Next Page  228 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 228 / 362 Previous Page
Page Background

228

2016 )9(

العدد

هذين التصوّرين سنعمد إلى مقاربة استعارة «الأذن» ضمن إطار

الفكر النّيتشوي متوسّلين في ذلك بالمقطع الوارد ضمن مؤلّف

، حيث يعمد نيتشه

28

«الفجر» تحت عنوان «ليل وموسيقى»

في هذا المقطع إلى رصد العلاقة بين الأذن والموسيقى انطلاقاً

من ماضي الإنسانية بصفة عامّة ومن صورة البدائي تخصيصاً،

هذا الذي يتوسّل الأذن لتحديد الأصوات في ظلمات اللّيل إمّا

بغاية الافتراس أو بغاية تجنّب أن يكون الفريسة، وهو ما يعني

أنّ البدائي يعيش الخطر والمغامرة بهدف البقاء والتعلّق بالحياة،

سبيله في هذا الضرب من التواجد «الإصغاء» ووسيلته في ذلك

«الأذن». ولأنّ الإصغاء تحسّس للأصوات وتمييز بينها، ولأنّ

الصوت قوام الموسيقى ترتب عن ذلك اعتبار الأذنشرط إمكان

. وهو الأمر الذي

29

الموسيقى وألفة ظلمات الحياة على حد سواء

يمكن أن نتبيّنه بوضوح من خلال رمزية ديونيزوس بوصفه إله

الموسيقى والظلمات، بيد أنّ العلاقة بين الأذن والموسيقى التي

بمقتضاها ننتقل من «أذن» براغماتية حيوية إلى أذن موسيقية تظلّ

غير واضحة ما لم نتبّ الانتقال من مستوى الصراخ والضجيج

إلى مستوى الصوت الخاضع إلى «تركيب نحوي» أي إلى لغة

أو موسيقى. غير أنّ تحديد هذا الانتقال لا يكون في تقديرنا إلا

من خلال عمل جينيالوجي نتبّ بمقتضاه ما قبل تاريخ الفنّ

الموسيقي، من خلال نظرة ارتدادية تبدأ من التركيب والتنظيم

والهيكلة والإيقاع المرتبط بصوت في مستوى القطعة الموسيقية

كمادة أوّليّة وطبيعيّة.

30

وصولاً إلى الضجيج والصراخ

وبهذه النّظرة الارتدادية نتبّ الاختلاف بين «الأذن» الطبيعية

البراغماتية و«الأذن» الموسيقية الفنية، وسواء تعلّق الأمر بصراخ

183/182

ص

Aurore §250

  ـ انظر: نيتشة

28

« L’oreille, organe de la peur, n’a pu se développer aussi amplement

qu’elle l’a fait que dans la nuit ou la pénombre des forêts et des

cavernes obscures, selon le mode de vie de l’âge de la peur, c’est-

à-dire du plus long de tous les âges humains qu’il y ait jamais eu :

à la lumière, l’oreille est moins nécessaire. D’où le caractère de la

musique, art de la nuit et de la pénombre. »

ـ انظر:

29

-Magazine littéraire N°383 janvier 2000 P48 - 49

48

  ـ انظر: المعطيات السابقة نفسها ص

30

أو بصوت موسيقى فإنّ الأمر يظل متعلّقاً «بالأذن» وبالإنصات،

فضلاً عن ذلك فإنّ الانتقال من مستوى إلى آخر لا يعني في

تقدير نيتشه نسيان «الصراخ» وتهميشه بمجرد حدوث العمل

الموسيقي، مادام هذا «الصراخ» يتواصل في كلّ عمل موسيقي

القاضي باعتبار

31

فني، وليس أدلّ على ذلك من موقف هيدغر

مؤلّف «هكذا تحدّث زرادشت» «صراخاً» فكرياً حوّله نيتشه إلى

كتابة، فكان بمثابة العمل الفني الموسيقي على حدّ تقدير نيتشه

ذاته، وبناء عليه فإنّ الصراخ قد لا يكون المادة الأوّلية للعمل

، بل يكون آخر ما يلجأ إليه المفكر ويصوغه في عمل

32

الموسيقي

فني، سواء تعلّق الأوّل بإبداع قطعة موسيقية أو بإبداع كتابة فنية

موسيقية. من هذا المنطلق نتبّ أهميّة «الصراخ» باعتباره محدّداً

«للموسيقيّ»، فضلاً عن أهميته في تحديدضرورة «الأذن» وتحديد

طبيعة علاقتها بالموسيقى من جهة، وتحديد السبيل إلى حقيقة

الإنسان والوجود من جهة أخرى.

الكيان صراخ ونداء

إنّ مقاربة الصراخ لا تكون إلا من جهة كونه حدثاً طبيعياً

فيزيولوجياً يحيل إلى الجسد، ويقدّر أهميّة «الأذن»، فضلاً عن

كونه مجازاً نتبّ من خلاله:

ّاخ إلى نداء يعلن عن حدوث أمر جلل،

أوّلاً: استحالة ال

أو نداء يعلن عن اختناق صوت، أو فكر جرّاء ممارسة فكرية أو

  ـ انظر:

31

- Martin Heidegger, Qu’appelle-t-on penser ? Trad. de l’allemand

par Aloys Becker et Gérard Granel, P.U.F.Paris 1959 p.47

  ـ تختلف مقاربة مدلول «الصراخ» لدى كلّ من هيغل وشلنج، فإذا كان

32

شلنج يستغرق معنى الصراخ ضن دلالة الضجيج، وذلك انطلاقاً من التمييز

المصدر المذكور

Schelling, Philosophie de l’art

بين الرنين والصوت (انظر

)، وإذا كان هيغل يعتبر الصراخ مادة أولية يشكّلها الموسيقي على

180

سالفاً ص

النحو الذي يصيرها عملاً فنيّاً حاملاً لمعنى ومجسّدا للحقيقة على نحو ما (انظر

)، فإنّ القاسم المشترك بين هذين

102

ص

Hegel, Esthétique, Textes choisie

التصوّرين يكمن في استغرق معنى الصراخ ضمن الأفق الإستيتيقي، باعتباره مادة

أولية قابلة للتشكل بفعل عمل فنّي ينتقل بالصراخ من لحظة الضجيج إلى مرحل

الصوت المتمفصل، مؤسساً بذلك عملاً موسيقياً. وفي مقابل هذين التصوّرين

تتأسس مقاربة نيتشة للصراخ باعتباره نداء يوجب على الفكر مهمّة الإصغاء.

المنصف الوسلاتي

مقالات