76 / 362
ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
76
2016 )9(
العدد
إدغار موران
كلّ مجتمع يتكون من إقليم يتضمن نظاماً من التواصل. والكوكب الأرضي عبارة عن إقليم مجهز بنسيج من أدوات التواصل
(الطائرات، الهاتف، الفاكس، الإنترنت)، لم يسبق أن شهده أيّ مجتمع في الماضي.
وكلّ مجتمع يتضمن اقتصاداً، وقد أصبح الاقتصاد عالمياً، ولكن تنقصه لوازم المجتمع المنظم (القوانين، الحقوق،الرقابة) والمؤسسات
العالمية مثل الصندوق العالمي للنقد وغيره، ولكنها غير قادرة على إنجاز الحد الأدنى من التنظيم. إنّ كل مجتمع لا ينفصل عن الحضارة.
وثمّة اليوم حضارة عالمية، نابعة من الحضارة الغربية، وتنميها اللعبة التفعالية بين العلم، والتقنية، والصناعة، والرأسمالية. وتحمل جملة
من القيم المعيارية. ومع أنّ كل مجتمع يحمل في داخله ثقافات متعددة، إلا أنّه يتضمن ثقافة خاصة. والحال، فإنّ ثمّة اتجاهات عديدة
للثقافات العابرة التي تشكل أرضية لثقافة كوكبية. وخلال القرن العشرين أنتجت ونشرت وصنعت وسائل الإعلام المختلفة فولكلوراً
عالمياً، انطلاقاً من مواضيع أصيلة نابعة من ثقافات مختلفة، بعضها يمثل عودة إلى الأصل، وبعضها الآخر يمثل تأليفاً وتركيباً جديداً.
وقد تشكل فولكلور عالمي، واغتنى بأشكال من الدمج والتلاقي. وانتشرت موسيقى (الجاز) في العالم، حيثجمعت بين أساليبمختلفة،
. وولد (التانغو) في حي الميناء بـ(بيونس آيرس)، و(المامبو) الكوبي، و(الفالس) في فيينا.
4
وذلك منذ ظهورها في مدينة أورليانز الجديدة
وأنتج (الروك) الأمريكي بدوره منوعاتمختلفة فيجميع أنحاء العالم. واندمج (السيتار) الهندي للموسيقي (رافي شنكار)، و(الفلمنكو)
. وإذا كان (الروك) قد ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه قد تأقلم
5
الأندلسي، والطرب العربي لأم كلثوم، و(الهينو) في الأنديز
مع مختلف لغات العالم، متخذاً في كل مرّة هويّة وطنية. واليوم نرقصونحتفل في بيكين، وكنتون، وطوكيو، وباريس، وموسكو بالروك.
ويصطف شباب من جميع البلدان والأوطان على الأنغام نفسها، وعلى الكوكب نفسه. وقد أدى نشر الروك على المستوى العالمي وفي
كل مكان تقريباً، إلى أشكال جديدة من التركيب والهجنة، كما هو الحال في موسيقى (الراي) التي ابتكرت أنغاماً تزاوج فيها بين مختلف
الثقافات الموسيقية للعالم كله.
من المعروف أنّ الآلات الثقافية العجيبة للسينما والغناء والروك والتلفزيون يحركها الربح وينظمها التقسيم الصناعي للعمل، وبخاصة
في هوليوود، ولكن مع ذلك فإنم لم ينتجوا فقط أعمالاً رديئة ومتماثلة، ولكنهم أنتجوا كذلك أعمالاً جميلة ومتميزة. ثمّة إبداعية في هذه
. ولا يمكن لنا أن ننتج سلسلة أفلام أو مجموعة أغانٍ متماهية أو متماثلة، لأنّ كل واحدة
6
المجالات، كما بينت ذلكفي كتابي: روح الزمن
منها يجب أن تكون لها فرادتها وأصالتها. وعليه، فإنّ الإنتاج يتطلب بالضرورة الإبداع. غالباً ما يخنق الإنتاج الإبداع، ولكنه يسمح في
الوقت نفسه بإبداع أعمال جليلة. لقد ازدهر فن السينما في كلّ مكان، وانتشرفي جميع القارات، وأصبح فناً معولماً مع الحفاظ على أصالة
الفنانين والثقافات.
وعندما يتعلق الأمر بالفن، والموسيقى، والأدب، والفكر، فإنّ العولمة الثقافية ليستمتماثلة. إنا تتكون من موجاتكبيرة من الثقافات
العابرة التي تسمح بالتعبير عن الأصالة الوطنية في داخلها. وعمليات الخلط والهجنة، والشخصية الكونية، والازدواجية الثقافية، كما هو
الحال عند (سلمان رشدي، وإرجان أبادوري). وكلها تثري بلا توقف هذه الحياة الثقافية العابرة للثقافات. وسواء أدى ذلك إلى الأسوأ
في بعض الحالات، أو إلى الأحسن في معظم الأحيان. ومن دون أن تضيع أو تتيه، فإنّ ثقافات العالم كلها تغتني فيما بينها من دون أن
تعرف مع ذلك أنا تشكل أطفال الكوكب.
) هي أكبر مدينة في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنها انطلقت موسيقى الجاز.(م).
New-Orleans(
ـ أورليانز الجديدة
4
ـ نسبة لسلسلة جبال الأنديز التي تمتد على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. (م).
5
6 . Livre de poche, Essais, nouvelle editions, 1983.