ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
162
2016 )9(
العدد
.
29
الأسرار بواسطة التجربة، فإننا لم نصل إلى المعرفة بعد
وقد اكتشفعلماء عصرالنهضة أهمّ ما يميز العلم الحديثعن العلم في العصور السابقة، وهو اكتشاف لغة كمية دقيقة بدلاً من تلك
اللغة الكيفية التي تؤدي في أغلب الأحيان إلى الوقوع في الخطأ أو تبتعد عن الدقة التي أصبح يتطلبها العلم الحديث بقدر كبير، إنا لغة
الحساب والأرقام التي لا تتأثر بالعواطف والميول والرغبات، فأصبحت هذه اللغة الأداة الرئيسة لنموه وتقدّمه. ويبدو أنّ هذه الفكرة
م ، ثم ديكارت، وانتشرت بعد ذلك كمبدأ ضروري للعلم الطبيعي في العصرالحديث. وهكذا
1590
قد خطرت ببال «جاليلو» منذ عام
انتقل العلم الإنساني من مرحلة الأساطير والخرافات التي ملأت الكون بالأشباح والأرواح والآلهة، ثم إلى علم أرسطو الذي وقفت
عنده البشرية طويلاً، ثم إلى العلم الحديثفي عصر النهضة الذي انتهى إلى التصور الرياضيللطبيعة.
كما يجب ألا ننسى حركة الاستشراق، وخاصة في فرنسا، باعتبارها مظهرا من المظاهر الحضارية في عصر النهضة؛ حيث لعبت حركة
الاستشراق الفرنسي دوراً هامّاً في رقي حركة الترجمة في عصر النهضة، ويرجع ذلك إلى ما قام به المستشرقون الفرنسيون من نقل الثقافة
العربية إلى الغرب، واتضح ذلك من خلال ثلاثة محاور: الأول: ترجمة أمهات الكتب العربية القديمة إلى اللغات اللاتينية. والثاني:
الوقوف على أهم ما أنجزه المستشرقون من دراسات عن الأدب العربي. والثالث: التعرف على ترجمتهم للقصص والروايات العربية.
وقد نقل المترجمون من المستشرقين الفرنسيين الكثير من كتب العرب إلى اللغات اللاتينية والفرنسية، ومن أبرز المستشرقين الذين أسهموا
م) الذي ترجم كتاباً عن
1667
-
1613
م)، وفاتيه (
1581
-
1505
في ترجمة كثير من المصادر والمراجع العربية إلى الغرب: جيوم بوستيل (
التي ساعدت بشكل جاد في
30
علم المنطق والأمراض العقلية لابن سينا، وغير ذلك من المؤلفات العربية المترجمة إلى اللغات الأوربية
بناء الحضارة الأوروبية.
. الاهتمام بالمناهج العلمية
2
كان الاهتمام بالمناهج من أهم سمات عصري النهضة والتنوير على السواء، ولكنشرف البداية بهذا الاهتمام يرجع إلى عصر النهضة،
والامتدادُ والازدهارُ لعصر التنوير، فقد صحب زيادة الاهتمام بالعلم الاهتمام المتزايد بالمنهج العلمي ومحاولة تطبيقه في ميدان الفلسفة
من أجل الوصول إلى اليقين والإفادة من بعضقوانين العلم ونقلها إلى ميدان الفلسفة، وقد بلغ الاهتمام بالمناهج مبلغه في القرن السابع
عشر حتى سُمّي هذا القرن على وجه الخصوص بعصر الاهتمام بالمناهج، وهذا حقٌ، فقد اهتم الفلاسفة في هذا العصر بالطريقة التي
.
31
ينبغي أن يتبعها الإنسان في بحثه عن الحقيقة
ولذلكلم يكن للنجاح الذي أحرزه القرن السابع عشرمنسببسوى منهج البحث الذي اعتنقه الرواد من الفلاسفة، فليست الحقيقة
إذن كامنة في أغوار التراث وبطون الكتب القديمة، وإنما في استطاعة كلّ إنسان عاقل تحصيل المعرفة بنفسه، والوصول إلى الحقيقة ذاتها
إذا ما عرف المنهج المناسب الذي ينبغي أن يسير عليه، ومن هنا ظهرتمجموعة كبيرة من مؤلفات الفلاسفة في ذلك العصرالتي اهتمت
بالبحثفي المناهج، أي تلك المناهج التي تعمل على هداية العقل البشري، أو إرشاده أو إصلاحه، مثل: «الأورجانون الجديد» لفرانسيس
م،
1651
م، وكتاب «اللوياثان» أو «التنين» لتوماسهوبز عام
1637
م، وكتاب «المقال في المنهج» لرينيه ديكارتفي عام
1620
بيكون عام
بالإضافة إلى كتاب ليبنتز «مذهب جديد في الطبيعة واتصال الجواهر» عام
1662
و«إصلاح العقل»
1660
وكتاب سبينوزا «الأخلاق»
.165
، ص
1982 ،
- نازلي إسماعيل حسين: الفكر الفلسفي، القاهرة
29
.30-29
، ص
2011 ،
- محمود سيد بيومي، مفهوم الشك في عصر النهضة الأوروبية، رسالة ماجستير غير منشورة، كليّة الآداب، جامعة بني سويف
30
.95
، ص
1985 ،
- إمام عبد الفتاح إمام، توماس هوبز، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع
31
غيضان السيد علي




