ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
83
2016 )9(
العدد
تفضل إنسانية المجتمعات الغربية التفاهم، ولكنّ هذه الإنسانية
قاصرة كلما تعلق الأمر بالمجتمعات الأخرى. وتفضل الفردانية
الغربية أكثر التمركز الذاتي، والمصلحة الشخصية، والاكتفاء
الذاتي على التفاهم مع الآخر، من هنا تقع الأضرار الكبرى
بالتفاهم بين العائلات، والجماعات، وفي أوساط العمل، وبالطبع
عند أولئك الذين يعلّمون التفاهم:المربّون، وذلكفي الوقت الذي
تقوم فيه الجماعات المنغلقة، وذلك في كل الحضارات، باستثارة
عدم التفاهم بين شعب وشعب، وبين أمّة وأمّة، وبين دين ودين.
من هنا ذلك الامتداد والانتشار والسخط الشديد في عدم التفاهم
القائم في الصراعات والأزمات التي تزامنت مع عمليات انبثاق مجتمع-عالم، التي تعمل بلا كلل من أجل تدمير وتخريبهذا الانبثاق.
ليس ثمّة بوذا جديد، أو مسيح جديد، أو نبي جديد يمكن أن يدعو إلى إصلاح الفكر، وإصلاح الأشخاص الذين سيسمحون
بالتفاهم الإنساني. مع أنه يجب أن يتم ذلك بفضل الحضارة العالمية، التي توصلت إلى تقدم كبيرفي الفكر الإنساني، ليسفقطفي القدرات
التقنية والرياضية، وليس فقط في معرفة التعقيد والتركيب، ولكن في جوانيتها النفسية.
من الواضح في نظرنا أنّ إصلاح الحضارة الغربية وكل الحضارات أمرضروري. وأنّ إصلاحاً جذرياً للنظم التربوية قد غدا ضرورياً.
وليس أقلّ وضوحاً منه سيادة نوع من اللاوعي الشامل والعميق فيضرورة الإصلاح.
إنّ الحاجة إلى الإصلاح الداخلي للفكر وللأشخاصقد أصبحضرورياً للسياسة، وهو بالطبع أمر غير مرئي بالنسبة إلى السياسيين. إنّ مخطط
السياسة الإنسانية والسياسة الحضارية الذي رسمناه، بقدر ما يتفق مع الإمكانيات المادية والتقنية، فإنه يشكل إمكانية حقيقية وممكنة حالياً.
لهذا السبب، فإنّ الإنسانية ستبقى طويلاً رهينة الألم الطفولي والإخفاق، مهما كانت الطريق التي تفرض نفسها. وعليه، فإنه حتى
في حالة فرضية الكونفدرالية الكوكبية، فإنّ المشكلة الرئيسة ستبقى قائمة: إذا كانت الأطماع والسعي المحموم إلى الربح والكسب
واللاتفاهم باختصار الملامح الأكثر اضطراباً و(مرضية)، وإذا كان من غير الممكن اقتلاع بربرية ورذائل الكائن الإنساني، فإنه من الممكن
على الأقل ضبطها. لهذا فإنّ المطلوب ليس إصلاح الفكر فقط، ولكن إصلاح الكائن الإنساني نفسه. وإنّ مجتمع-عالم سيتحمل إلى حد
الآن كل ما هو دموي ومتوحشفي تاريخ الإنسانية والإمبراطوريات والأمم. فكيفسيتم هذا الإصلاح الذي يفترض إصلاحاً جذرياً
للنظم التربوية، ويفترض تياراً كبيراً من التفاهم والتعاطففي العالم، وإنجيلاً جديداً، وعقلياتجديدة؟
لقد بلغ منهج إصلاح الإنسانية إلى نقطة الانسداد، المنهج الجواني الخاصبالفكر والروح والأخلاق والرحمة والتعاطف، لأنه لم يتمكن
من الحد الجذري من بربرية الإنسانية. وأدى المنهج الخارجي القائم على تغيير المؤسسات والبنى الاجتماعية إلى الإخفاق التام والمرعب،
بحيث أزال طبقة مهيمنة ومستغلة واستبدلها بتشكيل طبقة جديدة مهيمنة ومستغلة أسوأ من السابقة. بالتأكيد، إنّ الطريقينفيحاجة إلى
بعضهما بعضاً. يجب إذن التأليف والتركيب بينهما. كيف؟
لسنا حتى في البداية الجديدة، نحن في المستوى الأولي حيث الانطلاقة المزدوجة وغير المنضبطة التي يمكن لها أن تمسح وتكنس كل
إمكانية لبداية جديدة. إنّا انطلاقة المحرك الرباعي للعلم، والتقنية، والصناعة، والربح، والمرتبط بانطلاق البربرية التي تدفع نحو الهاوية
الكوكبية.
إذا كانت الأطماع والسعي المحموم إلى الربح
والكسب واللاتفاهم باختصار الملامح
الأكثر اضطراباً و(مرضية)، وإذا كان من
غير الممكن اقتلاع بربرية ورذائل الكائن
الإنساني، فإنه من الممكن على الأقل ضبطها.
لهذا فإنّ المطلوب ليس إصلاح الفكر فقط،
ولكن إصلاح الكائن الإنساني نفسه
في سياسة الحضارة




