Next Page  274 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 274 / 362 Previous Page
Page Background

274

2016 )9(

العدد

نلاحظ أنّ مفردات الحليّ والعجل والجسد والخوار جاءت

مترابطة ومتعاقبة، وكلّها تشي بمعاني السّعة والغريزة وتداخل

العواطفوالإسقاطات المع ّة عن حركات الجسد وأحواله، لأنّ

ثلاثيّة الجسد والعقل والوسط الاجتماعي تسير معاً، كما لاحظ

.

15

)

Marcel Mauss - 1872-1950

مارسيل موس (

ربّما كان عجل الذّهب تعبئة لطاقات الغريزة واستغلال

للطقوسيّة الحيّة. وقد كان السّامريّ هو الشّخصية البارزة

لاستغلال الحشد وقيادته نحو ما تهواه نفسه. وإذا كان الانتظار

هو الفاعل الأوّل في تأسيس الماسيحانيّة ووجودها، فإنّ تجاوز

العابر ومعانقة الخلود تكمّل دور الانتظار، وتجعله بالضرورة

توقيفاً للضّغط والتوتّر أو منعاً له.

لأنّ عدم الأمل وعدم الانتظار يعني الانيار. ولكنّ الأمل هو

التمنّي، وليس التحقّق والحصول على المرغوب، أو هو العمل

على إيجاد ما هو مفقود، وكلّما تعقّدت مظاهر الحياة زاد الرّفض

والحلم، وعدم القبول بالواقع والاستشراف لغدٍ أفضل.

ومن هنا ازدهرت ثقافة علامات السّاعة وأشراطها في بنية

الفكر الإسلامي القديم والحديث، رغم تركيز القرآن على أنّ

السّاعة لا تأتي إلا بغتة ولا يعلمها أحد، ولا يمكن التنبؤّ بها،

لأنّا من مسائل الغيب المطلق: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ

مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّ عِلْمُهَا عِنْدَ رَّ َ َُلّيهَا لِوَقْتِهَا إِّ هُوَ ثَقُلَتْ ِ

الس َّوَاتِ وَا َْرْضِ َ تَأْتِيكُمْ إِّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا

) سورة

187

قُلْ إِنَّ عِلْمُهَا عِنْدَ اِّ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ َ يَعْلَمُونَ (

.

16

الأعراف﴾

15 - Henri Desroche. Dieux d›hommes. Dictionnaire des

messianismes et des millénarismes de l`ère chrétienne, paris ,1969.

page.5.

  - نلاحظ أنّ القرآن ينحو منحى واقعياً في هذه المواضيع:﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ

16

وََ أَمَاِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وََ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيّا وََ

) سورة النّساء﴾. ورد في تفسير ابن عطيّة: «وسبب الآية أنّ المؤمنين

123(

نَصِيرًا

اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: ديننا أقدم من دينكم

وأفضل، ونبيّنا قبل نبيّكم، فنحن أفضل منكم، وقال المؤمنون: كتابنا يقضي

على الكتب، ونبيّنا خاتم النبي ّ، أو نحو هذا من المحاورة، فنزلت الآية، وقال

محمّد حسن بدر الدين

أدب وفنون: نقد

تهب جنّة الماسيحانيّة للنّفس تشكيلاً جديداً للذّات، ومعانقة

أجمل للحياة، وعودة حميمة إلى رحم الأمومة والطّفولة، والمثاليّة

والبراءة والصّفاء. ومن هنا كانت المملكة الأرضية الواعدة

والحالمة هي أوّل ترياق شافٍ وبلسمٍ عافٍ، ضمن الخروج عن

العادي والمألوف والالتحام بفردوس الأحلام، والتغنّي بأمجاد

الماضي، باعتباره ملاذاً حالماً يحقّق مفردات الرّضى والغرور

والتعويض، بالنّسبة إلى الفرد والجماعة. وعلى رأي جوستاف

لوبون، فإنّ هذا التّعويض والتّصعيد يحقّق السعادة والقوّة

للشّعب بكامله، بسبب الدّفق العاطفي والتطلّع الذي يوفّره

للأمّة: «ومن أمل السّعادة التي يتخيّلها الشّعب والمعتقدات التي

هي عنوان ذلك الأمل تتكوّن قوّة هذا الشّعب، فمثل الشّعب

الأعلى يتولّد معه، وينمو بنموّه، ويموت عند موته، ومهما تكن

قيمة ذلك المثل الأعلى، فإنّه يمنح الشّعب الذي يعتنقه منعة

.

17

عظيمة، وتكون هذه المنعة على نسبة تأثير المثل الأعلى»

نلاحظهنا مزاوجةممتعة بينالتغنّيبالماضيوهيمنة ال ّاث، واللّجوء

إلى المستقبل الحالم، فهذه المزاوجة هي لبّ الماسيحانيّة والانتظاريّة،

كلتاهما ذكريات لذيذة واستشرافات عذبة. وربّما كانت الاحتفالات

والأعياد والتّظاهرات الدّينية وغير الدّينية تأكيدات لوحدة الأحلام

والمرجعيّة، وتحقيق الهدف المشترك والتلاحم الاجتماعي، من أجل

الدّفاع عن عقيدة موحّدة في النّظر والمصير والوجود.

ذكرنا أنّ المكان هو التمثّل الأوّل لنزعة الانتظاريّة وتجليّاتها،

فهو فضاء التّنفيذ وحيّز الوجود الفعلي المنتظر. يأتي التمثّل الزّماني

مجاهد وابن زيد: بل الخطاب لكفّار قريش، وذلك أنّهم قالوا: لن نُبعث ولا

نُعذّب، وإ ّا هي حياتنا الدّنيا لنا فيها النّعيم ثمّ لا عذاب، وقالت اليهود: نَحْنُ

] ، إلى نحو هذا من الأقوال، كقولهم: لَنْ يَدْخُلَ

18 :

أَبْناءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ [المائدة

] ، وغيره، فردّ الله تعالى على

111 :

الْجَنّةَ إِّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة

الفريقين بقوله: لَيْسَ بِأَمانِيّكُمْ وَلا أَماِّ أَهْلِ الْكِتابِ. ثمّ ابتدأ الخبر الصّادق من

قبله بقوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ. وجاء هذا اللّفظ عاماً في كلّ سوء، فاندرج

هـ) المحرّر الوجيز

542 :

تحت عمومه الفريقان المذكوران». انظر: ابن عطيّة (ت

في تفسير الكتاب العزيز، المحقّق: عبد السّلام عبد الشّافي محمّد، دار الكتب

.116/2،

ه

1422 ،

العلميّة، بيروت، الطبعة: الأولى

  - جوستاف لوبون، الآراء والمعتقدات، ترجمة: عادل زعيتر، دار كلمات،

17

.36

م. ص

2012،

القاهرة