Next Page  227 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 227 / 362 Previous Page
Page Background

227

2016 )9(

العدد

يشهد حضوراً للمطلق يفوق حضوره في مستوى الفن الرمزي،

بحيث نشهد تراجعاً في كثافة حضور المادة وتزايداً في حضور

العنصر الروحي/المثالي ومثال ذلك النحت، وبخلاف هذين

الضربين من الفن يتميز الضرب الأخير الذي يعينه هيغل في الفن

الرومنطيقي، والذي نشهد ضمنه حضور المطلق في كل ما هو

ذاتي، حيث المشاعر والأحاسيس وحيث لا يتخذ هذا الحضور

شكلاً مادياً خارجياً إلا على نحو جزئي، ومثال ذلك الرسم

والموسيقى والشعر، فأمّا الرسم فشأنه أن يكشف عن هذا الذاتي

ضمن إطار مرئي، وذلكعلى أساس أنّ المرئي يحيل إلى ما هو ذاتي

مجرد من انفعالات وأحاسيس ومشاعر، كذلك يكون هذا الفن

أكثر تجريداً وذاتية من الفنون الأخرى، لكنه دون فن الموسيقى،

لأنه في الموسيقى يتجلى الذاتي أكثر عمقاً، دون أن يتخذ من ذلك

شكلاً حسياً مباشراً سوى الأصوات التي تخضع في تركيبها

وتضافرها إلى ما يقتضيه هذا الذاتي، فإذا كان الصوت معطى

حسيّاً فإنّ هذا المعطى يظل مشروطاً بما هو ذاتي ومجرد، ومعنى

ذلك أنّ الموسيقى أرقى من الرسم ومن غيرها من الفنون مقارنة

بمنزلتها الإستيتيقية والفلسفية بالنسبة إلى الحقيقة المجردة، فلأنّ

الموسيقى هي الفن الأكثر تجريداً فهي الأقرب إلى الحقيقة باعتبار

،

24ً

أنّ حضور الشكل المادي الحسي فيها يظلّ حضوراً خافتا

ومن هذا المنطلق يعين هيغل منزلة فن الموسيقى الذي هو أرقى

من الرسم الذي نشهد فيه خروجاً عن الشكل المادي الحسي،

واستحضاراً لما هو ذاتي مجرّد، وما يعمّق هذا الوضع الذي تحوزه

الموسيقى باعتبارها فناً ينزع إلى التجريد، يتعين أساساً في ارتباط

، وهو الأمر الذي يجعله يحوز منزلة

25

الموسيقى بعنصر الزمنية

هامة بالنسبة إلى مسار تجلي الحقيقة، رغم أنّ الفن برمته (الرمزي،

والكلاسيكي، والرومنطيقي) يمثل ضمن النسق الهيغلي الدرجة

الأولى من تجلي الحقيقة مقارنة مع الدين ومع الفلسفة. بهذا المعنى

نحدد طبيعة المقاربة الفلسفية الإستيتيقية لفن الموسيقى مقاربة

تجعل من هذا الفن مشروطاً في تمثله بمقتضيات الفكر الفلسفي،

مادامت الفلسفة هي التي تعين وضع الفن ومنزلته بالنسبة إلى

، فحقيقة الفن بصفة عامة، وحقيقة فن

26

الحقيقة أو بالنظر إليها

136-135

المرجع المذكور سالفاً ص

Fubini :

  ـ انظر

24

.138

  ـ انظر: المعطيات السابقة نفسها ص

25

  ـ انظر:

26

-« C’est seulement lorsque, dans l’élément sensible des sons et de

الموسيقى تخصيصاً، إنما تتحدد على نحو فلسفي وبمقتضى المعايير

الفلسفية استجابة لبراديغم «العين» الذييجعل من التفلسفرؤية

يكون فيها تمثل الحقيقة على جهة التعقل، وما يترتب عن ذلك من

إخضاع الموسيقى لمقتضيات تلك الحقيقة بعد استغراقها ضمن

الأفق الإستيتيقي. الأمر الذي يجعل من الموسيقى مجالاً ممكناً من

مجالات انشغال الفيلسوف، شأنا في ذلك شأن بقية الفنون أو

غيرها من فعاليات الإنسان نظرية كانت أو عملية، بحيثلا مجال

للحديث عن خصوصية للموسيقى ضمن هذا السياق، وبناء

عليه يُعدّ الخروج عن هذا الوضع حدثاً فكرياً وانعطافاً تاريخياً

نشهد بمقتضاه تغيراً يتناسب مع التغير في مستوى البراديغم.

الموسيقي/ الفيلسوف

إنّ الانقلابفي مستوى تصور علاقة الفلسفة بالموسيقى يمكن

تمثله انطلاقاً من الانتقال من براديغم العين إلى براديغم الأذن،

وما يترتب عن ذلك من تغير في طبيعة الفكر الفلسفي وفي وضعه

بالنّسبة إلى الموسيقى بكيفية يستحيل معها «الموسيقيّ» نموذجاً

بالنسبة إلى الفيلسوف ومرجعيته في النّظر والتفكير.

إنّ مقاربة حقيقة استعارة «الأذن» ومدلولها تتجاوز التصوّر

الكسمولوجي الرياضي الذي يقضي بتمييز «الأذن» عن «العين»

باعتبارها تمكّننا من الإصغاء إلى الموسيقى الكونية في تواصلها

واستمراريتها، كما تتجاوز التصوّر الفلسفي الإستيتيقي القاضي

بربط الأذن بفن الموسيقى الذي يحوز وضعاً معيّناً ضمن نسق

العلم الفلسفي فضلاً عن كونه يظل ملتزماً بأدوات التمثّل

. وبمنأى عن

27

الإستيتيقي الميتافزيقي في مقاربة فنّ الموسيقى

leurs divers modes et combinaisons, un sentiment, une pensée

sont exprimés avec vérité, que la musique s’élève au rang d’un art

véritable, Il est d’ailleurs indifférent que cette pensée soit formulée

par des mots, ou qu’elle soit rendue plus vaguement par l’harmonie

des sons et l’animation de la mélodie. »

-Hegel, Esthétique, Textes choisie par Claude Khodoss, P.U.F. Paris,

1953. P 99.

  ـ انظر:

27

- Bernard Pautrat : Version du soleil, Figures et systémes de

Nietzsche, Seuil, Paris ,1971. p.75

ّمقالات

الفلسفيّ والموسيقي