإذا أخفقنا ـ أعاذنا الله ـ لا يعني هذا انتهاء الأمر، ولكن هذا الإخفاق سيؤدي إلى مزيد من التوحش»

مرحلة التوحش هي المرحلة الانتقالية التي ستنقل المجتمع من طور «الجاهلية» إلى طور الخلافة المنتظر. وفيها ستتمّ تصفية رموز

«الجاهلية»، ودكّ مقومات المجتمع المدني، ولا سيما مؤسسات الدولة وقوانينها، وعادات الشعوب وثقافتها، من خلال عمل تصفوي-

دموي، تتجسد فيه ديكتاتورية المجاهدين والدعاة.

تمثل مرحلة «التوحش» مرحلة انتقالية تقع بين سقوط النظام «الطاغوتي»، وقيام الإمارة الإسلامية. ونفهم من هذا أنّ استراتيجية

الأصوليين الجُدد تتغذى من وضعيات الفوضى والعنف الطائفي، وتفكُك سيادة الدول، والتهجير الجماعي للسكان (الحالة السورية

.

38

والعراقية)

يدعو أبو بكر ناجي إلى افتعال وضعيات «الفوضىالخلاقة، وتكثيفوتيرة الرعبفي نفوس المدنيين، وقطع الإمدادات الحيوية عنهم،

وتحميل العدو مسؤولية الكارثة، ثم الظهور - فيما بعد- بمظهر المنقذ من الموت المحقق، وإجبار السكان البائسين/اليائسين على الحياة

.

39

داخل إمارات إسلامية، تؤمّن لهم الحماية والإعاشة»

تقوم استراتيجية التوحش على التسويق الإعلامي والمشهدي الواسع لمشاهد القتل المروع للأعداء، في سياق الحرب النفسية المعروفة

في الحروب غير المتوازنة، لا سيما تلك التي تضع فئة أو خلية أو جماعة قليلة العدد أو عصابات في مواجهة مع الجيوش النظامية. ولهذا

تبتكر هذه الجماعات - في غياب التوازن العسكري- أساليب من الترهيب والترويع على غرار قطع الرؤوس، والذبح والسحل وتقطيع

الأوصال، وإخراجها سينمائياً باعتماد تكنولوجيا عالية التقانة.

يستمد العنف الجهادي شرعيته المذهبية والتاريخية من نماذج التقتيل المريع التي مارسها السلف طوال التاريخ العربي-الإسلامي في

فترات الردّة بالخصوص، ويذكر ناجي أنّ القبائل التي ارتدت عن الإسلام بعيد وفاة الرسول، ورفضت دفع الزكاة والامتثال لأوامر

الخليفة أبي بكر، جُوبهت بغلظة قتالية متوحشة، أجبرتها على الخضوع للسلطة الجديدة، «حتى أنّ الصديق وعلياً بن أبي طالب ـ رضيالله

.

40

عنهما ـ مارسا التحريق بالنار، على الرغم ممّا فيه من كراهة، لمعرفتهم بأثر الشدة المغلظة في بعض الأوقات عند الحاجة...»

.4

  ـ أبو بكر ناجي، ص

37

  ـ سياسة التوحش هي اختراع ما أصبح يُعرف «بتنظيم الدولة ألإسلامية»، يتمايز هذا الكيان من حيث استراتيجية التمكين عن تنظيم القاعدة، «فتنظيم القاعدة

38

حصر أولوياته في محاربة الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية بالذات، وإخراج قواتها من الجزيرة العربية، وقتل اليهود والصليبيين(...)، بينما أراد «تنظيم الدولة»

استغلال حالة الانهيار الذي تعيشه المنطقة، وضعف الحكومات المركزية، وتعاظم التدخلات العسكرية الغربية، وغياب السيادة الوطنية، وتعاظم الاستقطاب الطائفي،

واستفحال الغضب الشعبي نتيجة لسياسات التهميش والإقصاء، لإقامة دولة وفق مقاساته الإيديولوجية. ربما تكون الحاضنة الإيديولوجية «للدولة الإسلامية» أي التيار

السلفي الجهادي العالمي، القاسم المشترك مع القاعدة، فهناك أصول مشتركة جامعة، مثل مبدأ «الحاكمية» (أي تحكيم الشريعة الإسلامية وتطبيقها تطبيقاً محكماً مثلما

كان عليه الحال في دولة المدينة)، والكفر بالطاغوت (تكفير كلّ الأنظمة التي لا تطبّق الشريعة)، والولاء والبراء (الالتزام المطلق بالجماعة المسلمة الموحدة والبراء من

الكفار والمشركين والمرتدين)، والانطلاق من الدعوة النظرية للإسلام والعقيدة إلى الجهاد المسلح كأداة للتغيير وتحقيق الأهداف وأبرزها فرض الشريعة والقضاء على

الطواغيت. ولكن هناك فروقات كثيرة، وأبرزها إعطاء الدولة الإسلامية الأولوية للتغيير المجتمعي تغييراً جذرياً، واستخدام «التوحش»، بل والإفراط فيه لتحقيق هذا

.10

التغيير وفقاً للإيدولوجيا الجهادية، وعدم التفريق بين الطواغيت والاستعمار الغربي الكافر». انظر، عطوان، ص

.18-17

  ـ ناجي، ص

39

.31

  ـ ناجي، ص

40

مصطفى بن تمسك