ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
89
2016 )9(
العدد
سالب إلىصراع موجب، بمقتضاه تتقدم عجلة التاريخ وتتناسخ
؟ هل علينا أن نثمن الصراع في كلّ مناحيه الخلاقة:
7
الحضارات
الإثباتي (هيغل، نيتشه)، الطبقي (ماركس) والحيوي (داروين)،
وندين العنف الماكث على عطالته البيولوجية الذاتية؟
وعندئذ يتوجب علينا أن نميز بين الصراع بوصفه محرك التاريخ
وصانع الحضارات، والعنف بوصفه نزوة فردية مدمّرة لا تحمل
أيّ معنى تاريخي.
سيُشحن الصراع بمعانٍ بطولية ونضالية ورمزية، رغم عنفيته الدموية،
حيث يُمكنه أن يتجلى في أشكال شتى: الحرب، المقاومة، العصيان،
الاغتيال، الإرهاب. في حين سيُنتزع الحق الفردي في استعمال العنف منذ أن اتفق الإيديولوجيون على تسمية العنف الجماعي بالصراع الحتمي.
يفقد العنف الفردي كلّ دلالاته التاريخية إذا لم ينصهر في دائرة الصراع الطبقي والسياسي والمجتمعي. يتوقف العنف الفردي حالما
تضطلع الدولة بضمان البقاء البيولوجي لأفرادها، ويتوقف العنف الفردي حالما تحتكر الدولة حق القصاص.
يتنازل المواطنون في إطار الدولة التعاقدية عن حقهم في القصاص من بعضهم بعضاً، لفائدة حاكم أو هيئة تسوسهم وتحفظ أمنهم
وبقاءهم، وتحكم بينهم في خلافاتهم بدل القصاص الفردي الهمجي والفوضوي. وتمثل إحالة العنف الفردي/الهمجي إلى هيئة أو
.
8
مؤسسات محايدة أوّل محاولة جديّة في التنظير لمأسسة العنف وتشريعه في إطار دولة القانون والمؤسسات
أصبح العنف شأناً دولتياً ومؤسسياً ينظمه القانون، ولذلك اتخذ صفات الشرعية واقترن بالسيادة السياسية للدول. بيد أنّ العنف
الطبيعي الذي نقله الأفراد المتعاقدون إلى الدولة لم يضمحل، بل تطورت آلياته وأشكاله وتطبيقاته بالتوازي مع تطور أشكال السلطة
والمقاربات الديمقراطية والتعددية.
يرتد العنف إلى منحيين: الأول: لا يشرّعه - من هنا فصاعداً- إلا الصراع في سياق المقاومة المشروعة لرد الظلم والاعتداء، في إطار
ما يخوله القانون من حق الدفاع عن الوجود. الثاني: بما أننا لا نخوضصراع اعتداء وجودي، فالعنف يظل جزءاً من سيادة الدولة
. من المفترض المنطقي أن يختفي العنف الفردي أو الجماعي/الهمجي بعد أن
9
وسلطانا، وبالتالي لا ينفصل عن منظومة الحق والعدل
ـ تقول أرنت: «لا يمكن لأي شخص أعمل فكره في شؤون التاريخ والسياسة أن يبقى غافلاً عن الدور العظيم الذي لعبه العنف دائماً في شؤون البشر» حنا آرنت، في
7
10
) ص
1992،
العنف، أحمد العريس (مترجم)، (بيروت، دار الساقي
ـ العدالة القضائية تحتكر وحدها الحق في القصاص وتحوّل العنف الهمجي إلى «عنف مشروع»، وإلى «تقنية علاجية مخفية»، إنّ هذه العدالة هي «نظام عنيف ضد العنف».
8
Yves Michaud, Violence et politique, Paris, Gallimard, 1978, p 129
ـ «ينظر للعنف باعتباره لا شيء أكثر من التجلي الأكثر بروزاً للسلطة. كل سياسة إنما هي صراع من أجل السلطة، والعنف إنما هو أقصى درجات السلطة». هذا ما كان ك.
9
31
رايت ميلز يقوله، مستعيداً في هذا صدى ما كان ماكس فيبر يقوله عن الدولة «بوصفها سلطة للناس على الناس قائمة على أساس أدوات العنف المشروع». آرنت، ص
« يُفهم الحق دوماً من جهة مبدئه بصفته إقصاء للعنف (...)، لا يمكن للعنف أن يوجد إلا خارج الحق». انظر:
Yves Michaud, Violence et politique, op.cit, 1978, p 127
سياسات «العنف الجهـادي» ورهاناته
يتنازل المواطنون في إطار الدولة التعاقدية
عن حقهم في القصاصمن بعضهم بعضاً،
لفائدة حاكم أو هيئة تسوسهم وتحفظ أمنهم
وبقاءهم، وتحكم بينهم في خلافاتهم بدل
القصاص الفردي الهمجي. وتمثل إحالة العنف
الفردي/الهمجي إلى هيئة أو مؤسسات محايدة
أوّل محاولة جديّة في التنظير لمأسسة العنف
وتشريعه في إطار دولة القانون والمؤسسات




