ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
114
2016 )9(
العدد
*
حورية الخمليشي
إشكاليّة الهمجيّة والحضارة لها جذور قديمة. وهي من أكثر المواضيع إثارة للجدل في زمننا المعاصر. فتسميات الهمجيّة والعدوانيّة
والإرهابوالتطرّفوالعنصريّة تطالعنا كلّ يومفيوسائل الإعلام المسموعة والمرئيّة. وقد بدأ هذا المصطلح ينمو وينتشرنتيجة لتصرفات
الأفراد التي تنمّ عن تجليات عدم التح ّ. إنّ السلوك الهمجي إيديولوجياً يؤدي إلى نشر ثقافة الكراهية، إلى درجة أنّ الإقناع لم يعد
ممكناً. وطفت كلمة الهمجيّة إلى السطح بحدّة، خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي عدّها بعض المحللين بأنا معركة بين
الحضارة والهمجيّة. وقد وردت على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش. كما وصفمجلس الأمن هجمات باريس بالهمجيّة والجبانة.
والهمجيّة مصطلح قديم اتخذ مفاهيم جديدة ارتبطت بالمجتمعات الحديثة، لأنّ اللغة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسة والتاريخ
يرى أنّ الحضارة بلغت أقصى درجات الوحشيّة لما لحق العالم
Albert Camus
والإيديولوجيا المهيمنة في كل الأزمنة. كان ألبير كامو
من تدمير وعنف وإرهاب بعد أحداث هيروشيما. فوصف القرن العشرين بـ«قرن الخوف والقلق». وأقوال ألبير كامو تعكس وضعنا
الراهن، حيث تفاقم الخوف ووحشية التدمير والظلم والقتل.
لكن الهمجيّة أيضاً نظرة عنصرية تحملفيطياتها الشعور بالتفوّق والتميّز، الذييحمل نظرة دونية إلى الآخر. وهي فكرة استعمارية، أي
حينما تمارس الدّول المستعمرة سيطرتها الثقافية والسياسية على الشعوب المستضعفة وتنظر إلى ثقافتها بازدراء. فهمجيّة الشرق وحضارة
الغرب كانت موضوعاً خصباً للمبدعين والروائيين العرب في عصر النهضة الأدبية، حينما كان الغرب يرى أنّ الشعوب العربية تغلب
عليها البربرية والهمجيّة والبدائية، بمعنى أنا شعوب غير متح ّة.
للهمجيّة والحضارة تاريخ طويل، تتغّ مفاهيمهما من زمن إلى آخر، وترجع إلى عصور ما قبل التاريخ. لكن يجمع المؤرخون على أنّ
الهمجيّة في أطوارها التاريخية تدمير لعقل وروح الإنسان، في حين أنّ الحضارة هي التي يرتقي بها الإنسان ويسمو. والحضارة مرتبطة
بالثقافة التي بها تتقدّم الأمم وتزدهر وتدوم.
لكن ما تجليات الحضارة التي تباينت تعاريفها واتّسعت مفاهيمها؟ إذ لا نكاد نجد رؤية موحّدة للدلالة المصطلحية، وإن كانت قد
وردتفي «لسان العرب» خلافاً للبداوة، فإننا غالباً ما نجد الحضارة ترتبط بالمدنية والثقافة. وفي المعاجم الفرنسية ارتبطتكلمة الحضارة
بالثقافة. في كل الأحوال يبقى مفهوم الحضارة مقياساً لمستوى الإدراك وشاهداً على معطيات الأمم والشعوب. ويروي صاحب «قصة
الحضارة» ويل ديورانت أنّ الحضارة نظام اجتماعي يساعد الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي. فالحضارة عنده تبدأ حيث ينتهي الخوف
والقلق. لأنّ تحرير النفسممّا يعتريها من اضطراب من أهمّ عوامل الإبداع والإنشاء. إذّاك يبدأ الإنسان رحلته في فهم الحياة وازدهارها.
الهمجيّة والحضارة في الرمزيّة الميثولوجيّة
من خلال ملحمة جلجامش
أكاديمية من المغرب
*




