Next Page  81 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 81 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

81

2016 )9(

العدد

الأمم الغنية أن تعمد إلى حشد كبير لشبابها من أجل خدمة مدنية كوكبية تكون حيث تكون الحاجة قائمة أو مطلوبة (الجفاف، الفيضانات،

الأوبئة).

لقد تم تقدير مشكلة الفقر بطريقة خاطئة، وذلك تحت مسمى العائد والراتب، في حين أنّ مشكلته الحقيقية تتمثل في التفاوت الذي

يشكو منه الأهالي، والبؤساء، والمعوزون، والهامشون، والبروليتاريون، ليس فقط بحكم سوء التغذية أو المرض، وإنّما في مختلف مناحي

الحياة، حيث يشكو المحرومون من غياب الاحترام والتقدير.

إنّ مشكلة المعوزين تتمثل في ضعفهم أمام الإذلال والجهل وتقلبات الزمن. إنّ مشكلة الفقر أكبر من الفقر نفسه. أي بمعنى، إنّا في

جوهرها ليست مشكلة حسابية ولا تقاس بلغة المال. سترتبط سياسة الإنسانية بسياسة العدالة لكل من لم يكن غربياً، وتعرضلإنكار

حقوقه من قبل الغرب، وكذلك من أجل الغرب نفسه. وستكون سياسة الإنسان سياسة من أجل تكوين الثروات الكوكبية المشتركة

وحفظها ومراقبتها في الوقت نفسه. وإذا كانتفي الوقت الحالي محددة وممركزة في القطب الجنوبي والقمر، فإنّ المطلوبهو إضافة المراقبة

على الماء، وضرووة حفظه، ومنع اختلاسه، وكذلك الحال بالنسبة لحقول البترول.

لسياسة الحضارة مهمة تطوير ما هو أساسيفي الحضارة الغربية، وأن تتخلصمن كل ما هو سيّئ وسلبي، وأن تجري عملية تأليف بين

الحضارات من خلال الإسهامات الأساسية للشرق والجنوب. إنّ سياسة الحضارة هذه ستكونضرورية بالنسبة إلى الغرب نفسه، لأنّ

الغرب نفسه يشكو أكثر فأكثر من هيمنة الحساب والتقنية والربح في مختلف مناحي الحياة الإنسانية، ومن هيمنة الكم على الكيف، ومن

تقهقر نوعية الحياة في المدن الكبرى، ومن ترك القرى للزراعة وتربية المواشي الصناعية التي أنتجت كوارث غذائية. وتكمن المفارقة في

أنّ هذه الحضارة الغربية المنتصرة في العالم هي اليوم في حالة أزمة في أساسها، وأنّ كمالها أظهر نقائصها.

يجب على سياسة الإنسان وسياسة الحضارة أن تأتلفا من أجل حلّ المشكلات الحيوية للكوكب. إنّ المركبة الفضائية للأرض تسيرها

أربعة محركات مجتمعة وفي الوقت نفسه غير مراقبة وهي: العلم، والتقنية، والصناعة، والرأسمالية (الربح). والمطلوب هو مراقبة هذه

المحركات: سلطات العلم، والتقنية، والصناعة بالأخلاق. ولا يمكن للأخلاق أن تفرضرقابتها إلا بالسياسة. كما يجب على الاقتصاد

ألا يكون منتظماً ومراقباً فقط، ولكن يجب أن يكون متعدداً، وذلك بأن يحتوي على التعاونيات والجمعيات وتبادل الخدمات.

وعلى هذا الأساس، فإنّ مجتمع-عالم يجب أن يتضمن في الوقت نفسه سياسة للإنسان وأخرى للحضارة حتى يتمكن من حل

المشكلات الأساسية، ويتمكن من مواجهة التحديات الخطيرة. ولتحقيق ذلك، فإنّه في حاجة إلى نوع من الحكم. ولكن يبدو

جلياً أنّ الحكم الديمقراطي بعيد المنال حالياً، والمجتمعات الديمقراطية تستعد وتتجهز بطرق غير ديمقراطية، بمعنى بإصلاحات

مفروضة.

سيكون من الأفضل لو أنّ هذه الحكومة تتم انطلاقاً من الأمم المتحدة التي تصبح كونفدرالية، وذلك بإنشاء هيئات كوكبية تتمتع

بسلطة حل المشكلات الحيوية والمخاطر القصوى (السلاح النووي والبيولوجي، الإرهاب، البيئة، الاقتصاد، الثقافة). ولكنّ مثال

أوروبا يبين تباطؤ مسار يتطلب إجماع جميع المشاركين. يجب أن تقع أحداث مفاجئة وخطيرة وكوارث حتى تحدث تلك الصدمة

الكهربائية الضرورية، ويتحقق الوعي، ومن ثمّ تتخذ القرارات.

من خلال التراجع والتفكك والانيار والكارثة يمكن أن ينبثق من الأرض-الوطن حسّ مدني كوكبي، ويظهر مجتمع مدني عالمي،

وتعزز الأمم المتحدة التي لا تحل محل الأوطان والبلدان، ولكنها تنميها وتطورها.

في سياسة الحضارة