Next Page  272 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 272 / 362 Previous Page
Page Background

272

2016 )9(

العدد

ينتمي مصطلح الانتظار إلى حقل البهجة والأمل والسّور، في

مقابل اليأس وما له من متعلّقات ومفردات مشابهة، مثل القهر

والظّلم والفقر والبؤس، وإن كان من العسير توضيح التقارب

والترابط بين الجانبين المادي والنّفسي، اللذين فصلهما الفيلسوف

) فصلاً متعسّفاً في فلسفته

1650

-

1596

الفرنسي ديكارت (

الأولى، ضمن ثنائيّة تقوم على مكوّنين مستقلّين في بنية الإنسان،

.

7

هما الفكر والجسد

ولكنّ النّفس البشريّة أعقد من ذلك بكثير ولا يمكن اختزالها

في لغة رياضيّة أو فلسفيّة، فإلى جانب العقل والبدن، نجد البعد

الأنطولوجي الذي يتعلّق بالخوف والحيرة والأسرار والخلود،

ومعنى الحياة والغيب، التي توسّعفي مفرداتها ومقتضياتها أرنست

.

8

بلوخ في كتابه مبدأ الأمل

وإن كان قد توجّه بها نحو آفاق ماسيحانيّة ماديّة تلتقي مع

ثنائيّته اليهوديّة الماركسيّة، ونزعته إلى محاولة إنقاذ الماركسيّة من

طابعها الطوباوي، وإلباسها لباساً منفتحاً على اليوتوبيا في نزعتها

الإنسانيّة المب ّة بوعود العدالة.

) هذا

1993

-

1903

وقد انتقد الفيلسوف الألماني هانس يوناس(

التوجّه الخلاصيلدى بلوخ، واقترح مبدأ المسؤوليّة بدل الأمل، فأصدر

كتاب مبدأ المسؤوليّة، اهتمّ فيه بمسألة الفراغ الميتافيزيقي

1979

عام

الذي لم تستطع الأخلاقيات المعاصرة سدّ نقائصه، وفي نظره فإنّ النسبيّة

الأخلاقيّة والنفعيّة، وعدم الاكتراث بنتائج المسار التّقني، هي التي

.

9

قتلت فكرة الواجب والمسؤوليّة لدى الإنسان المعاصر

عالج يوناس مشكلة اليوتوبيا التكنولوجيّة التي سكنت

العقل الغربي في انتظاراته النفعيّة، والحلم بتحقيق السّعادة، عبر

7 - Gerald Maurice Edelman, Comment la matière devient

conscience, Editions Odile Jacob Sciences ,mai 2000, page:18.

8 - Ernst bloch, Principe espérance, 3

volumes,Gallimard,Paris,1976- 1982 -1991.

9 - hanz jonas, Le principe responsabilité: une éthique pour la

civilisation technologique (1979) - traduction française, éd. du

Cerf, 1990

جنّة المقتنيات والمشتريات، أو تكديس البضائع الاستهلاكيّة،

والرّكض الدّائم وراء مستجدّاتها بدون تفكير في العواقب البيئيّة

والاجتماعيّة والمستقبليّة، فالمهمّ توفير السّعادة وتحقيق الرّغبات

الآنية، وهذا يستدعي فلسفة تقوم على التّنبيه ويقظة الضّمير،

وتحمّل المسؤوليّة تجاه المستقبل بالخصوص.

هاجم يوناس يوتوبيا عبادة التقنية، لكنّه كرّسحلولاً طوباوية

عبر تركيزه على المستقبل وتغييب الحاضر، فخوفه الأساسي هو

على الأجيال القادمة وليس الحاضرة، ولم يبّ سبل تمكّن هذه

المسؤوليّة وتحقّقها واقعاً ونفاذاً، فيظلّ طغيان النّزعة الاستهلاكية

وازدهار ثقافة الجشع والطّمع، في عالم سياسي ليبرالي متوحّش،

وإعلام موجّه للأشواق والأذواق، فضلاً عن جوانب الزّعامة

والظّهور واستغلال روح الجماعات، وفلسفة الجماهير، والتّضليل

الإعلامي، والتي ناقشها في أنساقها وتحوّلاتها التاريخيّة والنّفسية

) وتوسّع في أبعادها الاجتماعيّة من قبل.

1939

-

1856

فرويد(

.

10

)

1931

-

1841

غوستاف لوبون (

يتعلّق الانتظار أيضاً بمبدأ الدّفاع والتّعبير عن الذّات، بصور

من الفرح والحزن أو الألم. وحضور المخلّص أو المنتظر، وهو

حضور باطني لدى الشّخص أو الفرد، بمعنى الأمل والتطلّع

والانعتاق والإشراق نحو نايات مُتَوّجَة. أمّا على النّطاق

السّياسي والشّعبي، فالضّمير الجمعي يصنع أساطيره ورؤاه

وأحلامه، بالتّلقين والتمثّل والاستدعاء وقت الشدّة والرّخاء.

فالإيمان بالمخلّص محفّز وباعث للرّجاء، وهو أيضاً معّ عن

ضغط الجماعات وهمومها حيث يختلط الأنا والهو: الأنا القلق

المتوتّر، والهو المطمئن السّارح في روابي الحلم وممالك السّاب

الجميل. والانتظار هو حلّ جماعي لأنّه مرتبط بالإيمان بشخص

وهدف ووعود، ولذلك فهو لا يكون إلا رمزاً لتخليص الإنسان

من شقائه، ولا يكون أيضاً إلا مثالياً غير واقعي، حسب تقريرات

.

11

)

1917

-

1858

دوركهايم (

  - لوبون وفرويد، كلاهما كتب عن سيكولوجية الجماهير، وخضوعها للتوجيه

10

والحلم بمستقبل واعد، والدفاع عنه بشتّى وسائل العنف والقهر والدّعاية الزائفة. انظر:

م.

1991 ،

جوستاف لوبون، سيكولوجيا الجماهير، ترجمة: هاشم صالح، دار السّاقي

11 -

:انظر

Durkheim, les règles de la méthode

sociologique,puf,paris,1987

محمّد حسن بدر الدين

أدب وفنون: نقد