Next Page  92 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 92 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

92

2016 )9(

العدد

. فلسفة «العنف الجهادي» وسياساته العملياتية

II

أ. المرجعيات العقائدية-الإيديولوجية للعنف الجهادي

ـ الحاكمية / التوحيد والعبودية

تعني الحاكمية أنّ الله وحده هو المُشرّع لعباده من خلال النص المقدّس الذي نقله النبي بطريق الوحي. وتأتي أيضا في إطار حسم

الخلافات المستعصية بين البشر، بخصوص الإجماع على مرجعية حياتية ومدوّنة معاملات تنهي الصراع والتقاتل بين البشر.

تفيد الحاكمية أنّ الله قد كفانا مشقة البحث عن مرجعية ثابتة يتفق حولها البشر، ويعتمدونا عقداً للتعايش ونبذ كلّ أسباب الصراع

المدمّر بينهم. إنّا بمثابة العقد الميتافيزيقي الذي قرّره الله للبشر- رحمة منه بهم- لحقن دمائهم وتوجيه عدوانيتهم الطبيعية نحو «الباقيات

الصالحات».

الحاكمية هي رديف العبودية والتوحيد، فعندما نعترف بالإله الواحد، نلغي تبعاً لذلك كلّ عبودية للآلهة الأخرى، ولا سيما الدنيوية

منها.

وهكذا، يكون الله الواحد معبودنا الأوحد وحاكمنا الأوحد. ويترتب عن ذلك أنّ من يعتقد في ثالوث الحاكمية والعبودية والتوحيد

سيجد نفسه تحت وصاية مرجعية متعالية لا تبالي بعوارض الدهر وتغير الأحوال، وأنّه واقع في إسار ميثولوجيا قدرية لا تعترف بإرادته

وقدرته على الفعل. وفضلاً عن مشاعر الضمور الذاتي، سيجد المؤمن القدري نفسه واقعاً في مواجهة مفتوحة مع المرجعيات الدنيوية

والوضعية.

يفترض ثالوث: الحاكمية الإلهية/ التوحيد والعبودية، أنّ تشريع البشر هو مجرد استنساخ لشريعة الله، وأنّ إرادة الإنسان محكومة

بقضاء الله، فإذا انتفى هذا الأصل انتفى وجود هذا الدين. يقول سيد قطب: «إنّ وجود هذا الدين هو وجود حاكمية الله، فإذا انتفى

هذا الأصل انتفى وجود هذا الدين. وإنّ مشكلة هذا الدين في الأرض اليوم هي قيام الطواغيت التي تعتدي على ألوهية الله، وتغتصب

سلطانه، وتجعل لأنفسها حق التشريع بالإباحة والمنع في الأنفس والأموال والأولاد. وهي المشكلة التي كان يواجهها القرآن الكريم

بهذا الحشد من المؤثرات والمقررات والبيانات، ويربطها بقضية الألوهية والعبودية ويجعلها مناط الإيمان أو الكفر، وميزان الجاهلية أو

الإسلام. إنّ المعركة الحقيقية التي خاضها الإسلام ليقرر «وجوده» لم تكن هي المعركة مع الإلحاد، حتى يكون مجرد «التدين» هو ما

يسعى إليه المتحمسون لهذا الدين، ولم تكن هي المعركة مع الفساد الاجتماعي أو الفساد الأخلاقي، فهذه معارك تالية لمعركة «وجود» هذا

.

15

الدين...، لقد كانت المعركة الأولى التي خاضها الإٍسلام ليقرّر «وجوده» هي معركة «الحاكمية»، وتقرير لمن تكون»

عملياً يفهم الأصوليون الحاكمية وتوابعها كونا مقاومة هيمنة القوانين الوضعية على التشريعات الإلهية كما تواترتفي الكتب المقدّسة.

تعتدي القوانين الوضعية على ألوهية الله، وتغتصبسلطانه، وتجعل لنفسها حق التشريع بالإباحة والمنع في الأنفسوالأموال والأولاد.

. ومن

16

يتعين إذن إعادة ترتيب السلطات بوضع المطلق في مكانه الطبيعي واستعادة تعالويته على وفاقات البشر النسبية والاختلافية

هنا نفهم جيداً عمق العداء الذي تعلنه حركات الإسلام السياسيضد مشاريع الحداثة والديمقراطية، لكونا تستبدل التشريع الإلهي

.1217

)، ص

1980 ،

(القاهرة، دار الشروق

3

ـ سيد قطب، إبراهيم حسين الشاذلي، في ظلال القرآن الكريم، ج

15

.35 .

)، ص

2004 ،

ـ أبو بكر ناجي، إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمّة، (مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية

16

مصطفى بن تمسك