Next Page  223 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 223 / 362 Previous Page
Page Background

223

2016 )9(

العدد

النفاذ إليها حتى يتسنى لنا تمثّل مقام النّموذجية، ولكي نتبّ

بوضوح هذا التمييز سنعمد إلى الاستئناس، على سبيل المثال، بما

من فرق بين «الرياضيات» كعلم،

)Heidegger

أجراه هيدجر (

و«الرّياضيّ» كجوهر مؤسس لهذا العلم.

ليس المقصود بالجوهر مفهوماً نقدّر بحسبه ماهية ما، بل

المقصود به الأساسأو المقوّم الأنطولوجي لكلعلم، وبهذا المعنى

،

4

يكون «الرّياضيّ» الأساس الأنطولوجي لعلم «الرياضيات»

وذلك على اعتبار أنه المحدّد للجهة التي نتمثّل بحسبها الوجود

حتى يكون موضوعاً لمعرفة من طبيعة رياضية، ونقصد بذلك

التمثل الكمّي، فعلم الرياضيات الذي يتّخذ من الكم موضوع

معرفته سواء أكان هذا الكمّ متصلاً (الشكل موضوع الهندسة)

أو كان منفصلاً (العدد موضوع الجبر)، علم يتجذّر في هذه

الأرضية الأنطولوجية التي يؤسّسها «الرّياضيّ» بتمثّله الكمّي

، وبالمثل فإنّ مقام «الموسيقي» بالنسبة إلى فنّ الموسيقى

5

للوجود

كمقام «الرياضي» بالنسبة إلى علم الرياضيات، وذلك من جهة

اضطلاعه بتأسيس الأرضية الأنطولوجية لفن الموسيقى، والتي

تقضيبتمثل الوجود على جهة الإيقاع والتناغم، وهو الأمر الذي

يمكن تجسيده فنيّاً من خلال الصوتضمن سياق فن الموسيقى.

بهذا المعنى نميّز بين الموسيقيّ كمقّوم أنطولوجي والموسيقى

كفن، وعلى أساس هذا التمييز يمكن أن نتبّ نموذجية الوضع

الذي يحوزه الموسيقيّ بالنسبة إلى الفكر الفلسفي. وبما أنّ الأمر

يتعلّق بقطيعة فكرية وبانعطاف تاريخي ترتّب عن ذلكضرورة

مسايرة هذا التحول بتمييز إجرائي بين صياغتين تع ّان عن

سياقين فكريين مختلفين: صياغة «الفيلسوف ـ الموسيقي» التي

تعبر عن المعهود في تاريخ الفلسفة القاضي بتنزيل الموسيقى

منزلة موضوع النظر، شأنه في ذلك شأن بقية الفنون، وصياغة

«الموسيقي-الفيلسوف» التي تعبر عن التحوّل الذي بمقتضاه

يحوز «الموسيقيّ» وضع الإطار المرجعي بالنسبة إلى الفلسفة التي

تستحيل بمقتضىذلك الوضعضرباً آخر من التفلسف.

  ـ انظر:

4

-Martin Heidegger, Qu’est-ce qu’une chose ? Trad. de L’allemand

par Jean Reboul et Jacque- Taminiaux, Gallimard,1971.pp.87/ 88.

بأنّ الطبيعة كتاب

Galilée »

  ـ يتجسّد معنى الرياضيّ فيما أكّده «جاليلو

5

كُتب بلغة رياضية لا يستطيع تمثله إلا من كان رياضياً.

الفيلسوف/الموسيقي

إنّ تمثّل صورة الفيلسوف/الموسيقي على النحو الذي تكون

فيه الموسيقى قيد النّظر الفلسفي الذي تحدّدت شروط إمكانه

من خلال استيعاب موضوع انشغاله على جهة التعقل، يقتضي

في المقام الأوّل تحديد براديغم هذا التمثل من خلال الإحالة

إلى استعارة العين باعتبارها نموذجاً بالنسبة إلى الفكر الفلسفي

على امتداد تاريخه، حيث تمكننا هذه الاستعارة من تمثل طبيعة

هذا التفكير بوصفه رؤية ونظراً، أي تأملاً في الحقيقة بوصفها

«شمساً»، ويمكن أن نعتضد لذلك بأمثولة الكهف أو بمفهوم

«المثل» الأفلاطونية والتي تدل من حيث معانيها الأصيلة على

هذا الطابع الشمسي، فالمثل تفيد من حيث الدلالة شدة اللمعان،

وذلك ما يتطابق مع التحديد الأفلاطوني للحقيقة بما هي وضوح

،

6

وتمييزشمسلا يمكن إدراكها إلا برؤية عقلية ونظر عقليصرف

هذا التقليد الأفلاطوني قد ترسخ على امتداد تاريخ الفلسفة رغم

الاختلاف بين الأنساق والمذاهب مادامت جميع الفلسفات تؤكد

على هذا الوضوح استغراقاً لماهية الحقيقة وشروط إمكان رؤيتهما،

على هذا النحو يمكن أن نتبّ كيفمثلت استعارة العين النموذج

والمرجع في تحديد مقتضيات الخطاب الفلسفي وشروط إمكانه

النّظرية، تمثّلاً للحقيقة ورؤية لها. هذا التحديد قد عّ للفلسفة

مقاسها وللخطاب الفلسفي تميزه في كيفية تمثّله للوجود، ولذلك

فإنّ الفن بما هو رؤية جزئية للوجود يظل خاضعاً لمقتضيات

الخطاب الفلسفي، إذ لاحقيقة للفنخارج هذا التحديد الفلسفي

الكلي لمعنى الحقيقة ولشروط إمكانا، وضمن هذا السياق الذي

يتخذ من استعارة «العين» نموذجاً ومرجعاً يتعّ وضع فن

الموسيقى مؤسساً بذلك الإطار الميتافزيقي لمقاربته.

إنّ الصّورة الميتافزيقية التي هيمنت على الفكر الفلسفي

تاريخياً تقضي باختزال التفكير والمعرفة في مستوى الرؤية والنّظر

، وذلك انطلاقاً من كون الوجود موضوع

)Noesis

«نويزيس» (

الرؤية يتميّز بالضياء والنور فضلاً عن تميّزه بالحضور، الأمر الذي

  ـ انظر في هذا السياق تأويل هيدجر لأمثولة الكهف الأفلاطونية، حيث

6

تأسيس العلاقة الضرورية بين الرؤية والطابع الشمسي تجسيداً لمقتضيات

براديغم العين

-Martin, Heidegger, Questions II, La Doctrine de Platon sur la

vérité, Trad.par André Préau, Gallimard, 1968. ّ

الفلسفيّ والموسيقي

مقالات