ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
123
2016 )9(
العدد
في فلك تلك الإشكاليات تدور المباحث الثلاثة المكوّنة للبحث؛
ففي الأوّل نتساءل عن الحدود القائمة بين المتوحش الحوشي
ّ المحتضر، وفي التساؤل إيحاءات بضرورة إعادة صياغة
والمتح
المفاهيم والمصطلحات والنأي عن الانغماس في الدلالات السائدة
التي تحول دون إماطة اللثام عن حقائق الأشياء، وهو ما نسعى
إلى إبرازه في المبحث الثاني الذي نتطرق فيه إلى مآزق المباحث
l`évolutionnisme
الأنتربولوجية - لا سيما مع المدرسة التطورية
- في معالجتها لدلالات ثنائية الهمجي- البدائي/ المتح ّ. أمّا
ّ
المبحث الثالث ففيه نعرّج على خصائص ثنائية الهمجي/ المتح
في مباحث الأنتربولوجيا البنيوية، وفي ثنايا هذا المبحث نكشف عن
بعضمظاهر انشداد الأنتربولوجية البنيوية إلى التصنيفات الكلاسيكية وعجزها عن الخروج من أسيجتها التي تحكّمتفي بنية الفكر الغربي.
أ. وجوه الواو المتعدّدة
الهمجي/ المتح ّ، الوحشي/ المتمدّن،... ثنائيات تقوم بالأساس على مقابلة الضدّ للضدّ، ولكنْ بين الضدّ والضدّ تقبع صورتان
متباعدتان، وهما: صورة الإنسان (المتح ّ) وصورة من امتلكخصال الإنسان جسداً وشكلاً دون أنْ يبلغ مرتبة الإنسان فكراً وعقلاً.
ّ تقابلها ثنائية الحُوشي والمُحتضر، ولكلّ طرف من أطراف كلّ زوج الحقل الدلالي الذي يتحرّك فيه، ففي
ثنائية المُتوحّش والمُتح
هـ) نقرأ في مادة (ح، و، ش) «الحُوشُ بلاد الجنّ [...] الحُوشِيّة [...] هي الإبل المتوحّشة [ولكنّ
711
لسان العرب لابن منظور (ت
.
4
الحوشيّ أيضاً هو] الرجل [الذي ...] لا ُالط الناس ولا يألفهم [...] ويقال فلان يتتبّع حُوشيّ الكلام [...] الغريب المشكل منه»
ٌََ و َْضُورٌ فغطّه أي كثير الآفة يعني
وفي المقابل كانت المعاني التي تتصل بمادة (ح، ض، ر) عديدة، منها أنّ «العرب تقول: اللبن ُْت
َُِ المريض
يحتضره الجنّ [أيْ الحيّة] والدواب [و] غيرها من أهل الأرض[... وأرض] محتضرة أي يحضرها الجنّ والشياطين [...] وح
.
5
َُِ إذا نزل به الموتُ»
واحْت
الحُوشيّ هو المُتوحّش، ولكنّه أيضاً - وذاك حاله في أغلب الأحايين - الغريب الذي نأى بنفسه عن الجماعة الطالب للوحدة، وهو
ّّ
ّ الاجتماع، اجتماع ينبِئ بال
صاحب أقوال لم تألفها الجماعة دون أنْ تكون أفعاله وأقواله مجال استهجان، وفي المقابل يكون التح
(الجنّ، الشياطين)، وهي على صلة وطيدة بالموت (احتضر).
ولا غرو في ذلك، ففي الأساطير الشرقية القديمة وفي النصوص الدينية تساوق الموت والعمران، من ذلك إقرار «العهد القديم» في
الراعي.
Abel
المزارع لأخيه هابيل
Cain
«سفر التكوين» أنّ تسابق الأخوين قايين وهابيل في مرضاة الله انتهى إلى قتل قايين
، أوّل عمل يقوم به بعد طمر الأخ في
6
تخليداً لاسم نجله
Enoch
وما يلفت الانتباه أنّ الرّاوي جعل من بناء القاتل مدينة حينوك
التراب، فإذا باليد التي بنتهي التي قتلت بالأمس الأخ. وبين الأمسواليوم فاصل زمني يؤكد أنّ وجود العمران متّصل أشد الاتصال
.187-186
، مادة (ح، و، ش)، ص ص
2
، مج
1997 ،
، بيروت لبنان
1
ـ ابن منظور الإفريقي (أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم): لسان العرب، دار صادر، ط
4
.103
ـ المرجع نفسه، المجلّد نفسه، مادة (ح، ض، ر)، ص
5
.18-17/4
، سفر التكوين
1999 ،
ـ الكتاب المقدّس، كتاب الحياة، المؤسسة العالمية للكتاب المقدّس، لندن إنجلترا
6
َِ المقاربات الأنثربولوجية وتصنيفها للثّقافات والشّعوب
الواو الساكنةُ بين الحُوشيوالمُحت
الهمجي/ المتح ّ، الوحشي/ المتمدّن،...
ثنائيات تقوم بالأساس على مقابلة الضدّ
للضدّ، ولكنْ بين الضدّ والضدّ تقبع
صورتان متباعدتان، وهما: صورة الإنسان
(المتح ّ) وصورة من امتلكخصال
ًالإنسان جسداً وشكلاً دون أنْ يبلغ مرتبة
الإنسان فكراً وعقلا




