Next Page  273 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 273 / 362 Previous Page
Page Background

273

2016 )9(

العدد

سيكولوجيا الانتظار:

الانتظار هو تعبير عن تجليّات الأمل وفسحة السّكون

والرّاحة، لم ينفكّ منذ آلاف السّنين يسكن الأذهان والعقول،

ويتناغم مع كلّ عصر وأحلامه ومشاغله في الحبّ والكراهيّة،

ّاعات الدائمة المنغّصة للحياة، ويبعد

والحقد والحرب وال

الملل والخوف من الموت وترقّبه. هو صراع ضدّ الموت، ولأنّ

الموت ترقّب، فليكن الانتظار خلاصاً وترقّباً جميلاً يواجه انتظار

الموت، تماماً كما فعلت الملاحم والأساطير، وكما ع ّت فكرة

الخلود عن مقاومة الموت ببناء الأهرامات والمعابد والبنايات

الضّخمة الخالدة. إنّه تجميل للحياة ودفاع عن الوجود، ونشر

فكرة المستقبل الأفضل والأسعد والأخلد، وتخفيفعنضغط،

واستعداد لنهاية جميلة تمنع وحشة الموت، عّ عنها الشّعر العربي

القديم بفسحة الأمل ودائرة المنى، أمام ضيق العيش وتفلّت

الأيّام، ومنغّصات الحياة اليوميّة.

اختار مؤيد الدّين الطّغرائي أن تحيا النّفس بالآمال، فقال بيته

الشّهير من البحر الْبَسِيط:

أعَلّلَ النّفسَ بالآمال أَرْقبها

مَا أَضيَقَ العَيْشَ لوْلا فُسْحَةُ الأمل

وقد التقط منه هذا المدلول البديع، الْع َِد الأصفهاني

م) ، فَقَال في تنويعة أخرىَ من

1201

-

1125

هـ/

597

-

519

(

البحر الطّوِيل:

وَمَـــا هذِهِ ا َْيّـام إلا صحائفٌ

نؤرّخُ فِيهَا ثمّ ُْحَى و َُْحـق

وَلم أرَ عَيْشًا مِثلَ دَائرَةِ المنى

توسّعُها الآمالُ والعيشضيق

هـ) الاحتماء بأمنيات

463:

بل فضّل الخطيب البغدادي(ت

الودّ والصداقة، التي تخفّف أعباء الحياة الجافّة، فقال من البحر

الْبَسِيط:

لَو قيل مَا تَتَمَنّى قلت ِ عجَل

أَخاً صدُوقاً أَميناً غيرَ خوّان

إِذا فَعَلت َيلاً ظلّ يشكرنــي

12

وَإن أسأتُ تَلَقّانــــي بغفران

تستخدم الماسيحانيّة اليهوديّة تشخيصات وأماكن للممالك

المبهجة تتوفّر فيها إقامة حالمة ودائمة، في رحاب العدل والسّلم،

وتستحضر شخوصاً وأبطالاً ذات روابط مع الماضي السّحيق

والحاضرذي المخاطر. ويستدعي ذلك تلفيق الأحداث والإبحار

في الأساطير. ولتوفير الرّضى النّفسي وتبرير المواقف، تتّخذ

الماسيحانيّة صوراً من عبادة الأشخاص، وتعتبرها نماذج للاقتداء

والمشاركة والمقاربة والالتحام مع البطل، وتتبدّى نزعة الشّعب

المختار، تجسيداً لظاهرة تضخّم الأنا وتبرير الأخطاء والاحتماء

بالقيادة والسّيادة. ولأنّ الماسيحانيّة هي وعود وآمال قبل كلّ

شيء، كان لا بدّ لها أن تُتمثّل وتَتَحقّق ضمن تمثّلات عديدة:

أو ّا: التمثّل المكانيّ والمادّي، أي ضرورة وجود مملكة، تحيل

مفرداتها ومكوّناتها إلى سطوة الامتلاك وشهوة الاقتناء وسلطة

الجسد وغريزة الإشباع المادي. وقد كانت المملكة اليهوديّة أرضيّة

بامتياز، ماديّةصرفة، لأنّ بني إسرائيلغلبتعليهم الغريزة والمادة

فلا تكون مملكتهم إلا ماديّة أرضيّة. وهنا وجب التّمييز بين يهود،

نسبة إلى دين، وبني إسرائيل نسبة إلى جنس. وفي شواهد التّوراة

والعهد القديم نجد تنويعات شتّى عن حبّ الامتلاك وغريزة

.

13

الشّهوة العارمة، وحبّ المال والجنس والذّهب والأرض

وقديماً عبد بنو إسرائيل عجلاً من ذهب له خوار، أي له بريق

وظهور وتملّك وإغراء وجاذبيّة. قال القرآن في سورة الأعراف:﴿

وَا َّذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجًْ جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أََْ يَرَوْا

.

14

148

أَنّهُ َ يُكَلّمُهُمْ وََ َْدِيهِمْ سَبِيً ا َّذُوهُ وَكَانُوا ظَا ِِينَ

هـ)

963 :

  - عبد الرّحيم بن عبد الرّحمن بن أحمد، أبو الفتح العباّ (ت

12

عاهد التنصيص على شواهد التلخيص، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد،

.141/2.

م

1998،

عالم الكتب، بيروت

  - علي عبد الواحد وافي، اليهود واليهوديّة، دار نهضة مصر، الطبعة السادسة،

13

.146

، ص

2008 ،

القاهرة، يناير

  - «عن سَعِيدُ بْنُ جُب ٍَْ، لَهُ خُوَار،ٌ قَالَ: وَاللّهِ مَا كَانَ لَهُ صَوْتٌ قَطّ، وَلَكِن الرّيحُ

14

كَانَتْ تَدْخُلُ ِ دُبُرِهِ وَتَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ الصّوْتُ مِنْ ذَلِكَ». انظر: ابن أبي

هـ) تفسير القرآن العظيم، تحقيق: أسعد محمد الطيب،

327-240(

حاتم الرازي

م.

1998/

هـ

1419 ،

مكتبة الباز، م. ع. س .الطبعة الثالثة

أدب وفنون: نقد

أدب الانتظار والخلاصفي الفكر الحديث ... مقاربة نفسيّة واجتماعيّة