Next Page  116 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 116 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

116

2016 )9(

العدد

حورية الخمليشي

ونجد أنّ هناك نزعة متوارَثة عند الإنسان في عشقه للأساطير والنظر إليها بروح العصر، فمنها نستقي رموزاً خصبة للتعبير عن

حياتنا الإنسانية والفكرية والفلسفية والحضارية وفق رؤية فنّية وجمالية في الأدب والفن. ويرى المؤرّخون أنّ الأساطير ليست في

أصلها إلا تاريخ البشرية الأولى الممزوج بالخيال الإنساني. وقد نشأ الشعر العربي وغير العربي في أحضان الأساطير اليونانية والفينيقية

والبابلية والفرعونية وغيرها. وما يهمّنا هنا من موضوع الأسطورة هو رمزيتها الإبداعية في جانبها الحضاري الإنساني الذي يتّصل

بأعمق مكوّنات الأمم ومشاعر الناس. وهو سر العلاقة الوطيدة التي تربط الشعر بالأسطورة في الملاحم الشعرية البابلية والرومانية

والإغريقية والصينية وغيرها.

وقد حاولت النظريات الميثولوجية البحث عن الأسطورة وأبعادها الفكرية والفلسفية ودلالاتها الرمزية المنفتحة على تعدد المعنى.

فقد شغلت الأساطير منذ القديم الفكر الإنساني في بحثه عن أسرار الحياة والطبيعة ونشأة الأديان في محاولة فهم القدماء لمغزى الحياة

والحقيقة والحكمة. ويرى يونغ تلميذ فرويد أنّ الأسطورة ترجع إلى «اللاشعور الجمعي» أي أنا تعّ عن أحلام المجموعة وليس الفرد،

خلافاً لفرويد الذي يُرجعُها إلى «اللاشعور الفردي». فالأسطورة تاريخ شفاهي لمرويات تضمّ مزجاً بين الحقيقة والخيال في تفسير

الظّواهر الطبيعية للشعوب البدائية.

لعل أسطورة جلجامشأقدم أسطورة عرفها التاريخ الذي يرجع إلى بلاد سومر أي ما يسميه المؤرخون ببداية التاريخ الذي يعني

نشوء المراكز الحضارية في حضارات الشرق القديمة كحضارة الرافدين. سنتناول ملحمة جلجامشلأنّ الملحمة الشعرية، كما يرى

طه باقر، تستند في أساسها إلى أحداث تاريخية واقعية وأبطالها بالدرجة الأولى من البشر أو أنصاف الآلهة في تواصلهم مع الناس،

كما هو الشأن في ملحمة جلجامش، بخلاف الأساطير التي هي نتاج الخيال الأسطوري. لكنها كانت الوعي الأول للمجتمعات

القديمة بين عالم الآلهة وعالم البشر. وتأتي أحداث ملحمة جلجامش بين عالم الإنسان والحيوان وبين عالم البداوة وعالم التّمدّن

والتّح ّ.

فملحمة جلجامشسلّطت الضوء على العديد من القضايا والمواضيع التي ما زالت إلى يومنا هذا تثير الكثير من النقاشات. وهي قصة

تطوّر الإنسان وتمدّنه وتح ّه وانتقاله من الوجود الفردي إلى الوجود الجماعي والميل إلى الحياة الاجتماعية.

وتكمن مشكلة جلجامشفي همجيته وعدم تح ّه وفي سلوكه العدواني مع أفراد شعبه. كان جلجامش رغم جماله وقوته، كما تصفه

الملحمة، كان متسلّطاً على الناس كالثور الوحشي. لكن سفره في البحث عن الخلود مكّنه من تغيير سلوكه بعد اكتشافه سرّ الحياة،

وسيكتشف مع صديقه أنكيدوسرّ الإنسان.

يقول طه باقر في ترجمته العربية لملحمة جلجامش إنّ القارئ لهذه الملحمة «سيدرك المكانة العالمية الخطيرة التي تشغلها ملحمة العراق

الخالدة والشهرة الواسعة التي تتمتّع بها في جميع أنحاء العالم المتمدّن، ممّا جعلها تضاهي شوامخ المآثر الأدبية العالمية. وإذ قد نالت هذه

المكانة في العالم المتمدّن فأخلق بها أن يطّلع عليها أبناء البلد الذي أنتجها، لتضاف إلى تلك المفاخر الكثيرة التي تميّز تراثهذا البلد، ذلك

التراث الذي أثرى الحضارة البشرية بإنتاجه الحضاري وإبداعاته الخلاقة فأسهم في التقدّم البشري منذ أقدم عهود التاريخ وفي مختلف

. ويرى طه باقر الذي ترجمها من لغتها الأصلية أنّه ليس هناك ما يضاهي ملحمة جلجامش من آداب الحضارات

2

أدواره الحضارية»

القديمة إلا الإلياذة والأوديسة التي تفصلها عن ملحمة جلمامش ثمانية قرون.

file:///C:/Users/pc/Downloads/the_epic_of_Gilgamesh.pdf .23 .

ـ ملحمة جلجامش، ترجمة طه باقر، كتاب إلكتروني، ص

2