Next Page  269 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 269 / 362 Previous Page
Page Background

269

2016 )9(

العدد

الباحث عن هويته. معاناة الرجل في ذكورته، ومعاناة المرأة في

أنوثتها. معاناة اللبناني من الاستهتار المستشري داخل الطبقة

الحاكمة، ومن تردّي الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية،

ومن انيار النظام الجمهوري في البلد: «مجتمع معطّل، لا ُسن

)

236

إدارة شؤونه، بينما يحمّل غيره عجزه المتمادي».(ص

سؤال الهويّة مطروح منذ البداية: «هل أنت هندي؟»

) الجواب سينتظر

35

-

29

-

16

)، «أم أنك مسلم؟»(ص

24

: « أنا قلمٌ عند الحاجة؛ حاسوب في الغالب.

277

حتى الصفحة

في أيّ وقت. أعود إلى هاتفي النقال، إلى آلة تسجيله الخافية، إن

احتجتُ إليها، وأُشغّلها طلباً للتلصّص الكتابي. أنا أذنٌ ُسن

الإصغاء، إن راق لها ما تسمع. أنا لغة تدوّن إن وجدت ما هو

عذب أو مؤلم. أنا لغة قيد التأليف إن حلا لها، وإن لم تقصد. أنا

أندسّ فيما يصلني، وأتمدّد فيه، كما لو أنه طاولة أكلي، أو حبقتي».

تنهمر معاني هذا النص على شاشة الوعي لترسم عليها صورة

من دون فوتوشوب لشربل داغر. يتحدّ في هذا النصبطل الرواية

بكاتبها، يتعانقان في رقصة الهويّة، ينصهران في نار اللغة، يكبران

معاً، يتألقان سوياً، ويتركان للقارئ متعة المشاهدة، ودعوة

مفتوحة للمشاركة.

تجدر الإشارة الى أنّ شربل داغر الشاعر لم يكن غائباً في الرواية،

إذ يمكن أن نتلمّس بصماته في أكثر من محطة منذ الصفحة الأولى

حتى الأخيرة، حيث تتبّ لنا بوضوح المشهدية الشعرية، والصور

الرمزية، والعبارات العابقة بالرموز. منذ السطر الأول نجده

يقول:

«التهمتني مثل ثمرة، وبصقتني مثل نواة.

أمسكتني بضربة يد واحدة. بيدها اليمنى أخذتني بثقة آمرة».

)

7

وفي الصفحات الأخيرة يصف أهل بيروت وبحرها قائلاً:

«البحر يحملهم من دون سفن، يترك الهواء يداعب أشرعة

قمصانم وفساتينهم، فيتهادون كما لو أنم يرقصون، ويتجاورون

من دون صدام، على أنّ الأفق يجمعهم في أحلامهم، ويفرقهم

)

345

أيضاً». (ص

عناوين الفصول الستة صيغت على مقام التشويق. نايات

الفصول تجبر القارئ على قلب الصفحة فوراً وعدم الاسترخاء

بعد القراءة. القفز السيع من مشهد إلى آخر، ربما يكون دليلاً

ليس فقط على الرغبة بإمساك القارئ والحفاظ علىشغفه، إنما على

أنّ صاحب الرواية يخشى الملل في طبعه، ويسعى إلى التجديد،

فجاءت روايته على صورته. أراد ألا يقع القارئ بما يزعجه هو،

بما يحاربه هو، ومن دون أن ننسى أنه شاعر يحترف فنّ التنقل من

مشهدية إلى أخرى في قصائد قد لا تتعدّى الأسطر القليلة.

لا يمكننا أخيراً أن نقرأ «شهوة الترجمان» للتمتع فقط بل

للتفكر، ولمواجهة الألم الذي نخفيه بالأقنعة المزيفة. نرافق الراوي

بتأنٍ، ونحن نمسك قلبنا بيدنا، ما الذي ستأتي به الفقرة اللاحقة،

ما يشبه الصدمة الوجودية؟

إنّ الترجمان تمكّن من توريطنا معه بأسئلته، وبحثه عن نفسه،

عن هويته، عما يريد فعلاً،...تمكّن من أسرنا ومن إبعادنا عن

انشغالاتنا ما عدا ذاتنا. لقد أغرقنا فيها، وجعلنا نتبنّى أسئلته،

ونشاطره نظرته النقدية، فنصوّب في اتجاه الأنا أعنف الأسئلة

الوجودية.

«شهوة الترجمان» وقفة موجعة للذات أمام نفسها. محطة مؤرّقة

توقظ الوعي في مواجهة انمار سيول من الأسئلة الوجودية

والكيانية والمصيرية التي تشغل بال من شاء أن ينفرد بأناه ويفكر

فيما يعتريها.

«شهوة الترجمان» عبارة عن ألف شهوة دفينة في كلّ من اختار

لنفسه طريق التعرّي أمام مرآة وعيه

«شهوة الترجمان» ... موعد مع الذات

أدب وفنون: نقد