Next Page  95 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 95 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

95

2016 )9(

العدد

اتّسم العنف الديني على مرّ التاريخ بالترويع والبشاعة، فقد حصد ملايين البشر في حروب مجنونة جرت أحداثها في مختلف أصقاع

العالم في أوروبا وآسيا وأمريكا باسم الدين والله والمقدّس. من أبرز الحروب الدينية المدمّرة نذكر الحروب الصليبية في الشرق العربي،

،

26

والحرب الأهلية الدامية المرعبة والفتاكة التي دارت رحاها بين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر في أوروبا الغربية

والحروب الطائفية التي دارت رحاها في لبنان، وما زالت تدقّ طبولها في العراق واليمن وليبيا وسوريا والعراق ونيجيريا.

ب. السياسات الجهاديّة - العملياتيّة

- الهجرة والانعزال

من مقتضيات الجهاد أن يهجر المؤمن (داخليّاً) الآثام والمعاصيبطريقة التوبة، وأن يردف الهجرة الداخلية (الإيمانيّة) بهجرة خارجية:

هجرة المجتمع الجاهلي. لا تكتمل الهجرة الأولى (التوبة) إلا بالهجرة الثانية إلى الجماعة الإيمانية والإخوانية، حيث يتمرّن المهاجرون على

طقوس الإيمان الجماعي، ويتشبّعون بالشحنة العقائدية، ويتعلمون كيفية الانضباط لأوامر قادتهم، ويستعدون حربياً لقتال المجتمع

الجاهلي المهجور. وقد كان سيد قطب أول من دعا في كتابه: «معالم في الطريق» إلى هجران المجتمع الجاهلي، وتأسيس الجماعة المؤمنة

القادرة على إحداث التغيير الديني بالعنف الجهادي.

تمثل الهجرة إذن تقليداً نضالياً، وحركة انفصال رمزية عن المجتمع المرتد عن تعاليم الإسلام، وداراً لجماعة الإخوان، حيث يحققون

فيها بشكل مصغّر مُثل الدولة الإسلامية المنشودة.

تندرج طقوس الهجرة في إطار رؤية تاريخية تقسمه «إلى فترة جاهلية تتلوها مرحلة الإسلام. يعتقد السلفيون أنّ العالم يعيش حالة

جاهلية لا يمكنه الخروج منها سوى عبر ثلاث خطوات: الإيمان (أي الإسلام بالمفهوم السلفي)، الهجرة (أي هجرة المؤمنين من

.

27

الدوالكافرة إلى «مجتمع المؤمنين»، والجهاد (من أجل إقامة الدولة الإسلامية للأمّة)»

- النكاية والإنهاك

، بل أيضاً

28

لا يمكن أن نحصر الفعل الجهادي في نيل الغايات الأخروية فحسب، ولا سيما الشهادة، كما ذهب إلى ذلك أوليفيه روا

.

29

ضمن استراتيجية جهادية تتكون من ثلاث مراحل: النكاية والإناك، ثم إدارة التوحش، ثم التمكين: قيام دولة الخلافة المنتظرة

  ـ المذهب الكاثوليكي كان في العصور الوسطى يعتبر نفسه الدين الوحيد الصحيح، وما عداه هرطقة، ومن لا يعتقد بعقيدة الكنيسة الكاثوليكية التي يقف على

26

رأسها بابا روما فإنّ مصيره جهنم وبئس المصير، وأنها وحدها الفرقة الناجية من الدين المسيحي. والرأي المخالف لهذه الكنيسة ممنوع، وينبغي استئصاله بالقوة، وهذا

ما فعله الكاثوليك بالبروتستانت طوال القرن السابع عشر. «كان العنف في القرن الرابع عشر قانونياً وفردياً، فقد صادقت الكنيسة على التعذيب ومارسته بانتظام

للكشف عن الهرطقة بواسطة محكمة التفتيش عبر المشاة في أثناء ممارسة حياتهم اليومية بجانب رؤوس مقطوعة، وأجساد مقسمة أربعة أجزاء، وموضوعة على

خوازيق جدران المدينة (..)، كان الصلب بالمسامير والرماح والشوك، وكان نزيف الدم أمراً شائعاً». انظر: بربارا ويتمر، الأنماط الثقافية للعنف، د. ممدوح يوسف عمران

.80

) ص

1978

. (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يناير

337

(مترجم)، سلسلة عالم المعرفة

.22

)، ص

2015 ،

  ـ عبد الباري عطوان، الدولة الإسلامية: الجذور..التوحش ..المستقبل، (بيروت، دار الساقي

27

«يُعتبر أتباع القاعدة البنلادنية وأعضاء الجهاد الإسلامي الظواهري والمتطوعون الآخرون الذين خرجوا من بلادهم للجهاد في أفغانستان «مهاجرين»، فيما يُعتبر أبناء الملا عمر الطالبانيون

.56

) ص

2010 ،

وأعضاء الجماعات المحلية الأخرى في جنوب شرق آسيا « أنصاراً». انظر: يسري فودة، في طريق الأذى: من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش، (القاهرة، مصر، دار الشروق

.26

)، ص

2003 ،

ـ أوليفيه روا، عولمة الإسلام، لارا معلوف (مترجم)، (بيروت، دار الساقي

28

.15

ـ ناجي، ص

29

سياسات «العنف الجهـادي» ورهاناته