ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
82
2016 )9(
العدد
العقبة الكبرى: الإنسانيّة نفسها
لقد رسمنا مخططاً عقلياً وإنسانياً لمجتمع-عالم كما يجب أن يكون، وذلك وفقاً لهذه العقلانية والإنسانية. ولكن يجب علينا ألا نخفي
طويلاً العقبات الكبرى التي تواجهه.
ثمّة في البداية واقعة، وهي أنّ التوجه نحو توحيد مجتمع-عالم يواجه مقاومة وطنية وعرقية ودينية تميل إلى بلقنة الكوكب، واستبعاد
مثل هذه المقاومات يفترضهيمنة شرسة.
وهنالك بوجه خاص عدم نضج الدول القومية، والعقليات، والضمائر، بمعنى وبشكل أساسي عدم نضج الإنسانية وقدرتها على
الاكتمال.
في الوقت نفسه، وبعيداً عنصياغة مجتمع-عالم متمدن كما بيناه سابقاً، هناك مجتمع-عالم متضخم وبربري تتمّ صياغته. هنالكما هو أكثر
من ذلك، وهو في حالة تنافس مع إمكانية مجتمع-عالم فيدرالي، هنالك إمكانية قيام حكومة إمبراطورية مضمونة ومسيرة من قبل الولايات
المتحدة الأمريكية. إننا في الوقت الذي نحن فيه على الطريق نحو مجتمع-عالم، نحن في الطريق نحو مجتمع عالم يأخذ شكل إمبراطورية-
عالم. صحيح أنّ هذا العالم-الإمبراطورية لا يستطيع أن يدمج الصين، ولكنه يمكن أن يحتوي أوروبا وروسيا بوصفهما محطات مدارية.
صحيح أنّ الطابع الديمقراطي والمتعدد القوميات للولايات المتحدة الأمريكية يمنعها من قيام إمبراطورية عنصرية وشمولية، ولكنه
لا يمنع من قيام هيمنة عنيفة وشرسة على المختلف، وعلى كل المقاومات المضادة للمصالح المهيمنة.
ومن جهة أخرى، ومهما كان طريق تشكله، فإنّ مجتمع -عالم لن يقضيمن تلقاء ذاته على أنواع الاستغلال، والهيمنة والظلم والتفاوت
القائم. إنّ مجتمع -عالم، وذلك بحكم الواقع، لا يمكن له أن يحلّ المشاكل الخطيرة القائمة في مجتمعاتنا وفي عالمنا، ولكنه هو الطريق
الوحيدة التي من خلالها يمكن للعالم أن يتقدم.
من المؤكد، وذلك انطلاقاً من مجتمع-عالم، مثلما هو الحال من إمبراطورية-عالم، يمكن أن نشرع في طريق طويلة وممكنة نحو مواطنة
15
أصدرتمرسوم كركلا
212
وسلم عالميين. إنّ الإمبراطورية الرومانية قامتعلى قرنين من الاستيلاء والغزو العنيفين، ولكنها في عام
الذي منح المواطنة لكل رعايا الإمبراطورية.
وهذا يعني أننا وصلنا ليس فقط إلى ناية تاريخية، ولكن إلى مقدمات بداية جديدة، ومثلها مثل كل البدايات التي تحمل البربرية
والوحشية، فإنّ الطريق نحو إنسانية متحضرة ستكون طويلة واتفاقية. وهذه الطريق ستتم، مثلما بدأت منذ هيروشيما في ظل الموت، بل
ومن الممكن أن تكون هذه البداية هي النهاية.
وسواء كان هنالك مجتمع-عالم أو إمبراطورية-عالم، فإنّ المشكلة الرئيسة ستبقى قائمة. وليست فقط مشكلة الانتشار والمنافسة
بين المصالح، والأطماع، والسلطات، وأصناف الاستغلال، هي التي تجعل كثيراً من الناس يفضلون الحالة الراهنة للعالم؛ وليس فقط
العنف والتعصب الذي يدفع نحو صدام الثقافات، وإنما هنالك أيضاً الفردانية الغربية والجمعاتية في كل مكان التي تتوسع على مستوى
الكوكب، وتفضل الشر الأولي لعدم التفاهم الإنساني.
15. l’Edit de Caracalla.
إدغار موران




