Next Page  94 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 94 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

94

2016 )9(

العدد

وعليه نفهم ضمنياً أنّه لا إيمان ولا تقوى خارج هذين الحدّين: الحد الجماعوي (الفرقة الناجية)، والحد الديني (الدين

.

21

الإسلامي)

ويترتب على هذا أنّ من توفر فيه الشرطان اكتمل دينه وتدينه، ومن أعوزه ذلك اختلت موازين حياته، وضلّ ضلالاً بعيداً، وحكم

على نفسه بالشقاء الدنيوي والأخروي.

بيد أنّ الأكثر خطورة من هذا «الضلال» هو أن يُشرّع غُلاة الدين استباحة دماء كلّ ما لا ينتمي إلى ملتهم سواء بإرادته أو بغيرها،

استناداً إلى هذا الشعور الاصطفائي المستند إلى النص المقدّس، بحيث لن يكون العدوان على الآخر المخالف لنا في الملة متناقضاً مع القيم

الإنسانية والأخلاقية، لأنّ المتشدد الديني (الوثوقي)، لا يعترف أولاً بالقيم الدنيوية، وثانياً سيعتقد أنّ سلوكه يتسق مع أوامر الجهاد

ضد الكفرة، هؤلاء الذين وعدهم النص المقدّس بالعذابفي الدنيا والآخرة.

الاصطفائيّة الجماعويّة بحديها: الفرقة الناجية والدين الإسلامي، بقدر ما منحت معتنقيها شعوراً بالأمان الهووي، بقدر ما أغلقت

، وفي مدونتين مغلقتين:

22

دونم الأبوابعلى رياح الآخرين، بحيثسجنتهم فيلحظة تاريخية مثالية (العصرالذهبي النبوي والخلافتي)

. وبذلك تهيأت كلّ الشروط لظهور النزعات الأصولية والسلفية بكلّ أطيافها.

23

النص القرآني والمدونة الحديثية

سيتذرع الأصوليون الدينيون، في كل مرّة، بالتهديد الواقع عليهم من قبل أعدائهم العقائديين، وبخطر تلاشيهويتهم النقيّة، فيتأهبون

ويدفعون بالكلّ نحو حروب

24

للقتال دفاعاً عن الكيان المهدّد، ويؤججون المشاعر الهوويّة المختزلة إلى حدودها الدينية دون بقية الروافد

.

25

دينية دموية لا تبقي ولا تذر. وبذلك يتحوّل العنف باسم المقدّس الى عنف مقدّس

يأخذ القتل، قتل الآخر وتدميره، وكراهية الآخر والتربص به، طابع الدفاع عن النفس والوجود والكينونة. ويصبح العنف مبرراً

ومشروعاً ومقدّساً ضد الآخر.

  ـ يقول حسن البنا: «يجب العمل على أن تكون قواعد الإسلام الأصول التي تنبني عليها نهضة الشرق الحديث في كل شأن من شؤون الحياة. وإنّ كل مظهر من

21

مظاهر النهضة الحديثة يتنافى مع قواعد الإسلام ويصطدم بأحكام القرآن، هو تجربة فاشلة فاسدة ستخرج منها الأّمّة بتضحيات كبيرة في غير فائدة. فخير للأمم التي

.57

)، ص

2003 ،

تريد النهوض أن تسلك إليه أقصر الطرق باتباعها أحكام الإسلام». حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، (بغداد، أنوار دجلة

  ـ تحقق النموذج المثالي للدولة والمجتمع في التجربة الرسولية والخلافتية، وبالتالي فالعصر الذهبي للتاريخ البشري توطن هنا، وإذا كان يتعين على الإنسانية آن

22

تبحث عن خلاصها من الجاهليات المتراكمة، فعليها أن تستلهم هذا النموذج وتحاكيه، ويفيد هذا أنّ التاريخ الذي مضى بعد هاتين التجربتين كان ارتداداً ونكراناً لهذا

.76

المنوال المتعالي، وعليه فهو «تاريخ عرضي بالكامل بالنظر لتاريخ الخلاص الذي يسيره الله». روا، تجربة الإسلام السياسي، ص

Mohamed Arkoun, Lectures du Coran, Paris, Maisonneuve, et Larose, 1982 :

  ـ انظر محمد أركون

23

  ـ الدين مكوّن من مكونات الهويّة، ولا يمكن أن يستغرقها برمّتها. فإذا استغرقها تختفي عناصر التنوع والتوازن والاعتدال داخل الهويّة، ويتلاشى منها قانون التطور

24

،352

والتثاقف والحركة، وعندئذ تغدو الهويّة إيديولوجيا قاتلة. انظر أمارتيا صين، الهويّة والعنف: وهم المصير الحتمي، سحر توفيق (مترجم)، سلسلة عالم المعرفة

.31

) ص

2008

(الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يونيو

  ـ يعتقد الأصوليون أنّ «الهويّة الإسلامية تمثل الحل الصحيح في مواجهة الحضارة المعاصرة، وأنّ إحياء هذه الهويّة يمثل إحياء لجذور قادرة على إفراز حضارة معاصرة

25

لها ارتباط حقيقي بالأرض والتراث وطبيعة الشعوب، وأنّ الإسلام قد تعدّى دوره كدين إلى دور أوسع ثقافياً وحضارياً، وأنّ ما يترتب على إحياء الهويّة الإسلامية من قيام

. 31

، ص

1992 )

الرابطة الإسلامية يمكن أن يمثل حلاً سياسياً ممكناً ومطلوباً». انظر: د. فرج فودة، حوار حول العلمانية، (مراكش- دار تينمل للطباعة والنشر

مصطفى بن تمسك