ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
93
2016 )9(
العدد
بالتشريع البشري، وهو ما اعتبره سيد قطب «شركاً بالله». كتب يقول: «والمشركون يشركون مع الله آلهة أخرى في صور شتى. ويقوم
الشرك ابتداء على إعطاء غير الله سبحانه شيئاً ما من خصائص الألوهية ومظاهرها، وفي مقدمة هذه الخصائصحق التشريع للعباد في
شؤون حياتهم كلها، وحق وضع القيم التي يتحاكم إليها العباد فيسلوكهم وفيمجتمعاتهم، وحق الاستعلاء على العباد وإلزامهم بالطاعة
.
17
لتلك التشريعات والاعتبار لهذه القيم»
-الاصطفائية الدينية والجماعوية
كيف يمكن لأمّة أن تكون مصدر تسامح، وأن يُنشّأ أفرادها على قبول الآخر المختلف في الملة والثقافة، وأن تُنمّي التعددية الدينية
والثقافية داخل نسيجها المجتمعي وتضمنه بالقانون والمؤسسات، وهي ترزح تحت ترسانة هائلة من الوثوقيات القائمة على اعتقادات
هوويّة/ اصطفائيّة - ماورائيّة؟
النص القرآني هو بلا شك السند المرجعي لهذه الاصطفائية الجماعويّة، وهو مصدر الحقيقة المطلقة عند المسلمين، ولمّا كان هذا النص
قد خصّهم بصفات هوويّة-اصطفائيّة، فهو إذن المرجع والرؤية والفلسفة التي يتحصن داخل أسوراها المؤمنون، ومن خلالها يحددون
طرائق تعاملهم مع الأغيار.
يخصّ النص المقدّس، في مواقع عديدة، المؤمنين بالتشريف والحظوة، ويعدهم بالجنات وحور العين. وفي المقابل، يبخس بشدة
«الكفرة»، ويعدهم بالعقاب الغليظ. مستعيداً بذلك منطق الثنائيات المعروففي الأديان القديمة، والفلسفات المثالية الإغريقية.
وغير خافٍ عن الأنظار أنّ المنطق الثنائي هو منطق انشطاري بطبعه، يُقَسّم الأشياء إلى شطرين: أحداهما موجب والآخر سالب. لا
يستثني التقسيم الثنائي شيئاً، إذ ينسحب على التصور الأنطولوجي للكون: عالم سماوي (نور) وعالم دنيوي (ظلمة)، ثم يمتد إلى مجال
المعرفة: معرفة إلهية (وحي) تقابلها معرفة بشرية (ظنيّة)، فإلى مجال الأخلاق: خير يقابله شر، حتى يصل بنا إلى مجال البشر، فيقسمهم
أفراداً إلى مؤمنين وكفرة، ويقسمهم جماعات إلى دار سلام ودار حرب. وبالمحصلة، يُكرّس التقسيم الثنائي للبشر والمجتمعات مشاعر
الإقصاء والتمييز والتفاضل بين البشرعلى أساسات دينية، ُصّنة بنصمقدّس، لا يرقى إليه النقد أو التجريح أو التعديل.
، لا تقوم
18
ورُبّ تقسيم كهذا أن يسجن «جماعة المؤمنين» داخل هويّة-اصطفائيّة جماعويّة (تفضيل الأمّة المسلمة على بقية أمم العالم)
.
19
على اختيار هؤلاء للمنحنى الإيماني فحسب، بل لأنم أصابوا في اختيارهم هذا أفضل الأديان التي سيتقبلها الله من المؤمنين: الإسلام
والنتيجة أنّ مداخل الإيمان بالله الواحد تختزل في مدخل وحيد، هو الدين الإسلامي بنص القرآن ذاته: «ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن
.
20
)
19
،
75
يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (آل عمران
.619 .
ـ قطب ، ص
17
110
ـ «كنتم خير امّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله». آل عمران
18
ـ يقول محمد قطب:«يشمل الإسلام كلّ مظهر من مظاهر النفس الإنسانية، لأنّه أنزل لكل فرد بمفرده يحيا على هذه الأرض، دونما اعتبار لعرقه أو لونه أو لموضع
19
إقامته وبيئته وظروفه الجغرافية والتاريخية أو ميراثه الثقافي أو الذهني (...)، الإسلام يشمل كافة احتياجات الحياة، ماضياً ومستقبلاً، ويحققها سواء أكانت هذه
الاحتياجات روحية أو مادية، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو خلقية أو ثقافية أو جمالية». محمد قطب، الإسلام والمجتمع المعاصر، (بالإنجليزية، تحت إشراف
.74
. نقلاً عن روا، ص
1
) ص
1982،
سالم عزام) (المجلس الإسلامي الأوروبي
.48
وسورة المائدة، الآية
48
ـ انظر أيضاً سورة العنكبوت، الآية
20
سياسات «العنف الجهـادي» ورهاناته




