ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
163
2016 )9(
العدد
لجون لوك.
1690
م . وكتاب «مقال في الفهم الإنساني» عام
1695
وما أن حلّ القرن الثامن عشر وهو عصر التنوير الأوروبي حتى
، أي
1701
شهد نشر كتاب ديكارت «قواعد لهداية الذهن» عام
بعد تأليفه بما يزيد عن نصف قرن، ثم تلته العديد من الكتابات
المنهجيّة التي كانت من أهم مظاهر الحضارة في عصر التنوير،
لجورج
1734
والتي كان من أشهرها كتاب «في التحليل»عام
م لهيوم.
1739
باركلي، وكتاب «رسالة في الطبيعة البشرية» عام
وقد اتفقت كلّ هذه الأعمال على أنّ المنهج هو مفتاح الوصول إلى
المعرفة، وأنّ عقل الإنسان الطبيعي آخذ في الاضمحلال لافتقاره
.
32
إلى المنهج الصحيح
و ُْسَب البداية للإنجليزي فرنسيس بيكون، وهو أحد رواد المذهب التجريبي الممتد إلى جون لوك، وديفيد هيوم، وجون ستيوارت
ميل، حتى برتراند رسل. فقد أراد بيكون العلم الذي يسيطر به الإنسان على الطبيعة، ويُغّ به نوع حياته على الأرض، فنفذ إلى ماهية
العلم الاستقرائي، وحاول أن يرسم بناءه، ووضع تصنيفاً له، وأفاض في شرح طرقه التجريبية، وأطلق على منهجه اسم الإصلاح
، وقف من خلاله ضد المدرسين والإنسانيين؛ انتقد الأولينلحبهم للنقاشوعدم توصلهم لشيء، وهاجم
Great Instauration
الكبير
الآخرين لولعهم بالبلاغة والشكل دون المحتوى، كما انتقد الاعتماد على العقل كأداة تجريد وتصنيف ومساواة ومماثلة، فكان أول من
.
33
حاول وضع صورة كاملة للمنهج الاستقرائي القائم على التجربة الحسية أو على الملاحظة والتجربة
آمن «بيكون» أنّ التقدم الإنساني يتمّ عن طريق التخلص من أوهام النظريات السابقة، ونادى بفحص آراء المشاهير وعدم تقبلها
هكذا على عواهنها دون نقد وتمحيص، ودعا إلى التدقيقفي استخدام مفردات اللغة، والتخلصمن التحيزات الفردية والأهواء والرؤى
Techni�
الذاتية. فكان بحق ثورة منهجية مهدت للمذهب والمنهج التجريبي خير تمهيد؛ حيث ربط بين الاهتمامات التأملية والعلمية
أو الآلة
Organum
؛ وجعل للفهم والفعل أو لليد والعقل المرتبة نفسها، فأضفى بذلكمعنىحيوياً جديداً على المصطلح الأرسطي
cal
كمنطق، فالآلة المادية والعقلية تمدّ اليد والعقل معاً بالقدرة الحقيقية عند بيكون، وتؤدي إلى تحسين مستوى الحياة إلى الأفضل. ولذلك
.
34
نرى أنّه من الصعوبة الموافقة على رأي أحد الباحثين الغربيين الذي يرى «أنّ منهجيات بيكون لم تسهم بشيء في اكتشافات العلم»
. فتخلى عن الميل إلى البحثعن العلل
35
كذلك َيّز منهج بيكون بالفصل بين الدين والعلم، فحرّر الفلسفة والعلم من الدين وقضاياه
الغائية الأرسطية، لأنا تعوق البحث عن العلل الفيزيائية الحقيقية، وأنّ معرفة العلم الحقيقية ستؤدي في النهاية إلى معرفة الله بصورة
أتمّ وأكثر يقيناً. ولكنه مع ذلك أخفق في إدراك أنّ الرياضيات لغة الفيزياء الجديدة، بحيث يمكن القول إنّ النزعة التجريبية عنده لم
تكن مثمرة أكثر من العلم الجديد في فيزياء عصر النهضة أو المذهب العقلي لدى الفلاسفة الذين أقاموا آراءهم على فلسفة ديكارت،
. ومن ثم كان منهج ديكارت في الاستنباط الرياضيخطوة
36
كذلك أخفق بيكون في إدراك أهمية الفرض التخيُلي الذي يضعه العلماء
.5-4
- محمد يحيى فرج: الأسس المنهجية للفلسفة الحديثة (دراسة تحليلية نقدية)، القاهرة، مكتبة كلية الآداب، جامعة عين شمس).د.ت، ص
32
.114
- أحمد محمود صبحي، صفاء عبد السلام جعفر، في فلسفة الحضارة، ص
33
34- R.W. Church, Bacon, New York, Hard Press Publishing, 2012 p.20.
.34
، ص
1997 ،
، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية
4
- محمد علي أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي «الفلسفة الحديثة»، ج
35
.122
- أحمد محمود صبحي، صفاء عبدالسلام جعفر، في فلسفة الحضارة، ص
36
مظاهر الهمجيّة والحضارة في عصر النهضة الأوربيّة
كان عصر النهضة الأوروبي بمثابة المخاض
الذي أخرج عصر التنوير الذي استطاع
أن ُفف من حدة مظاهر الهمجيّة لصالح
مظاهر الحضارة، تلك التي جعلت من الدول
الأوروبية قوة قاهرة استطاعت أن تقهر دول
الشرق وتستعمرها، ليرى الشرق عن طريق
الهمجيّة الاستعماريّة بصيصاً من أضواء
الحضارة




