ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
117
2016 )9(
العدد
ملحمة جلجامش (أو ملحمة كلكامش) عمل أدبي ضخم.
لوحاً طينياً.
11
فهي ملحمة سومارية كُتبت بخط مسماري على
والألواح مكتوبة باللغة الأكادية بتوقيع نيقي نونيني، ويرجح
في موقع
م
1858
أنّه كاتب الملحمة. وقد اكتُشفت لأول مرّة عام
أثري كان هو المكتبة الشخصية لملك مثقّف، وهو الملك الآشوري
أشور بانيبال في نينوى في العراق والذي ترك مكتبة تؤرّخ لزمنه
وللأجيال القادمة. وفي هذه المكتبة تمّ اكتشاف ملحمة جلجامش.
وجلجامشهو خامسملوك مملكة أوروك السومرية نصفه إله ونصفه بشر. فقد كانتوالدته الإلهة «ننسون»، وكان والده الملك «لوكال
باندا» بشراً فانياً. يدرك جلجامش بسببجزئه الفاني أنّه لن يكون خالداً. أدرك المُلكوهو في مقتبل العمر، فاتسم عهده بالظّلم والاستبداد
والقسوة. ونظراً لشكوى الناس ارتأت الآلهة أن تجد لهم مخرجاً من ظلم جلجامش بخلق رجل وحشي ليكون ندّاً له ويدخل معه في تنافس
يُلهي الملك عن ظلم رعيته وهو أنكيدو الرجل الوحش الذي يُغطّي الشّعر الكثيفجسده والذي يعيشحياة البراري مع الحيوانات، وهو
ّ بعد أن انتقل السومريون من الحياة البدائية إلى حياة الزراعة والعمران.
ما يرمز إلى حياة التوحّش وحياة التمدّن والانتقال إلى التّح
كان أنكيدو حريصاً على الحيوانات من مصيدة الصيادين فرفعوا أمرَهم إلى الملك جلجامش الذي أمر إحدى خادمات المعبد (وكان
اسمها شامات تعمل في معبد الآلهة عشتار) بإغراء أنكيدو وترويضه على تعلّم الحياة المدنية وكيفية الأكل واللّباس وشرب النّبيذ وإخباره
بقصة جلجامش وبطشه وجبروته ودخوله بالعرائس قبل أزواجهن. فقرّر أنكيدو أن يصارع جلجامش كي يجبره على ترك عاداته، لكن
الصراع ينتهي بغلبة جلجامش؛ فيصبح الاثنان بعدها صديقينحميمين. واتفقا معاً على محاربة التوحّشوالشر المتمثل في الغابة. فقال أنكيدو
لجلجامش«هيا نمسح الشرعن وجه الأرض». فانطلق الاثنانفي مغامراتلم ترضالآلهة التيحكمتبالموتعلى أنكيدو. فحزنجلجامش
حزناً شديداً على صديقه وخاف من حقيقة الموت بعد أن أدرك أنّ الخلود فقط للآلهة، فقرّر الرحلة من أجل البحث عنسرّ الخلود.
وفي رحلة بحثه التقى بسيدوري إلهة النبيذ، فنصحته بأن يعيش حياته سعيداً ويقوم بأعمال الخير بدل أن يقضيحياته في البحث عن
الخلود. إلا أنّ إصرار جلجامش جعل سيدوري تُرسله إلى أوتنابشتم. الإنسان الوحيد الذي توصّل إلى تحقيق الخلود. والذي يرى
المحلّلون أنه شبيه بشخصية نوحفي الأديان السماوية. وبعد حصوله على نبتة الخلود السحرية يقرّر العودة إلى أوروك. إلا أنّ أفعىسرقت
منه النبتة وأكلتها أثناء استحمامه في النهر. وفيطريق العودة وهو خالي اليدين يشاهد السور العظيم الذي بناه حول مملكته فيفكّر بأنّ عملاً
عظيماً كهذا السور يمكن أن يخلّد اسمه. وهكذا بدأ جلجامش يقوم بأعمال الخير التي تصنع حضارة مملكته وتصنع له خلوده. ورغم
اتفاق العديد من المحلّلين على أنّ جلجامش عاد خالي اليدين، إلا أنه في نظري بعد هذه الرحلة يجسّد النموذج الأمثل لبداية التّمدّن
ّ الإنساني. وقد دعا جلجامش إلى إزالة
ّ الإنساني، أي لوعي الإنسان بتغيير سلوكه من التوحّشوالهمجيّة إلى التّمدّن والتّح
والتّح
الحواجز والمساواة بين الناس بالحق في الحياة والخلود. فليس هناك من يفنى ويموت وآخر يعيش أبد الدهر في رحلة بحثه المضنية، وقد
تولّدت لديه الرغبة في أن يعيد إلى شعبه الشباب الدائم بنبتة الخلود السحرية ليكفّر عما اقترفه من ظلم وجرائم في حق شعب أوروك.
:
3
وقد جاء في اللوح الأول من ملحمة جلجامش
هو الذي رأى كلشيء فغنيّ بذكره يا بلادي
file:///C:/Users/pc/Downloads/the_epic_of_Gilgamesh.pdf .29-28 .
ـ ملحمة جلجامش، ترجمة طه باقر، كتاب إلكتروني، ص
3
الهمجيّة والحضارة في الرمزيّة الميثولوجيّة من خلال ملحمة جلجامش
تجسّد الأساطير والملاحم الشعرية برمزيتها
قصّة الإنسان الأولى في انتقاله من سلوك
الهمجية إلى ثقافة الحضارة. كانت العقائد
ًوالديانات تعكسجوهر الحضارة الإنسانية
السائدة، فشكّلت تراثاً جمعيا




