224
2016 )9(
العدد
يجعل من التفكير الفلسفي مشروطاً في تمثّله بخاصيتي الوضوح
والتميّز من جهة وخاصيتي البداهة والحضور من جهة ثانية،
وهو ما يُعلّل في تقديرنا نموذجية استعارة «العين» بالنّسبة إلى
هذا الضرب من التفكير الذي ظلّ مخيّماً على تاريخ الفلسفة إلى
القاضي
)Bataille
الحدّ الذي نقدّر معه وجاهة موقف «باتاي»(
، وذلك من حيث أنّا عين
7
باعتبار هذا التاريخ «تاريخ العين»
شمسيّة لا تدرك الحقيقة إلا في وضوحها وبداهتها وتميّزها أي في
شمسيّتها تناسباً مع النموذج الأفلاطوني للرّؤية والإدراك.
مقاربة فلسفية أنطولوجية -إتيقية
حتى لا يكون التمييز الذي أجريناه بين «الموسيقيّ» وفن
«الموسيقى» مجرد إجراء منهجي يفتقد لكل كثافة فلسفية،
سنعمد في هذا السياق الذي نحن بصدده إلى تأصيله ضمن
إطار تاريخ الفلسفة مستأنسين في ذلك بالتمييز الفلسفي بين
المرجعية الفيثاغورية التي تؤسس تصورها للكون والكائناتعلى
«الموسيقيّ» باعتباره مقوّماً «أنطولوجياً»، والمرجعية الأفلاطونية
التي تستغرق مقاربتها لفن الموسيقى ضمن الأفق «الإيتيقي»
انطلاقاً من المهمة التي ينهض بها هذا الضرب من الفنّ، وأقصد
بذلك «التربية» أساساً.
لا يتسنى لنا تمثل خصوصية الفلسفة الفيثاغورية ذات المنزع
باعتباره مفهوماً
8
الرياضي إلا إذا تمثلنا ضمنها مفهوم التناغم
مركزياً بامتياز، لا بوصفه يُمكن من إدراك العلاقة ما بين الكائنات
التي
9
فحسب، بل بوصفه يمثل أساس الوحدة بين المتضادات
بمقتضاها يكون نظام الكون، ويكون تناغمه وانسجامه، الأمر
الذي يجعل من «الموسيقيّ» جوهر الكون باعتباره يجسد هذا
«التناغم»، بهذا المعنى يكون «الموسيقيّ» أساس الرؤية الفلسفية
للكون ولعلاقة الكائنات ضمن سياق الفلسفة الفيثاغورية، وما
ـ انظر:
7
- Claude Levésque: Dissonance, Nietzsche à la limite du langage,
Brèches, 1988.p86.
ـ انظر:
8
Enrico .Fubini, Les Philosophes et la musique, Honoré Champion,
Paris ,1983 . P17.-
18-17
ـ المعطيات السابقة نفسها ص
9
المنصف الوسلاتي
فن الموسيقى إلا محاكاة لهذه الرؤية الفلسفية الموسيقية للكون التي
تتجلى فنيّاً في مستوى التناغم بين الأصوات وفي علاقة بعضها
ببعض. ومن هذا المنطلق يمكن أن نتبين طبيعة العلاقة بين
الفلسفي والموسيقي ضمن إطار الرؤية الميتافيزيقية القائمة على
تمثل فلسفي «للموسيقيّ» باعتباره جوهر الكون. ولكن ما كان
لهذه الفلسفة أن تدرك هذا الجوهر الموسيقي للكون من خلال
الذي يقضي باستيعاب
10
مفهوم التناغم لولا منزعها الرياضي
دلالة هذا المفهوم بأدوات رياضية كالنسبة والمقدار، على اعتبار
أنّ تناغم الكون يجري كعلاقة بين كائنات جوهرها رياضيحيث
العدد والشكل، وانطلاقاً من هذا المنظور الفلسفي الرياضييحوز
«الموسيقيّ» وضع الأساس الأنطولوجي الذي مثل إطاراً مرجعياً
للفكر الفلسفي الأفلاطوني اللاحق عنه.
لا يتسنى لنا تمثل طبيعة العلاقة ما بين الفلسفة والموسيقىضمن
سياق التفكير الأفلاطوني إلا على أساس التمييز بين الموسيقى
، وههنا يكمن موضع
12
وبين الموسيقى كفن / كصناعة
11
كرؤية
الاختلاف عن المرجعية الفيثاغورية. فأمّا الموسيقى كرؤية فذلك
ما يتعين من جهة كونا تمثّلاً للكون وللإنسان انطلاقاً من مفهوم
التناغم المتصل بالمرجعية الفيثاغورية التي تمثل أرضية التفكير
الأفلاطوني، فكما هو الشأن بالنسبة لفيثاغور يرى أفلاطون
أنّ التناغم يعكس نظام الكون وانتظام النفس، ولكنّ هذا
التناغم بقدر ما أنه يمثل جوهر الكون فهو يؤسس عمقه الجمالي
الجمال) الأمر الذي يعلّل العلاقة الضرورية بين التناغم
=
(التناغم
والحقيقة والجمال بحسب المنظور الأفلاطوني، إلى الحدّ الذي يمكن
باعتبارها تمثلاً للتناغم
13
معه أن نرفع الموسيقى إلى مقام الفلسفة
الذي لا نميّز معه بين الحقيقة والجمال، وأمّا الموسيقى كصناعة
فهي دون مقام الفلسفة، وذلك نتيجة اضطلاعها بمهمة إحداث
اللذة المشروطة بمخاطبة الحواس واستجابة لمقتضيات الجسد،
وبهذا المعنى تُعدّ هذه الصناعة عائقاً للنفس في إدراكها للحقيقة
فضلاً عن كونا مشروطة بطبيعتها كفن، حيث لا تقوم إلا على
المحاكاة لحقيقة الكون، فما يحدثه فن الموسيقى من تناغم صناعي
19
المرجع المذكور سالفاً ص
Fubini :
ـ انظر
10
22
ـ المعطيات السابقة نفسها، ص
11
23
ـ المعطيات السابقة نفسها، ص
12
24
ـ المعطيات السابقة نفسها، ص
13
مقالات




