ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
158
2016 )9(
العدد
) الذي اكتشف قانون تذبذب الأجسام الساقطة،
1642
-
1564
وعاصر جيوردانو برونو العالم الفلكي الإيطالي «جاليلو جاليلي» (
ووضع أسس قانون القصور الذاتي، واكتشف البقع الشمسية وقوانين المد والجذر، واكتشف بعض التوابع غير المعروفة لدى القدماء،
واخترع التليسكوب والميكروسكوب، وقضى حياته يدافع عن نظرية كوبرنيكوس ويؤيدها بكافة الأدلة والبراهين وعبر مناظيره
وتليسكوباته، فاتهمته الكنيسة بالهرطقة وقُدّم للمحاكمة بتهم مخالفته للكنيسة ولمعاني الكتاب المقدّس، وحُكِم عليه بالسجن، لكنّ
البابا، نظراً لشهرة «جاليلو» في كافة الأقطار الأوروبية، عَدَلَ عن سجنه، وعّ إقامته في قصرسفير توسكانا صديق «جاليلو»، ثم تركه
البابا يذهبحيث يشاء بعد بضعة أيام، وبعدها طلب«جاليلو» الإذن بالسماح له بالسفر إلى فلورنسا، فأذن له البابا، فعاشهناك «سجيناً
بالشرف»، حتى كفّ بصره، ومات هناك.
وعلى الرغم ممّا قد يشيعه البعض بأنّ «جاليلو» لم يُضطَهد من الكنيسة، إلا أنّ هذا الرأي لا يصمد طويلاً أمام الدراسات التاريخية
الجادة التي تؤكد أنّ «جاليلو» قد قُدّم للمحاكمة ذليلاً مُهاناً مُرغَماً، و ُِلَ على أن ينكر مشايعته لمذهب كوبرنيكوستحت تأثير التهديد
والوعيد، وأنه قُس أخيراً على أن يُعلن، جاثياً على ركبتيه، الاعتراف الآتي:«أنا جاليلو، وفي السبعين من عمري، سجين جاثٍ على
ركبتيّ، وبحضور فخامتك، وأمامي الكتاب المقدّس الذي ألمسه الآن بيدي، أعلن أني لا أشايع، بل ألعن وأحتقر خطأ القول وهرطقة
.
20
الاعتقاد بأنّ الأرض تدور»
ولمّا مات جاليلو رفضت الكنيسة التصريح بدفن جثته في مقابر أسرته، ومنعت إقامة شاهد تذكاري على قبره، وصرّح البابا «إربان
الثامن» بأنّ السماح بتكريم رجل أدانته محكمة التفتيش أسوأ مثل يعطى للناس، ولم ينتصب الشاهد على قبره إلا بعد أربعين عاماً، ولم
تنقل رفاته إلى مقابر أسرته إلا بعد مائة عام ، ثم أقيم عليها نصب أجازت نصّه مراقبة المطبوعات في محكمة التفتيش، ولقي أتباعه
من بعده تعنتاً واضطهاداً، وقد كتب «كامبانيلا» دفاعاً عن «جاليلو»، فكان هذا من أسباب تعذيبه واضطهاده، وأتمّ «كبلر» مباحث
كوبرنيكوس، فحذّره المجمع الأكليروسي البروتستانتي في «سنتجارت» من بثّ الاضطرابفي كيان العالم المسيحي، وطولب بالتوفيق
. وكان لمحاكم التفتيش دور كبير في محنة «جاليلو»، وهو الأمر الذي سنتناوله بالتفصيل في المحور التالي.
21
بين مزاعمه والكتاب المقدّس
. محاكم التفتيش
3
تُعدّ محاكم التفتيش أكبرسُبّة في تاريخ عصرالنهضة الأوروبيّة وتاريخ الكنيسة على الإطلاق، بل إنا مثّلت العنصرالوحشيوالهمجي
ضدّ الفلاسفة والعلماء والمفكرين والنهضويين الحقيقيين، فكانت بحق أخطر سلاح تقلدته السلطات الكنسية لمحاربة العقل الحر
والوعي النهضوي وكلّ من يخرج على الطاعة العمياء، فشنّت حملة دموية همجية على كلّ من يخالفها - ولو كانوا أطفالاً أو نساءً-
وتعقبتهم شنقاً وحرقاً وإعداماً .
وتجلت المظاهر الوحشيّة والهمجيّة لمحاكم التفتيش في الحرمان والمصادرة والإقامة الجبريّة، وحظر النشر، وإحراق المؤلفات،
والتعذيب والجلد، والمهانة والإذلال. والجدير بالذكر أنّ الكنيسة لم تُقم هذه المحاكم لمحاكمة الفلاسفة والعلماء والمفكرين، وبيان
حقيقة وضعهم من الإدانة أو البراءة، وإنما للتفتيش والبحثفيسراديب عقولهم، وفيسرائرهم وضمائرهم، ومكنوناتصدورهم عّ
يدينهم، فتقضيهذه المحاكم في شأنم بالإعدام، وكان يشهد على المفكر اثنان ذوا عدل، وكانا في الحقيقة من شهود الزور من الخصوم،
- أندرو ديكسون وايت، بين الدين والعلم- تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء، ترجمة: إسماعيل مظهر القاهرة، الهيئة
20
.66
، ص
2012 ،
المصرية العامة للكتاب
.207-206
- توفيق الطويل، قصة النزاع بين الدين والفلسفة، ص
21
غيضان السيد علي




