226
2016 )9(
العدد
في الجزئيّ والمطلق في الظاهر. ومن هذا المنطلق يحدد شلّنج طبيعة
الفن وحقيقته استناداً إلى هذه الخاصية المفارقية، لكنه رغم هذا
القاسم المشترك بين جميع الفنون فإنه بالإمكان رصد الاختلاف
بينهما، وذلك على أساس التمييز بينضربين منها، ضرب يكون
فيه الفن مرتبطاً بالواقع من جهة استغراق الجانب الواقعي
الموضوعي/ الفيزيائي، وآخر يتعلّق فيه بما هو مثالي، وذلك من
جهة الانصراف إلى الخاصية المثالية الذاتية /الروحية، هذا التمييز
يجعلنا نسم الضرب الأول بميسم الفنون التشكيلية التي ضمنها
يندرج فن الموسيقى، في حين أنّ الضرب الثاني يتعلّق بفنون
القول على جهة التعميم. ولكن لا تكون الموسيقى فناً تشكيلياً
إلا لكونا مرتبطة بهذا البعد المادي الفيزيائي الذي يمثل مرجعية
هذا التشكيل، ولا يكون الفن تشكيلياً إلا لكونه يتخذ من
المادة موضوعه الأساسي، يشكله على النحو الذي يجعله جميلاً،
ومن هذا المنظور يمكن اعتبار الموسيقى أكثر الفنون التشكيلية
نزعة واقعية وطبيعة فيزيائية، وتحديد هذا الوضع الإستيتيقي
لفن الموسيقى ضمن نسق الفنون من شأنه أن يمكننا من تحديد
.
19
طبيعتها وخصوصيتها مقارنة مع غيرها من الفنون
إنّ ما يميز فن الموسيقى يحدده شلّنج في العناصر التالية: أولاً
.
20
العنصر الإيقاعي، وثانياً عنصر التناغم، وثالثاً عنصر الميلوديا
أمّا الإيقاع فهو يمثل البعد الفيزيائي/ المادي في مستوى هذا
الفنّ، وأمّا التناغم فهو يتعلّق بما هو مثالي/روحي، في حين
أنّ الميلوديا تحيل إلى العنصر الذي يربط ما هو فيزيائي بما هو
مثالي، هذه العناصر مجتمعة هي التي تميز فن الموسيقى، رغم أنّ
هذه العناصر متفاوتة من حيث الأصالة، مادام الإيقاع يظلّ في
تقدير شلّنج العنصر الأكثر أصالة في فن الموسيقى، إلى درجة
، وأنّ
21
اعتباره شرط إمكان ما هو «موسيقيّ» في الموسيقى
-F.W.Schelling, Philosophie de l’art,Trad.par Caroline Sulzer et
Alain Pernet,Ed,Jérôme Million,Grenoble,1999.p179.
.134/133
المرجع المذكور سالفاً ص
Fubini
ـ انظر
19
، في هذا السياق يعمد شلنج
192
المصدر المذكور سالفاً ص
Schelling :
ـ انظر
20
إلى اعتبار أنّ هذه العناصر الثلاثة ليست مكونات فن الموسيقى فحسب، بل
إنها أساساً مقوّمات أنطولوجية للكون برمّته.
ـ انظر:
21
-« …,Le rythme n’est rien d’autre que cette uni-formation-même
أصالة الإيقاع لا تُستغرق في كونه العنصر الأكثر طبيعية والأكثر
)
le temps
فيزيائية فحسب، بل لكونه يؤسس لمعنى الزمنية (
، وهي
22
في الموسيقى انطلاقاً من العلاقة ما بين الإيقاع والتتابع
التي تجعل من الفن بصفة عامة ومن الموسيقى بصفة خاصة فناً
متناهياً، جزئياً (في الزمن) مادياً، لكنه رغم ذلك ينزع إلى ما هو
كلي مطلق ويجسده، بهذا المعنى نتبين خصوصية فن الموسيقى كما
نتبين مميزاته وأصالته ضمن إطار هذه المقاربة النسقية الإستيتيقية
لدىشلّنج، وهي المقاربة التي يمكن أن نجد امتدادها لدى هيغل
لكن على نحو مختلف.
إنّ تحديد الوضع الفلسفي الإستيتيقي للموسيقى أو لفن
الموسيقى، ضمن سياق الفكر الهيغلي، يستوجب أن نميز بين ثلاثة
ضروب للفن تمييزاً يستند إلى معيار فلسفي حدده هيغل في التمثّل
على جهة التعقّل لمفهوم الحقيقة بما هي مفهوم مجرد وكلي تجسيداً
وعلى هذا الأساسيحوز كلضرب منضروب الفن
23
للمطلق،
وضعاً ما بالنسبة إلى هذا المطلق، من أجل ذلك يعين هيغل الفن
الرمزي في المرحلة الأولى، وذلك نظراً لما يتميز به هذا الضرب
من الفن من استغراق للمادة وللحس، بحيث تكون المادة ويكون
الحس مجالاً لتجلي المطلق، وتتجّ فيه الحقيقة على نحو خافت،
مثال ذلك فن المعمار، فهذا الفن ينتمي إلى الفن الرمزي لما يتميز
به من حضور مكثف للمادة، وذلك ما يميزه عن الضرب الثاني
الذي يعينه هيغل في الفن الكلاسيكي، وذلك لكون هذا الضرب
dans la musique, il est la musique dans la musique il est donc,
conformément à la nature de cet art, son(principe) dominant. »
184
.المعطيات السابقة تفسها ص
.181
المصدر المذكور سالفاً ص
Schelling :
ـ انظر
22
ـ انظر:
23
« L’art n’a pas d’autre mission que celle d’offrir à la perception
sensible le vrai, tel qu’il existe dans l’esprit, le Vrai dans sa totalité,
dans sa conciliation avec l’objectif et le sensible .C’est dans la
mesure où ce but se trouve atteint dans la réalité extérieure des
œuvres d’art que la totalité qui, par sa Vérité, représente l’Absolu,
se laisse décomposer en ses divers éléments»
-G.W.F.Hegel, Esthétique, Trad. S.Jankélévitch, Flammarion, Paris,
979. Vol. III, p15.
المنصف الوسلاتي
مقالات




