Next Page  17 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 17 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

17

2016 )9(

العدد

الهمجيّة هي الحرب، فإلى أين مصيرها؟

، وسيعتبرني

11

قد يستغرب القارئ لو قلت له: إنّ زمن الحربقد و ّ، وإننا نطأ بأقدامنا عتبة (عالم السلام)، ونحقق علم الله القديم فينا

بعضهم مسفاً في التفاؤل أو غير واقعي، بل قد يرى البعض أنني أتكلم ضد التاريخ وأحداث العالم، نعم قد يختلط هذا الأمر على كثير

من الناس وهم يسمعون طبول الحرب ويرون فرقعات السلاح في أرجاء المعمورة، ولكنّ الغوص الصبور والتأمل الفاحصفي بطن

الواقع، سيكشف الغطاء عن بصيرتنا؛ أنّ هذه المظاهر هامشية وجانبية أمام زخم التدفق العام لحركة التاريخ، فهذه الفرقعات هي بقايا

فلول جيش منهزم أو محتضرفي سكرات الموت، فالعالم الآن رأسه في عالم السلام وقدماه ملوثتان في برك الدم وهو يخرج منها، فدماغه

مع العهد الجديد، وأطرافه مازالت في العهد القديم، وعدم تصديق هذا التحول النوعي الجديد يأتي من عدم حضور العالم و(شهود)

ما يحدث فيه، والكهنة (الجدد) للعالم الصناعي يدركون تماماً أنّ سحرهم قد بطل، وأنّ أصنام القوة لا تضرولا تنفع، ولكنهم يحاولون

احتكار الامتيازاتفي العالم الجديد حتى الرمق الأخير.

مازلت أتذكر حديث الدكتور كامل في ظروف الصراع في البوسنة، وهو يهز رأسه متألماً على وضع مدينة (جروزني) وهي تتحول

إلى أنقاض ويتصاعد منها رائحة البارود وتسقط في بركة دم. وعقّبت زوجه قائلة: يحق لهم أن يدافعوا عن أنفسهم؛ فالروس سمحوا

باستقلال الكثير من الجمهوريات، فلماذا يحرمون منها الشيشان؟

إنّ صورة الدمار والحروب في بؤر التوتر والنزاع تشوش البانوراما (الصورة الشمولية) التي رسمناها عن مصير الحرب وزوال

ألف قتيل ومليوني معاق وستة ملايين

470

المؤسسة العسكرية، فماذا نقول عن مذابح راوندا والبوسنة؟ وحالياً سورية التي خلفت

مليوناً من الأنام في تفريغ ديموغرافي للسكان فاق ما فعلته الصهيونية في أرضفلسطين؟

12

طفل بدون مدارسونزوح وهربوتهجير

ماذا نقول عنصراع أذربيجان والأرمن؟ والحرب الأهلية في الصومال وأفغانستان؟ بل ماذا نقول أمام شهادة (ويل ديورانت)، وهو

المؤرخ الحجّة في التاريخ، الذي يقول في آخر كتابصدر له: «الحرب أحد ثوابت التاريخ لم تتناقص مع الحضارة والديموقراطية، فمن

) سنة

268(

) من التاريخ المسجل لا توجد سوى

3421(

بين السنوات الإحدى والعشرين بعد الثلاثة آلاف والأربعمائة سنة الأخيرة

. فعلى حساب ديورانت المذكور يصبح تاريخ الجنس البشري في غاية الظلام والإحباط، لأنّه مع كل دورة أربعة عشر

12

بغير حرب»

عاماً في التاريخ تلطخ ثلاثة عشر عاماً منها بالدم الإنساني، وسكت منجل (عزرائيل) ملك الموت سنة واحدة فقط!! فإذا أخذنا هذه

الصورة القاتمة فإنا لم تكن الوحيدة من مآسي التاريخ المروعة، وجعبة التاريخ ملأى، من مثل تدمير حضارة الأزتيك في المكسيك على

حيث كشف النقاب بعد مرور خمسة قرون، ومن خلال

13

النحو الذي رسمه (تزفيتان تودوروف) في كتابه (فتح أمريكا مسألة الآخر)

) مليون نسمة كانوا

100(

استنطاق النصوص التاريخية نفسها للغزاة الإسبان (المبشر لاس كاساس) عن إبادة ثمانين مليون من أصل

يعيشون في الأمريكيتين، تمّت إبادة معظمهم على يد الإسبان والبرتغاليين . أم ماذا نقول عن حصار قرطاجنة وذبح معظم سكانا على

قبل الميلاد وحمل من تبقى منهم عبيداً إلى ساحات المجالدين لتسلية الرومان المتخمين؟ أم ماذا نتكلم عن تراجيديا

164

يد الرومان عام

شعب (الوبيخ) من شعوب شمال قفقاسيا المجاورة لمنطقة الشيشان الحالية، الذي لم ينقل إلينا خبره إلا رجل واحد فقط، سجّل النهاية

، بحيث تنقل لنا بوضوح مآساة شعوب شمال قفقاسيا في منتصف القرن التاسع

14

المروعة لذوبان أمّة بأكملها في قصة (آخر الراحلين)

  ـ تأمل الحوار بين الله ـ جل جلاله ـ والملائكة في سورة البقرة، فالإنسان في نظر الملائكة متهم بأنه مجرم ومخرب (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، في

11

حين رأى الله تعالى فيه كائناً آخر (إني أعلم مالاتعلمون).

.155

  ـ دروس التاريخ، ول واريل ديورانت، ترجمة علي شلش، دار فكر، ص

12

143

  ـ فتح أمريكا مسألة الآخر، تزفيتان تودوروف، سينا للنشر، ترجمة بشير السباعي، ص

13

  ـ آخر الراحلين، رواية قفقاسية، باغرات شينكوبا، ترجمة ونشر محي الدين سليق.

14

بين الهمجيّة والحضارة، مصير الإنسان ... إلى أين؟