ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
127
2016 )9(
العدد
الأنثربولوجي يسعى إلى الكشف عن العلاقة بين الجانب الثقافي
.
20
والجانب الاجتماعي للإنسان
إنّ الثقافة مفهوم كليّ مركّبدال على ما يكتسبه الإنسان - وعى
بذلك أم لم يع - عبر وسائط متنوّعة (القانون، الأخلاق)، وذلك
في نطاق تفاعل اجتماعي.
من هذا المنظور ننتهي إلى القول إنّ الثقافة ظاهرة اجتماعية
وتاريخية تميّز الإنسان من سائر الكائنات الأخرى، ويكتسبها
الإنسان بالتّعلّم من المجتمع الذي يعيش فيه من جهة، ومن جهة
أخرى تختلف الثقافات بحسب درجات تح ّها، فهي البدائية
والمتمدّنة.
إلى توزيع
Lucien Lévy-Bruhl
م)
1939
م -
1857
إنّ اعتماد ذلك التصنيف أدّى بالأنثربولوجي الفرنسي لوسيان ليفي برول (
الشعوب/ الثقافات إلى شعوب/ ثقافات متحضرة وأخرى بدائية -شأن جميع الأنثربولوجيين المعاصرين له- وسمّى البدائية شعوب
نافياً قدرة المنتمين إليها على التجريد. وهي قراءة تكشف عن أهمّ نقائص المباحث الأنثربولوجية
Prélogique
«ما قبل المنطق»
الكلاسيكية التي لم تستطع الفصل بين الذات والموضوع، ففي أغلب الأحيان اتخذ الأنثربولوجي أفكاره والقيم الثقافية التي يتبنّاها
.
21
مقياساً يصنّف به الثقافات والشعوب والأديان
ج. محاولة الأنثربولوجيا الوظيفية والأنثربولوجيا البينوية محو التصنيف التفاضلي
الأساس الذي انطلق منه رواد الأنثربولوجيا الاجتماعية -لا سيما في إنجلترا- في
22
م)
1917
م -
1858
مثّلت آراء إيميل دوركايم (
Bronislaw Ma�
م)
1942
م-
1884
. فقد انصبّ اهتمام كلّ من برونسلو مالينوفسكي (
23
مقارعتهم ما نادت به الأنُثربولوجيا التطوري
ة
على روافد النظرية الإحيائية لإدوارد تايلور
41
، ص
1
. مج
1994 ،
ـ وقف محمّد عجينة في موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها، دار الفارابي، بيروت لبنان
20
م) في المجال الحضاري.
1882 -
م
1809(
الذي سعى إلى تطبيق نظرية تشارلز داروين
على تجاوز تلك النقائص فإنّ أصحابها بسعيهم إلى تجاوز النزعة المعيارية محوا الخصوصيات المميزة لكل
Le diffusionnisme
ـ رغم حرص المدرسة الانتشارية
21
ثقافة، فالانتشاريون عندما قارنوا بين الثقافات والشعوب المتباعدة جغرافيا انتهوا إلى إثبات وجود علاقات بينها بالنظر إلى تشابهها في المعتقدات والتقاليد، فـ«غرافتن
أقرّ بأنّ تاريخ الإنسانية هو بالأساس «سلسلة من الاستعارات الثقافية انطلاقاً من بؤر معيّنة تولّت بثّ
Grafton Elliot Smith )
م
1937 -
م
1871( »
إليوث سميث
وتلك رؤية ما انفكّت البحوث والدراسات المعاصرة تثبت بالأدلّة القاطعة
129-
الحضارة ونشرها.»- راجع لومبار (جاك): مدخل إلى الأثنولوجيا، (سبق ذكره)، ص
تهافتها، ذلك أنّ الثقافات التي قارن بينها الانتشاريون لم تقم بينها علاقات ولم تتواصل مع بعضها بعضاً.
جعلت القراءة الانتشارية الباحث المقارن يُحمّل النصوص والثقافات والأديان التي يقارن بينها دلالات لا تحتملها، وألزمها بقول ما لا تريد. ومأتى ذلك انطلاق أصحاب
المدرسة الانتشارية من تصوّر مخصوص، مؤدّاه وجود جامع بين الظواهر والطقوس والنصوص المتشابهة، وإنْ تباعدت الفضاءات الثقافية التي نشأت فيها تلك الظواهر
وترعرعت. ووفق هذه القاعدة أقرّت بالتنوّع ولكنّها حافظت على التصنيف الثنائي (المتوحش/ المتح ّ).
ـ لم يخف كلود ليفي ستراوس التأثير الواضح لأفكار دوركايم في المباحث الأنثربولوجية. راجع ستراوس (كلود ليفي): الإناسة البنيانية - الأنثربولوجيا البنيوية (القسم
22
وما بعدها.
43
الثاني)، ترجمة حسن قبيسي، مركز الإنماء القومي، بيروت لبنان، (دت)، (الفصل الثالث: ما تدين به النياسة إلى دوركايم)، ص
235
وص
167
ـ لومبار (جاك): مدخل إلى الأثنولوجيا، (سبق ذكره)، ص
23
قدّمت الأنثربولوجيا البنيوية للبحث
الأنثربولوجي إضافات عديدة، أهمّها قدرتها
على تجاوز القراءات المعيارية (متوحّش/
متمدّن)، وإثباتها أنّ ثقافة البدائي لا تقلّ
قيمة عن ثقافة المتمدّن. وهي رؤية تجلّت
أبعادها في جعل البنيوية تنفتح على مجالات
متنوّعة؛ منها الأدب والفلسفة واللغة
والميثولوجيا (الأسطورة) والدين
َِ المقاربات الأنثربولوجية وتصنيفها للثّقافات والشّعوب
الواو الساكنةُ بين الحُوشيوالمُحت




