مجلة يتفكرون - العدد التاسع

120 / 362

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
120
2016 )9( العدد
والجميل أنّ جلجامشلم يحقّق انتصاراته إلا مع أنكيدو، وهذا دليل علىحضور الآخر المختلففيحياتنا. وهنا تكمن المعاني الإنسانية
للملحمة في العلاقة مع الآخر، والمتجسّدة في المرأة التي نقلت أنكيدو من عالم الصيد والتوحّش إلى عالم التمدّن والحضارة، وكذلك في
أنكيدو الذي نقل جلجامش من عالم القوّة والتّسلّط إلى عالم تسوده المحبّة والصداقة العميقة. معنى هذا أنّ الإنسان لا يولد إنساناً، بل
يكتسب إنسانيته من خلال علاقته مع الآخر المختلف، والاختلاف هنا ليسخلافاً ولكنه تكامل.
وهكذا نجد أنّ هناكصراعاً قوياً بين الهمجيّة والحضارة في الرمزية الميثولوجية، الهمجيّة القائمة على العداء والانتقام وحبّ السيطرة
ّ على كافة المستويات. لذلك كان حضور الأساطير والملاحم والتملّك والانتقام، والحضارة القائمة على التّطوّر والتّمدّن والتّح
الشعرية عاملاً جوهرياً في كل الحضارات الراقية، لأنّا إبداع متّسع الآفاق تحكي قصة الإنسان القديم في سعيه إلى الانتقال من سلوك
ّ سواء في ملحمة جلجامش أو غيرها من الملاحم الخالدة. فكلّ الملاحم تدور حوادثها حول الصراع التوحّش إلىسلوك التّمدّن والتّح
بين الأبيض والأسود، والهمجيّة والحضارة، والشر والخير، لما تمتلكه الأسطورة من مستقبل الرؤية والبحث عن المجهول واللانائي.
وكم نحن بحاجة إلى أخذ العبر من هذه الأعمال العظيمة في زمن تفاقم فيه العنفوالعدوانية وأعمال التدمير والنهبوحمّامات الدم التي
ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا!
حورية الخمليشي