ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
164
2016 )9(
العدد
تالية لتطوير المناهج في عصر النهضة، فقد حاول ديكارت أن يبني نظام العالم بصورة قبلية تماماً في مقابل المناهج القائمة على الملاحظة
عند التجريبيين، كما يقترب المفهوم الديكارتي عن المنهج العلمي من النموذج الاستنباطي الفرضي الحديث الذي يضع الفروض أولاً
. كما لعب منهج ديكارت الشكي دوراً كبيراً في
37
ثم يستنبط النتائج بصورة منطقية ليقارن في النهاية تلك النتائج بالملاحظات الواقعية
التخلصممّا علق بالذهن الأوروبي من آثار العصور المظلمة، وفي الحقيقة كان تأثير ديكارت نافذاً إلى حد بعيد، حتى إنّ الديكارتيين من
أمثال ليبنتز، وسبينوزا، ومالبرانش، وكلوبرج... وغيرهم قد عملوا على نشر الديكارتية في أوروبا، فذهب ليبنتز إلى أنّ «طريق الوصول
إلى المعرفة اليقينية يكون بواسطة المنطق الذي هو آلة العلوم، والمُمَيّز بين الصواب والخطأ، وأنّ العقل الصحيح مرتبط بالحقائق، والعقل
الفاسد مختلط بالتخمينات والعواطف، مؤكداً على عدم الاعتراف بصحة فكرة ما دون البرهنة عليها، وعدم الاعتراف ببرهان ما لم يكن
. الأمر الذي أكده سبينوزا في كافة مؤلفاته التي أكدت على قاعدة البداهة والوضوح
38
في صيغة منطقية تلائم القواعد العامة للمنطق»
الديكارتية وأنه لن يقبل شيئاً على أنه حق ما لم يتبين له هذا بالبداهة، وأنه «لو استطاع الناس تنظيم شؤون حياتهم وفقاً لخطة مرسومة، أو
. كذلك أكدّ اسبينوزا
39
كان الحظ مواتياً لهم على الدوام، لما وقعوا فريسة للخرافة ...، فإنم يميلون دائماً أشد الميل إلى التصديق الساذج»
على تطبيق المنهج الديكارتي على الدين والسياسة والأخلاق، وهي المجالات التي عزف ديكارت نفسه عن تطبيق منهجه عليها؛ خوفاً
من بطش الكنيسة والحاكم نصف الإله والبطش المجتمعي، إلا أنّ سبينوزا ََسّكَ بالمنهج وطبقه على المجالات الثلاثة بما فيها الدين
متمسكاً بقول ديكارت إنّه «لا يوجدشيء يخص الدين يمكن تفسيره بطريقة أفضل من مبادئي التي هي أمثل وسيلة من وسائل هؤلاء
.
40
الذين ينعمون بالرضا والقبول العام» (أي رجال الأكليروس)
كما يمكن القول إنّ الفينومينولوجيا الألمانية المعاصرة، والمذهب الروحي البرجسوني في فرنسا، والوضعية، وألواناً بعينها من التفكير
. وهكذا ساعدت المناهج التجريبية والعقلية عند
41
الكاثوليكي، ويمثلها في فرنسا مثً بلوندل...، إنّما هي فروع من الأصل الديكارتي
بيكون وديكارت ذلك العصرعلى الانتقال بخطوات واسعة جداً نحو بناء الحضارة الأوروبيّة الحديثة والمعاصرة.
. الاستخفاف بالحق الإلهي المقدّس للملوك
3
بدأت في عصر النهضة بوادر الاستخفاف بالحق الإلهي المقدّس للملوك، ليعلي هذا العصر من شأن الإنسان وكرامته، حيث حرص
على أن يحيا الإنسان حياة أفضلفي ظلّ حكومة مدنيّة قويّة وخ ّة. ولذلك يُمكننا القول إنّ عصرالنهضة تميز بسيادة نزعة «الأنسنة» التي
أعادت الاعتبار للعقل البشري، وآمنت بقدرته على فهم العالم والسيطرة على الطبيعة.
فقد ظهرت إرهاصات قوية خلال ذلك العصر تندد بالحق الإلهي المقدّس للملوك. يقول إمام عبد الفتاح إمام عن فكرة «الحق الإلهي
، فمن المعروف أنّ ملوك العصور
42
للملوك»: «فقد تلقتضربات عنيفة على يد المفكرين السياسيين ابتداءً من عصرالنهضة الأوروبيّة»
.131
- المرجع السابق، ص
37
38- Leibniz (G.W): Theodicy essays on the Goodness of God, the freedom of man and Origin of Evil, Translated by: E.M.huggard,
London1940 p103.
.109
، ص
2008 ،
- سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي ومراجعة فؤاد زكريا، بيروت، دار التنوير
39
40- Cottingham (J.G), Stoothoff (R) And Murdoch(D), The philosophical Writings of Descartes, Vol.2 Cambridge, Cambridge University
press, 1985,p.392 .
.134
- أحمد محمود صبحي، صفاء عبدالسلام جعفر، في فلسفة الحضارة ، ص
41
.284
، ص
2010 ،
- إمام عبدالفتاح إمام، الأخلاق والسياسة - دراسة في فلسفة الحكم، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب
42
غيضان السيد علي




