Next Page  125 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 125 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

125

2016 )9(

العدد

فقيرة راضية بما كُتب عليها ولها، وليستجحافل الهاربين من الموت الراكبين قوارب الموتفي البحر الأبيض المتوسط. الهمجيّة لها وجه

آخر يتجلى في صورة ذلك الإنسان -عفواً ذلك فحسب- الذي غزا السماء ووطِئَ القمر، ذاك الذي فَقَدَ الشعور بأنّ الحياة هبة الله

للإنسان، ذلك الذي اعتدّ بالنفس وآمن بأنّه العارف بما لم يعرف الآخرون.

ّ توأمان في الصورة والشكل، ولكنّهما مختلفان في الثقافة، خّ الأوّل أنْ يبقى في

وبناء على ذلك نقول إنّ ذاك الوحشي وهذا المتح

البراري والفيافي وأنْ يقيم في الأدغال. وأمّا الثاني فبنى العمران وشيّد الدور ونظّم الأدوار وارتدى المخيط، فكان الانتقال من الفطرة

إلى التمدّن الفيصل بين التوحّش والتح ّ.

ولكنّ الوحشي هو الحوشي، هو الذي يأتي ما لا نرغب فيه، ويفعل ما لا نريد، ويقول ما لا نريد سماعه، هو الآخر الذي لا يحب ما

نحب ويلبسما لا نلبسويأكل ما لا نأكل، هو الآخر والآخرون الذين يظل وجودهم محرجاً لنا، لأنّه يؤدي إلى التساؤل: ما الذي يجعل

من معتقداتنا وثقافتنا وعاداتنا صواباً؟

ب. عقم التصنيفات التي انتهت إليها المقاربات الأنثربولوجية الكلاسيكية

. وخير مثال على ذلك ما رافق المقاربات

10

انتهت الدراسات الأنثربولوجية إلى تفضيل ثقافة التمدن على ثقافة البدائي أو المتوحّش

الأنثربولوجية المختلفة من توظيف للمقارنة. فقد ا ّذت الأنثروبولوجيا من دراسة المجتمعات الإنسانية على اختلاف أنماطها مجالاً لها،

وقد أدّى ذلك إلى اتّساع دائرة البحث الأنثربولوجي الذي عمد إلى تفحص أساليبحياة المجتمعات ولغاتها وتبّ ما بينها من الفوارق

.

11

والاختلافاتفي مستوى العقائد والتقاليد

وفي هذا السياق المعرفي تعدّدت المقاربات الأنثربولوجية التي رامت فهم ماهيّة الإنسان من منطلقات متباعدة، على أنّ الجامع بينها

اعتمادها المقارنة أسلوباً في البحث، وسعيها إلى تصنيف الثقافات وفق خصائص تميز بعضها من بعض، وهو ما أدّى إلى اتّساع الحقل

الدلالي للأنثربولوجيا.

لقد أثّر إقدام مباحث الأنثربولوجيا على استعارة جملة من المفاهيم والتصوّرات من العلوم الإنسانية والاجتماعية في بنية المقاربات

والقضايا التي تشتغل عليها. ورغم وجود حدود تميّز الأنثربولوجيا من الاختصاصات التي تدور في فلكها أو

12

الأنثربولوجية

تلك التي تتقاطع معها في العديد من المباحث، فإنّه في كثير من الأحايين ُيت الحدود الفاصلة بين الأنثربولوجيا والأثنوغرافيا

. ومأتى ذلك تقاربها في مستوى آليات البحث واشتغالها على المباحث نفسها، وإنْ تباعدت أهدافها وغاياتها.

13

والأثنولوجيا

ـ إنّ هذا التصوّر هو الّذي غذّى المدّ الاستعماري في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.

10

11. Strauss (Claude Lévi): Anthropologie structurale, edition Plon, Paris, 1962, p 911-

ـ راجع في شأن الحدود بين علوم الاجتماع والعلوم الإنسانية.

12

Piaget (Jean) (1896 -1980): épistémologie des sciences de l’homme, Ed Gallimard, collection idées, Paris, 1972, P 13

«La situation des sciences de l`homme dans le système des sciences»

يُعنى هذا العلم بالنظر في أساليب الحياة والتقاليد والعادات، وهو ما دفع بالبعض إلى اعتبارها فرعاً من فروع

Ethnography -L’ethnographie

  ـ الإثنوغرافيا

13

فعلم يقوم على المقارنة بين أساليب الحياة والنظم الاجتماعية، وهو عند بعض المدارس الاسم

Ethnologie - Ethnology

الإثنولوجيا/ الانثروبولوجيا. أمّا الإثنولوجيا

الآخر للأنثربولوجيا. راجع بعض خصائص تلك المباحث ومميّزاتها.

َِ المقاربات الأنثربولوجية وتصنيفها للثّقافات والشّعوب

الواو الساكنةُ بين الحُوشيوالمُحت