ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
129
2016 )9(
العدد
إنّ هذه الخصائص لم تحل دون وقوع التصوّر البنيوي
الأنثربولوجي في مآزق عديدة، منها أنّ النزعة البنيوية
الأنثربولوجية رغم حرصها على إلغاء التفاضل بين الثقافات
والأديان، فإنّا لم تستطع تبّ المشترك بينها، فالانغلاقعلىعناصر
النص أو الثقافة أو الدين أو الظاهرة الواحدة - دون النظر في/
إلى العلاقات التي تصل تلك العناصر بعناصر أخرى موجودة
في النصوص والثقافات والأديان الأخرى- قد انتهى إلى اعتبار
النصوص والأديان جزراً منفصلة لا رابط بينها، أضف إلى ذلك
- لا
l’analyse synchronique
أنّ تركيزها على التحليل الآني
سيما مع مالينوفسكي وبراون- وتجاهل دور الماضي والسياقات
التاريخية في بناء دلالاتها، والتعويل على البعد الوظيفي قد محا خصوصيات الثقافات والأديان التي تمّ تحليلها بطريقة واحدة، وهو ما
أدّى إلى إقرار نتائج متطابقة أو متشابهة.
لقد سعت البنيوية بما هي ا ّاه فكري وتصوّر معرفي إلى إبراز الأنساق الدّاخلية المتحكّمة في بناء الظاهرة (الثقافية، الدينية،...). وفي
هذه الرؤية تهميش للعوامل الخارجية التي مثّلت أس النظرية المادية الماركسية.
إنّ هذا التصوّر انتهى إلى إقامة أسس جديدة للبحث المقارن، وذلك بفهم الظاهرة من داخل البنية الثقافية مدار الدرس، فقد أكّد
«ليفي ستراوس» أنّ الظواهر الأنثربولوجية قائمة على لغة رمزيّة مكثّفة تتشكّل من طبقات، فالظواهر الاجتماعية أو الدّينية تعّ بطريقة
، وهو ما دفع بـ«الأنثربولوجيا البنيويّة» إلى عدم
32ً
رمزية عن جملة من القضايا والأفكار والرّؤى التي يصعب طرحها طرحاً مباشرا
ـ في ما يتعلّق بعلاقات الوحدات في ما
33
مُعالجة الظواهر البشرية (الأسطورة، ...) بوصفها رموزاً مفكّكة، بل باعتبارها نسقاً لغويّاً
.
34
بينها - تقوم وحداته على مبدأ التّقابل
لقد سعى ليفي ستراوس من خلال التحاليل البنوية التي أنجزها إلى فهم «الخصوصيات الثقافية، وأنْ يثبت الوحدة الفكرية
، من
36
. وقد اقتضى ذلك منه دحض «الفكرة القائلة إنّ الشعوب البدائية عاجزة عن التفكير المجرّد»
35
للجنس البشري في آن معاً»
أنّ
1986 ،
ـدد، المجلس الوطني للآداب والفنون، الكويت
98
ـ بّ فهيم (حسين): قصّة الأنثروبولوجيا فصول في تاريخ علم الإنسان، سلسلة عالم المعرفة، عــ
32
«الأنثربولوجيا تربط بين الجانب المعنوي والمادي كما [كذا] يدور في الحياة اليومية للناس [...] ولا تفحص الأنثربولوجيا نظاماً معيّناً إلا في إطار ترابطه وصلاته بالنظم
.19
الأخرى» ص
ـ عمدت الأنثربولوجيا البنيويّة مع كلود ليفي ستراوس إلى تحليل الظواهر الإنسانية (الأساطير، ...) باعتماد مفاهيم إجرائيّة لسانيّة، إذ تمّ ربطها (الظواهر)
33
اعتباطيّة العلاقة بين الدّال والمدلول، انتهى إلى اعتبار علاقة الدّال
Ferdinand de Saussure)1913(
باللّسانيّات البنيويّة، فبعد أنْ استعار ليفي ستراوس من دوسيسير
بالمدلول في الظواهر الدينية والاجتماعية ...، هي العلاقة نفسها التي نجدها في المقاربة اللّسانيّة.
، وهي
Mythème
ـ قسّم «ليفي ستراوس» الظواهر الإنسانية إلى أجزاء/ جمل صغرى، مثلما فعل مع الأساطير التي عالجها ضمن جمل صغرى ممكنة وسمها بـ
34
.Paquets
وحدات متحوّلة من حضارة إلى أخرى، ولا تتحقّق دلالاتها إلا إذا جُمّعت في باقات
، المجلس الوطني
206
وآخرون: البنيوية وما بعدها من ليفي ستراوس إلى دريدا، ترجمة محمّد عصفور، سلسلة عالم المعرفة العدد
John Sturrock )
ـ ستروك (جون
35
.30
، ص
1996 ،
للثقافة الكويت
.38
ـ المرجع نفسه، ص
36
قلب المواضع جعلنا نذهب إلى إقرار
دلالاتجديدة للهمجيّة والحضارة، يكون
ّ محتضراً يوشك أنْ يموت،
فيها المتح
فالاعتداد بالنفس واتخاذ قيمها وتصوراتها
المعيار الذي تصنّف به ثقافات الآخرين
وحضاراتهم ومعتقداتهم يؤدي إلى انغلاق
أفق الحياة التي لا معنى لها في ظّل المطابقة
َِ المقاربات الأنثربولوجية وتصنيفها للثّقافات والشّعوب
الواو الساكنةُ بين الحُوشيوالمُحت




